آل البيت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هم الذين يؤول أمرهم إلى
النبي صلي الله عليه وآله وسلم ،
الأئمّة الاثنا عشر وفاطمة عليهم السلام .
آل البيت لفظ مركّب من كلمتين آل والبيت، كلمةآل:
اسم ثلاثي، عينه ألف ممدودة، لكن قالوا: إنّ ألفه ليست أصليّة؛ وذلك على قولين: ذهب المشهور إلى أنّه مقلوب من
الأهل؛ ولذلك يصغَّر على أُهَيل؛ لأنّ النسبة والتصغير يردّان الألفاظ على اصولها، فقد حكي عن
سيبويه أنّ:
أصل الآل الأهل. وقلبت الهاء للتسهيل
.
وقال
الكسائي: أصله أول
، ويصغّر أويلًا. إلّا أنّهم ذكروا فروقاً بين الآل والأهل؛ فإنّه لمّا كان آل فرعاً عن فرع خصّوه ببعض الأسماء المضاف إليها، قال
الراغب: خصّ الآل بالإضافة إلى الأعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة، يقال: آل فلان، ولا يقال: آل رجل، ولا آل زمان كذا أو موضع كذا. ولا يقال آل الخياط، بل يضاف إلى الأشرف الأفضل، يقال: آل اللَّه، وآل السلطان.
والأهل يضاف إلى الكلّ، يقال: أهل اللَّه، وأهل الخياط، كما يقال: أهل زمان كذا وبلد كذا وأيضاً لا يضيفونه إلى مضمر فلا يقال: آله وآلي، بل لا يضاف إلّا إلى معظّم. فيكون لفظ الآل أضيق استعمالًا من لفظ الأهل ، هذا، وقد ذكر أهل اللغة أنّ (الآل): عيدان الخيمة. وهذا المعنى لا يخلو من مناسبة مع المعنى الاصطلاحي. وإن كان الأوّل هو الأقرب. .
وأمّا معناه:
۱- فذكر بعضهم أنّه بمعنى الأهل، فآل الرجل أهله وعياله
.
۲- لكن ذهب بعض آخر إلى أنّه يستعمل فيمن يختصّ بالإنسان اختصاصاً ذاتيّاً إمّا بقرابة قريبة أو موالاة
، ثمّ إنّه بناءً على هذا المعنى هل تدخل فيه الزوجة أو لا؟ الظاهر أنّ دخولها وعدم دخولها يدور مدار شدّة التعلّق و
الاختصاص ، فقد تخرج عن الآل كما في قوله تعالى: «أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ»
وواضح أنّ
امرأة فرعون غير داخلة معهم، ونحوه قوله تعالى: «إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ»
؛ فإنّ امرأة
لوط لم تكن من الناجين، قال تعالى: «قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ»
.
۳- وقد يقال بأنّ لفظ أهل أخصّ من آل إذا استعمل بمعنى زوجة، كما في قوله تعالى- خطاباً لزوجة
إبراهيم عليه السلام عند ما قالت: «أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ»
-: «رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ»
، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»
والمراد زوجاته
. لكن من الواضح أنّ المراد بأهل البيت في الآيتين ليس خصوص الزوجات، بل بمعنى أهل الرجل وعياله والذي قد يشمل الزوجة أيضاً، قال
الزبيدي: ومن المجاز: الأهل للرجل زوجته، ويدخل فيه الأولاد
.
