موقف أهل السنة في آل البيت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أهل السنّة قد وافقوا
الإماميّة في أنّ لفظ
آل البيت ينطبق على
أصحاب الكساء الخمسة، و هم
فاطمة و أبوها و بعلها و
حسن و
حسين، و هم القدر المتيقّن المتّفق عليه عند جميع
المسلمين، إلّا أنّهم اختلفوا في دخول غيرهم معهم على عدّة اتّجاهات، و قد بالغوا في تكثيرها، و بعضها في منتهى التعسّف و في غاية التكلّف حتى أنّك ترى تشويشاً في نسبة هذه الأقوال إلى قائليها، و بعضها معلّل بتعليلات عليلة.
أنّ المراد خصوص
رسول اللَّه (صلىاللهعليهوآله وسلم)، قال
القاضي عياض أنّ: مذهب الحسن أنّ المراد بآل محمّدٍ محمّدٌ نفسُهُ
. و الظاهر أنّ صاحب هذا الاتّجاه لا ينفي كون آل البيت هم أصحاب الكساء، بل هو ناظر إلى كيفيّة
الصلاة على النبيّ، فلا يمكن نسبة ذلك إلى الحسن بل هو
اجتهاد ممّن نسب ذلك إليه، إذاً فليس هذا قولًا في المسألة.
و مهما يكن من أمر فيمكن أن يستدلّ له بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» حيث خصّه اللَّه بالصلوات، و لم يشرك معه أحداً، لكن بملاحظة المروي عن النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في تفسير الآية و بيان كيفيّة الصلاة على النبيّ يتّضح أنّه لا بدّ من الصلاة على آله أيضاً.
فقد روى
البخاري عن كعب بن عجرة قال: سألنا رسول اللَّه (صلىاللهعليهوآله وسلم) فقلنا: يا رسول اللَّه كيف
الصلاة عليكم أهل البيت، فإنّ اللَّه قد علّمنا كيف نسلّم عليكم؟ قال: «قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد، كما صلّيت على
إبراهيم و على
آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد و على آل محمّد، كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد»
، فلا معنى لاستنباط تفسير جديد في مقابل تفسير رسول اللَّه (صلىاللهعليهوآله وسلم).
أنّ المراد خصوص أصحاب الكساء، و هو مختار جماعة منهم
أبو سعيد الخدري و مجاهد وقتادة و روي عن
الكلبي ، بل اختاره أكثر المفسّرين
، وقد تقدّم الدليل عليه.
أنّ المراد أهل مسجده (صلىاللهعليهوآله وسلم)، أي من مكّنه رسول اللَّه (صلىاللهعليهوآله وسلم) فيه و لم يخرجه و لم يسدّ بابه
. و هذا يرجع إلى سابقه؛ لأنّه قد ثبت أنّ النبي (صلىاللهعليهوآله وسلم) قد سدّ الأبواب كلّها إلّا باب
علي و
فاطمة.
أنّ المراد خصوص نسائه؛ و ذلك لأنّ السياق في
آية التطهير يدلّ على ذلك، و هو قول
عكرمة و
الزجّاج، و نسب إلى
مقاتل بن سليمان و عطاء و الكلبي و
ابنعباس و
سعيد بن جبير .
والجواب:
أنّه لا وقع لهذا
الاجتهاد في فهم الآية بعد ورود النصّ عن النبيّ (صلىاللهعليهوآله وسلم) في بيان المراد بأهل البيت، و أنّه (صلىاللهعليهوآله وسلم) قد دفع توهّم دخول نسائه في أهل البيت، فقد نفى كونهنّ من أهل البيت قولًا و فعلًا، حيث قال: «لا» و جذب الكساء، كما في رواية امّ المؤمنين
امّ سلمة .
أنّ سياق الآية مختلف على ما ذكره علماء التفسير، فراجع
.
انّ الخصوصيات المذكورة في
الآية لا تنطبق إلّا على أصحاب الكساء الخمسة (عليهمالسلام). و أمّا ما رواه الخلّال بإسناده عن ابن أبي مليكة أنّ خالد بن
سعيد بن العاص بعث إلى
عائشة سفرة من الصدقة فردّتها، و قالت: إنّا آل محمّد لا تحل لنا الصدقة
.
