ما يثبت به الإقرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يقع الإقرار بتحقّق ما يدلّ عليه مباشرة من المقرّ، سواء كان لفظاً- صريحاً أو ظاهراً- أو إشارة أو كتابة واجدة لشرائط القبول و
الاستناد على ما هو الثابت في سائر المواضع التي من هذا النوع.
نعم، في خصوص ما يقع به الإقرار وقع كلام بينهم في أمرين:
فحكم بعضهم بكفايتها، ومنهم
السيّد الطباطبائي حيث قال: «وتقوم
الإشارة المفهمة مقامه، فيكتفى بها عنه مطلقاً».
وعلّله
السيّد العاملي بأنّ المقصود التعبير عمّا في الضمير، وهو حاصل بالإشارة المفهمة أيضاً.
وعن بعض المتأخّرين المنع عنه، وكأنّه للشكّ في تسمية مثله إقراراً.
وظاهر كلام
المحقّق النجفي إنكار صدق الإقرار على الإشارة المفهمة الفعلية مع قبوله لحوق حكم
الإقرار به.
نعم، لا إشكال ظاهراً عندهم في كفاية إشارة
الأخرس .
فقد حكم بعضهم بكفايتها استناداً إلى أنّ الإقرار إخبار بحقّ سابق وهو يشمل الكتابة، حيث إنّها شكل من أشكال
الإخبار .
بينما يستظهر من كلمات كثير منهم في سياق تعريفهم للإقرار بأنّه اللفظ المتضمّن... يستظهر أنّه لا
اعتبار بالكتابة، بل صرّح المحقّق النجفي بظهور كلمات الفقهاء في أنّ الإقرار من مقولة اللفظ،
بل صريح بعضهم عدم كفاية الكتابة؛ لعدم صدق الإقرار عليه.
أمّا ما يثبت به وقوع الإقرار في الخارج من المقرّ في مرحلة سابقة فقد ذكروا أنّ الإقرار بالحقّ كنفس الحقّ يثبت بوسائل متعدّدة،
ومن ذلك قيام البيّنة عليه تماماً كما في سائر الموارد التي تكون البينة فيها مثبتةً لأمرٍ مّا.
ويثبت أيضاً بالإقرار به؛ نظراً إلى أنّ الإقرار بالإقرار إقرار كما صرّح به بعض الفقهاء؛
لأنّه- كما تقدّم- إخبار جازم بحقٍّ سابق، والإقرار الذي أقرّ به المقرّ حقّ للمقرّ له أو في معنى الحقّ؛ لثبوت الحقّ به، فيندرج في عموم (إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ).
وهذا لا كلام فيه، إنّما الكلام هنا في أنّ الحكم بثبوت الإقرار الأوّل وترتيب الآثار هل يكون من حين الإقرار الثاني أو الأوّل؟ إذ لو قيل بأنّ الإقرار الثاني كاشف عن الإقرار الأوّل صار الإقرار الثاني بمنزلة البيّنة مثبتاً لوقوع الإقرار الأوّل، فتترتّب الآثار على الأوّل حينئذٍ.
أمّا لو قيل بأنّ الإقرار الثاني بنفسه إقرار لا أنّه كاشف عن الإقرار الأوّل فلا محالة تجري الأحكام من حين الثاني؛ نظراً إلى أنّ الإقرار الثاني إنّما حكم به لأنّه إقرار، لا لأنّه مثبت له. ولعلّ ظاهر التعليل المذكور في كلام
المحقّق الكركي هو الأوّل، وتظهر الثمرة في آثار ما بين الإقرارين كما لا يخفى. هذا ما يحتمل في قولهم: (الإقرار بالإقرار إقرار) ولكن قد يحتمل شيء آخر، وهو أنّه إقرار بتحقّق الإقرار في المستقبل، وحاصله الوعد بأنّه سيقرّ بشيء، ومن المعلوم أنّ هذا ليس إقراراً كما سيأتي.
وقد أجاب المحقّق النجفي عن هذا
الاحتمال في تفسير قولهم هذا بأنّه خلاف الظاهر؛
إذ لا يعبّر عن الوعد بالإقرار بأنّه إقرار بالإقرار. ومن ذلك يظهر حكم الوعد بالإقرار وأنّه ليس إقراراً قطعاً، بل قد أرسل هذا
الأمر في كلماتهم
إرسال المسلمات.
قال
الشهيد الأوّل - في مسألة ما لو قال: أنا مقرّ، أو أنا مقرّ به، ولم يقل: لك-: إنّه «ليس بإقرار؛ لاحتمال الوعد، وليس الوعد بالإقرار إقراراً».
ويظهر ذلك من المحقّق النجفي أيضاً، فإنّه ناقش القول بعدم كون المثال إقراراً لاحتمال الوعد، بأنّ الاحتمال موجود حتى لو قال: (أنا مقرّ به لك) الذي لا إشكال في صحّة كونه إقراراً، فمجرّد الاحتمال غير مانع ما لم يكن ظاهراً في الوعد.
وهذا يدلّ على مفروغية عدم كفاية الوعد بالإقرار في تحقّق الإقرار ولا في إثباته.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۱۳-۱۵.