والبيت: المأوى والمآب ومجمع الشمل
، وإن كان أصله مأوى الإنسان بالليل؛ لأنّه يقال: بات، أقام بالليل
، وقال الطبرسي
: والعرب تسمّي ما يلتجأ إليه بيتاً، ولهذا سمّوا الأنساب بيوتاً، وقالوا: بيوتات العرب، يريدون النسب، قال: ألا يا بيتُ بالعلياء بيتٌ ولولا حبُّ أهلِك ما أتيتُ ألا يا بيتُ أهلُكَ أوعَدوني كأنّي كلَّ ذنبهم جنيتُ يريد بيت النسب، وبيت
النبوة و
الرسالة كبيت النسب، قال الفرزدق: بيتٌ زرارةُ محتبٍ بفنائه ومجاشعٌ وأبو الفوارس نهشلُ لا يحتبي بفناء بيتِك مثلُهم أبداً إذا عُدّ الفعال الأكملُ وعليه، فليس المراد بهذا التركيب آل البيت لغة: من يسكن في البيت، بل المراد من يرتبط ويتعلّق بذي البيت بجهة من التعلّق الشديد.
المراد من آل البيت لدى المسلمين بصورة عامّة هم آل بيت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ثبتت لهم بعض الخصوصيّات والأحكام، وليس المراد بيت السكنى، بل المراد بيت النسب. ولكن وقع خلاف بين
الإماميّة وأهل السنّة في تحديد دائرة هذا المفهوم خارجاً وتعيين مصاديقه، وسيتّضح أنّ هناك قدراً مسلّماً ومتّفقاً عليه، وهم أصحاب الكساء الخمسة لكنّ
الاختلاف في دخول غيرهم معهم، وسنذكر كلا الموقفين بشيء من البيان:
إنّ للفظ آل البيت إطلاقاً خاصّاً لدى
الشيعة الإماميّة، ويقصد به خصوص قرابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المعصومين عليهم السلام، أي
الأئمّة الاثنا عشر و
فاطمة فقط. وهذا الاصطلاح مرادف عندنا لمصطلح أهل البيت وآل محمّد و
العترة وذوي القربى حتى بناءً على كون معانيها اللغوية أعمّ. ويدلّ على هذا الموقف:
فإنّه تقدّم في عنوان آل أنّ بعض أهل اللغة قد نصّ على أنّه يراد به من يختصّ بالإنسان اختصاصاً ذاتيّاً ويتعلّق به تعلّقاً شديداً. وهذا
الارتباط الوثيق بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطبق إلّا على الخمسة
أصحاب الكساء.
قال
الفخر الرازي- في تفسير قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»
، وبعد أن حكى ما نقله صاحب الكشّاف عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً...» وإليك متن الحديث بأكمله:«من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان».
«آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل، ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّاً و
الحسن و
الحسين كان التعلّق بينهم وبين
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشدّ التعلّقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل، وأيضاً اختلف الناس في الآل، فقيل: هم الأقارب، وقيل: هم امّته.
فإن حملناه على القرابة فهم الآل، وإن حملناهم على الامّة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أنّ على جميع التقديرات هم الآل. وأمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه
.
وهي كثيرة جدّاً، منها:
أ- ما روي بشأن نزول آية
التطهير، وهي قوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
:
۱- أنّ
امّ سلمة -رضي اللَّه عنها- قالت: نزلت هذه الآية في بيتي: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» وفي البيت سبعة
جبرئيل، و
ميكائيل، ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، و
عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين. قالت: وأنا على باب البيت، فقلت: يا رسول اللَّه، أ لست من أهل البيت؟ قال: «إنّك على خير، إنّك من أزواج النبيّ» وما قال: إنّك من أهل البيت. وفي رواية: قلت: يا رسول اللَّه أ لست من أهل البيت؟ قال: «إنّك إلى خير، إنّك من أزواج رسول اللَّه»، قالت: وأهل البيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين
.
۲- وأخرج
أبو يعلى عن امّ سلمة: أنّ النبيّ غطّى على عليّ وفاطمة وحسن وحسين كساء ثمّ قال: «هؤلاء أهل بيتي، إليك لا إلى النار». قالت امّ سلمة: فقلت: يا رسول اللَّه وأنا منهم؟ قال: «لا، وأنت على خير»
. وفي رواية: قالت: فجئت لأدخل معهم فقال: «مكانك، أنتِ على خير»
. وفي رواية: قالت امّ سلمة: اجعلني معهم. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «أنتِ بمكانك، وأنت إلى خير»
، وفي رواية: قالت
امّ سلمة فقلت: يا رسول اللَّه أ لست من أهل البيت؟ قال: «إنّك على خير وإلى خير»
.