فيمكن
المناقشة فيه: أوّلًا: بأنّه ليس
رواية، و إنّما هو قول و
رأي عهدته على صاحبه، و ثانياً: إنّه لا يدلّ على الاختصاص بهنّ دون سواهنّ؛ فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، و ثالثاً: أنّه وارد في مقام بيان حكم
الصدقة، لا في مقام بيان المراد بآل محمّد مَن هم، و رابعاً: أنّ هذه الرواية قد رماها بعض العلماء بالضعف، قال
أبو الحسن ابن بطّال: و الروايات في هذا كثيرة من طريق
العامة و
الخاصة لو قصدنا إلى إيرادها لطال الكتاب، و فيما أوردناه كفاية... فثبت انّ الآية مختصة بهم؛ لبطلان تعلّقها بغيرهم. و متى قيل: إنّ صدر الآية وما بعدها في الأزواج، فالقول فيه: إنّ هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم، فانهم يذهبون من خطاب إلى غيره و يعودون إليه، و
القرآن من ذلك مملوء و كذلك كلام العرب و أشعارهم.
وقال
العلّامة الطباطبائي في
الميزان : و ليس المراد بأهل البيت
نساء النبي خاصّة؛ لمكان الخطاب الذي في قوله: «عنكم» و لم يقل: عنكن، ثمّ قال: فإن قيل: هذا مدفوع بنص الكتاب على شمولها لهنّ كوقوع الآية في سياق خطابهنّ، قلنا: إنّما الشأن كلّ الشأن في
اتصال الآية بما قبلها من الآيات، فهذه
الأحاديث على كثرتها البالغة ناصّة في نزول الآية وحدها، و لم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية ضمن آيات نساء النبي، و لا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة و عروة.
فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي و لا متصلة بها، و إنّما وضعت بينها إمّا بأمر النبي (صلىاللهعليهوآله وسلم) أو عند التأليف بعد الرحلة، و يؤيّده انّ آية «وقرن في بيوتكنّ» على انسجامها و اتصالها لو قدّر
ارتفاع آية التطهير من بين جملها.
و قال
ابن حجر في صواعقه: أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في علي و فاطمة و
الحسن و
الحسين؛ لتذكير ضمير «عنكم» وما بعده. - في شرح البخاري-: إنّ الفقهاء كافّة اتّفقوا على أنّ أزواجه (صلىاللهعليهوآله وسلم) لا يدخلن في آله الذين حرّمت عليهم الصدقة
، وأنّ هذا القول ضعيف
.
أنّ المروي عن عائشة معارض مع ما ورد في حديث
زيد بن أرقم على ما رواه
مسلم في صحيحه عند قوله: فقال له
حصين بن سَبْرَة: ومَن أهل بيته يا زيد، أ ليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده
، و هذا صريح في عدم
حرمة الصدقة على الأزواج، ولا شبهة في تقديم رواية مسلم لحفظه، وتخريجه في أحد الصحيحين، ورواية عائشة ليست إلّا
مرسلة غير مضبوطة في
الصحاح، فلا تقاوم مع ما في صحيح مسلم.
أنّ المراد مجموع نسائه و أصحاب الكساء الخمسة: محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين، حكاه الشوكاني
، و يرد عليه ما مرّ في مناقشة القول المتقدّم.
أنّ المراد مَن حرّمت عليهم الصدقة
، وتحته أقوال:
۱- إنّهم بنو هاشم بن عبد مناف؛ فإنّ
عبد مناف- وهو الأب الرابع للنبيّ (صلىاللهعليهوآله وسلم)- أعقب أربعة، وهم
هاشم و
المطلب و
نوفل و
عبدشمس. ثمّ إنّ هاشماً أعقب أربعة، انقطع نسبهم إلّا عبدالمطّلب فإنّه أعقب اثني عشر، وبعبارة اخرى: إنّ
بني هاشم هم آل أبي طالب- وهم:
آل عليّ و
آل جعفر و
آل عقيل- و
آل عباس و آل الحارث بن عبد المطلّب و آل أبي لهب، و نسب هذا القول إلى
الثعلبي .