وفي رواية عن
عائشة قالت: فذهبت لأدخل رأسي فدفعني. فقلت: يا رسول اللَّه أ لست من أهلك؟ قال: «إنّك على خير، إنّك على خير»
. ولعلّ ورود الأحاديث العديدة بمضمون واحد تدلّ على أنّ الحادثة تكرّرت في بيوت أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
.وإليك روايات اخرى بهذا الشأن:أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: «خرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثمّ جاء عليّ فأدخله معه، ثمّ قال: «إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً»».
ب- ما روي من فعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من أنّه كان يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، فيقول: الصلاة يا أهل البيت «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
، وفي رواية: أنّه كان يأتي بيت فاطمة ستّة أشهر إذا خرج من صلاة الفجر يقول: يا أهل البيت
الصلاة الصلاة يا
أهل البيت «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
، كما روي تكرّر ذلك سبعة عشر شهراً أيضاً
، ثمّ إنّ الروايات الواردة في سبب نزول الآية وانّها نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسنين عليهما السلام، تزيد على سبعين حديثاً، يربو ما ورد منها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة.
فقد رواها أهل السنّة بطرق كثيرة عن امّ سلمة وعائشة و
أبي سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأسقع وأبي الحمراء و
ابن عباس وثوبان مولى النبيّ و
عبد اللَّه بن جعفر وعلي والحسن بن علي عليهما السلام في قريب من أربعين طريقاً. ورواها الشيعة عن علي و
السجاد و
الباقر و
الصادق و
الرضا عليهم السلام وامّ سلمة و
أبي ذرّ وأبي ليلى و
أبي الأسود الدؤلي وعمرو بن ميمون الأودي و
سعد بن أبي وقاص في بضع وثلاثين طريقاً
.
ج- روى مسلم في صحيحه عن
زيد بن أرقم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «ألا وإنّي تارك فيكم
ثقلين: أحدهما كتاب اللَّه عزّ وجلّ، هو حبل اللَّه من اتّبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة -فحثّ على كتاب اللَّه ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي-». وفيه: فقلنا: مَن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، وأيم اللَّه إنّ
المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا
الصدقة بعده
.
وروى أيضاً عن زيد: قام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خمّاً بين
مكة و
المدينة فحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكّر، ثمّ قال، وساق الحديث
، وعن
عطيّة عن أبي سعيد قال: سألته من أهل البيت؟ فقال: «النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين»
. وما كان تخصيصهم بذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم إلّا عن
أمر إلهي ووحي سماوي
.
د- ويدلّ أيضاً على اختصاص لفظ أهل البيت لغةً بخاصّة أهله دون نسائه وامّته، فعله صلى الله عليه وآله وسلم في
منى عند
الاضحية، فإنّه ضحّى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر اللَّه: «اللّهمّ عن محمّد و
آل محمّد». وفي الآخر: «اللّهمّ عن محمّد وامّة محمّد»
، وفي رواية: ضحّى في منى عن نسائه بالبقر
، رواه الشيخان، وفي رواية ضحّى بكبشين وقال: اللّهمّ تقبّل من محمّد وآل محمّد
.
كالصلاة عليهم مقترنة بالصلاة على النبيّ، وهذا يدلّ على أنّ لهم منزلة عظيمة عند اللَّه بحيث يقرنون بالنبيّ، فكما أنّ الصلاة على النبيّ تعبّر عن أمر واقعي وهي المنزلة العظيمة له فكذلك آله، وهذا لا ينطبق إلّا عليهم عليهم السلام. إلّا أنّه مع ذلك كلّه قال
الآلوسي: وهذه كما ترى آية بيّنة وحجّة نيّرة على كون نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته قاضية ببطلان مذهب الشيعة في تخصيصهم أهل البيت بفاطمة وعليّ وابنيه الحسن والحسين رضي اللَّه عنهم
.
وقد أجابه
الحضرمي بقوله: ولا
التفات إلى ما ذكره صاحب
روح البيان من أنّ تخصيص الخمسة المذكورين عليهم السلام بكونهم أهل البيت هو من أقوال الشيعة؛ لأنّ ذلك محض تهوّر يقضى بالعجب! وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنّة السنيّة يسفر الصبح لذي عينين
، وعليه، فتكون لفظة أهل البيت اسماً خاصاً- في عرف القرآن- بهؤلاء الخمسة وهم النبي وعلي وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام، ولا يطلق على غيرهم ولو كان من أقربائه حتى لو سلّمنا صحة
إطلاق اللفظ على غيرهم بحسب العرف العام
.
وقد ورد لفظ البيت في الآية معرّفاً، والتعريف فيه للعهد
.ثمّ إنّ تعيين مصداق مفهوم آل البيت في أصحاب الكساء لم يكن
اعتباطاً ، بل لانحصار تحقّق الخصوصية المذكورة في الآية حين نزولها فيهم، وهي
العصمة و
الطهارة ، وقد دلّ الدليل على عصمة و
إمامة الحجج التسعة من ذرّية الخامس منهم، فيثبت أنّ آل البيت يشمل عليّاً وفاطمة وأحد عشر كوكباً من أبنائهما عليهم السلام، وقد يضاف إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنّ نورهم واحد، وللتفصيل راجع –
أئمّة-.
وأهل السنّة قد وافقوا الإماميّة في أنّ لفظ آل البيت ينطبق على أصحاب الكساء الخمسة، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وحسن وحسين، وهم
القدر المتيقّن المتّفق عليه عند جميع المسلمين، إلّا أنّهم اختلفوا في دخول غيرهم معهم على عدّة اتّجاهات، وقد بالغوا في تكثيرها، وبعضها في منتهى التعسّف وفي غاية التكلّف حتى أنّك ترى تشويشاً في نسبة هذه الأقوال إلى قائليها، وبعضها معلّل بتعليلات عليلة:
أنّ المراد خصوص رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال القاضي عياض أنّ: مذهب الحسن أنّ المراد بآل محمّدٍ محمّدٌ نفسُهُ
. والظاهر أنّ صاحب هذا الاتّجاه لا ينفي كون آل البيت هم أصحاب الكساء، بل هو ناظر إلى كيفيّة الصلاة على النبيّ، فلا يمكن نسبة ذلك إلى الحسن بل هو
اجتهاد ممّن نسب ذلك إليه، إذاً فليس هذا قولًا في المسألة.
ومهما يكن من أمر فيمكن أن يستدلّ له بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» حيث خصّه اللَّه بالصلوات، ولم يشرك معه أحداً، لكن بملاحظة المروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تفسير الآية وبيان كيفيّة الصلاة على النبيّ يتّضح أنّه لا بدّ من الصلاة على آله أيضاً.
فقد روى
البخاري عن كعب بن عجرة قال: سألنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإنّ اللَّه قد علّمنا كيف نسلّم عليكم؟ قال: «قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد»
، فلا معنى
لاستنباط تفسير جديد في مقابل تفسير رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
أنّ المراد خصوص أصحاب الكساء، وهو مختار جماعة منهم
أبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وروي عن
الكلبي ، بل اختاره أكثر المفسّرين
، وقد تقدّم الدليل عليه.
أنّ المراد أهل مسجده صلى الله عليه وآله وسلم، أي من مكّنه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فيه ولم يخرجه ولم يسدّ بابه
. وهذا يرجع إلى سابقه؛ لأنّه قد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سدّ الأبواب كلّها إلّا باب علي وفاطمة.