۲- إنّهم بنو هاشم بإضافة مواليهم، قاله
النووي .
۳- إنّهم بنو هاشم و بنو عبد المطّلب، وهو مذهب
الشافعي .
۴- إنّهم بنو هاشم مع زوجات النبيّ (صلىاللهعليهوآله وسلم)، و فيه خلاف
.
ويرد على هذا الاتّجاه وما ينطوي تحته من أقوال:
۱- إنّ المراد من البيت في آلالبيت بيت النبي (صلىاللهعليهوآله وسلم)، لا بيت هاشم أو
عبدالمطلب. و ما ورد من التعبير في بعض الروايات بمن حرمت عليه الصدقة يراد به التخصيص بآل محمّد الذين تحرم عليهم الصدقة، فلا يشمل النساء؛ لا التعميم لكل من تحرم عليه الصدقة.
۲- إنّ العنوان الوارد في أدلّة حرمة الصدقة عنوان بني هاشم الذي هو أوسع من آل البيت و أعمّ منه مطلقاً، فإنّ الهاشمي هو المنتسب إلى هاشم.
وقد ورد هذا في روايات الفريقين:
فمن طرقنا ورد: صحيحة
عبد اللَّه بن سنان عن
أبي عبد اللَّه (عليهالسلام) قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم»
، وعن
الإمام أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) و
أبي عبد اللَّه الصادق (عليهالسلام) قالا: قال رسول اللَّه (صلىاللهعليهوآله وسلم): «إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، وإنّ اللَّه قد حرّم عليَّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب...»
.
وورد من طرق أهل السنّة قوله (صلىاللهعليهوآله وسلم): «يا بني هاشم، إنّ اللَّه تعالى حرّم عليكم غُسالة الناس و أوساخهم، و عوّضكم منها بخمس
الخمس»
، وعنوان بني هاشم لا يشمل بني المطّلب ولا غيرهم، و للتفصيل يراجع خمس و
زكاة.
أنّ المراد جميع قريش، حكاه النووي في الشرح
.
أنّ المراد كلّ تقيّ من امّته، و لعلّ وجهه ما روي من أنّ أنس سأل النبيّ (صلىاللهعليهوآله وسلم) مَن
آل محمّد؟ قال: «كلّ تقيّ»
، قال
البيهقي: وهذا لا يحلّ الاحتجاج بمثله، نافع السلمي أبو هرمز بصريّ كذّبه يحيى بن معين، و ضعّفه
أحمد بن حنبل و غيرهما من الحفّاظ
، وقال ابن حمزة الدمشقي: صرّح البيهقي في
السنن الكبرى و ابن حجر و السخاوي بضعفه و عدم
الاحتجاج به
، وقد يستدلّ له بأنّ المراد بالبيت هو
البيت الحرام، و أهله هم المتّقون؛ لقوله تعالى: «إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ»
.
أنّ المراد أتباعه على دينه إلى
يوم القيامة، ولعلّ وجهه ما روي عن
جابر بن عبد اللَّه قال: آل محمّد (صلىاللهعليهوآله وسلم) امّته
. وضعف هذه الاتجاهات -السابع و ما بعده من الاتجاهات- واضح؛ إذ يرد عليها: انّ الحكم الثابت و المسلّم لآل البيت لدى
الفريقين هو حرمة الصدقة عليهم، و لا قائل بحرمة الصدقة على شيء من تلك الطوائف التي فسّر بها آل البيت، كالأُمّة أو خصوص الأتقياء أو
قريش أو بني غالب، فعن
الإمام الرضا (عليهالسلام): أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا: نعم. قال: فتحرم على الامّة؟ قالوا: لا. قال: هذا فرق ما بين الآل و الامّة
.
الموسوعة الفقهية، موسسه دائرة المعارف الفقه الاسلامي، ج۱، ص۲۴۴-۲۵۰.