أنّ المراد خصوص نسائه؛ وذلك لأنّ السياق في آية التطهير يدلّ على ذلك، وهو قول
عكرمة و
الزجّاج، ونسب إلى
مقاتل بن سليمان وعطاء والكلبي وابن عباس و
سعيد بن جبير .
والجواب: أوّلًا: أنّه لا وقع لهذا الاجتهاد في فهم الآية بعد ورود النصّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بيان المراد بأهل البيت، وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم قد دفع توهّم دخول نسائه في أهل البيت، فقد نفى كونهنّ من أهل البيت قولًا وفعلًا، حيث قال: «لا» وجذب الكساء، كما في رواية امّ المؤمنين امّ سلمة
.
وثانياً: أنّ سياق الآية مختلف على ما ذكره علماء التفسير، فراجع
.
وثالثاً: انّ الخصوصيات المذكورة في الآية لا تنطبق إلّا على أصحاب الكساء الخمسة عليهم السلام. وأمّا ما رواه
الخلّال بإسناده عن ابن أبي مليكة أنّ خالد بن
سعيد بن العاص بعث إلى عائشة سفرة من الصدقة فردّتها، وقالت: إنّا آل محمّد لا تحل لنا الصدقة
.
فيمكن المناقشة فيه: أوّلًا: بأنّه ليس رواية، وإنّما هو قول ورأي عهدته على صاحبه، وثانياً: إنّه لا يدلّ على الاختصاص بهنّ دون سواهنّ؛ فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وثالثاً: أنّه وارد في مقام بيان حكم الصدقة، لا في مقام بيان المراد بآل محمّد مَن هم، ورابعاً: أنّ هذه الرواية قد رماها بعض العلماء بالضعف، قال
أبو الحسن ابن بطّال: والروايات في هذا كثيرة من طريق العامة والخاصة لو قصدنا إلى إيرادها لطال الكتاب، وفيما أوردناه كفاية... فثبت انّ الآية مختصة بهم؛ لبطلان تعلّقها بغيرهم. ومتى قيل: إنّ صدر الآية وما بعدها في الأزواج، فالقول فيه: إنّ هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم، فانهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه، والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب وأشعارهم.
وقال
العلّامة الطباطبائي في
الميزان : وليس المراد بأهل البيت نساء النبي خاصّة؛ لمكان الخطاب الذي في قوله: «عنكم» ولم يقل: عنكن، ثمّ قال: فإن قيل: هذا مدفوع بنص الكتاب على شمولها لهنّ كوقوع الآية في سياق خطابهنّ، قلنا: إنّما الشأن كلّ الشأن في
اتصال الآية بما قبلها من الآيات، فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصّة في نزول الآية وحدها، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية ضمن آيات نساء النبي، ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة.
فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وإنّما وضعت بينها إمّا بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة، ويؤيّده انّ آية «وقرن في بيوتكنّ» على انسجامها واتصالها لو قدّر
ارتفاع آية التطهير من بين جملها.
۴- وقال
ابن حجر في صواعقه: أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين؛ لتذكير ضمير «عنكم» وما بعده. - في شرح البخاري-: إنّ الفقهاء كافّة اتّفقوا على أنّ أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخلن في آله الذين حرّمت عليهم الصدقة
، وأنّ هذا القول ضعيف
.
وخامساً: أنّ المروي عن عائشة معارض مع ما ورد في حديث زيد بن أرقم على ما رواه مسلم في صحيحه عند قوله: فقال له
حصين بن سَبْرَة: ومَن أهل بيته يا زيد، أ ليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده
، وهذا صريح في عدم
حرمة الصدقة على الأزواج، ولا شبهة في تقديم رواية مسلم لحفظه، وتخريجه في أحد الصحيحين، ورواية عائشة ليست إلّا مرسلة غير مضبوطة في الصحاح، فلا تقاوم مع ما في صحيح مسلم.
أنّ المراد مجموع نسائه وأصحاب الكساء الخمسة: محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، حكاه الشوكاني
، ويرد عليه ما مرّ في مناقشة القول المتقدّم.
أنّ المراد مَن حرّمت عليهم الصدقة
، وتحته أقوال:
۱- إنّهم بنو هاشم بن عبد مناف؛ فإنّ عبد مناف- وهو الأب الرابع للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم- أعقب أربعة، وهم هاشم والمطّلب ونوفل وعبد شمس. ثمّ إنّ هاشماً أعقب أربعة، انقطع نسبهم إلّا
عبدالمطّلب فإنّه أعقب اثني عشر، وبعبارة اخرى: إنّ بني هاشم هم آل أبي طالب- وهم: آل عليّ وآل جعفر وآل عقيل- وآل عباس وآل الحارث بن عبد المطلّب وآل أبي لهب، ونسب هذا القول إلى
الثعلبي .
۲- إنّهم بنو هاشم بإضافة مواليهم، قاله
النووي .
۳- إنّهم بنو هاشم وبنو عبد المطّلب، وهو مذهب
الشافعي .
۴- إنّهم بنو هاشم مع زوجات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه خلاف
.
ويرد على هذا الاتّجاه وما ينطوي تحته من أقوال:
۱- إنّ المراد من البيت في آل البيت بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا بيت هاشم أو عبد المطّلب. وما ورد من التعبير في بعض الروايات بمن حرمت عليه الصدقة يراد به التخصيص بآل محمّد الذين تحرم عليهم الصدقة، فلا يشمل النساء؛ لا التعميم لكل من تحرم عليه الصدقة.
۲- إنّ العنوان الوارد في أدلّة حرمة الصدقة عنوان بني هاشم الذي هو أوسع من آل البيت وأعمّ منه مطلقاً، فإنّ الهاشمي هو المنتسب إلى هاشم.
وقد ورد هذا في روايات الفريقين:
أ- فمن طرقنا ورد:
صحيحة
عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم»
، وعن
الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام و
أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، وإنّ اللَّه قد حرّم عليَّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه، وإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب...»
.
ب- وورد من طرق أهل السنّة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا بني هاشم، إنّ اللَّه تعالى حرّم عليكم غُسالة الناس وأوساخهم، وعوّضكم منها بخمس الخمس»
، وعنوان بني هاشم لا يشمل بني المطّلب ولا غيرهم، وللتفصيل يراجع خمس وزكاة.
أنّ المراد جميع قريش، حكاه النووي في الشرح
.
أنّ المراد كلّ تقيّ من امّته، ولعلّ وجهه ما روي من أنّ أنس سأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مَن آل محمّد؟ قال: «كلّ تقيّ»
، قال
البيهقي: وهذا لا يحلّ الاحتجاج بمثله، نافع السلمي أبو هرمز بصريّ كذّبه يحيى بن معين، وضعّفه
أحمد بن حنبل وغيرهما من الحفّاظ
، وقال ابن حمزة الدمشقي: صرّح البيهقي في
السنن الكبرى وابن حجر والسخاوي بضعفه وعدم الاحتجاج به
، وقد يستدلّ له بأنّ المراد بالبيت هو
البيت الحرام، وأهله هم المتّقون؛ لقوله تعالى: «إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ»
.
أنّ المراد أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، ولعلّ وجهه ما روي عن
جابر بن عبد اللَّه قال: آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم امّته
. وضعف هذه الاتجاهات -السابع وما بعده من الاتجاهات- واضح؛ إذ يرد عليها: انّ الحكم الثابت والمسلّم لآل البيت لدى
الفريقين هو حرمة الصدقة عليهم، ولا قائل بحرمة الصدقة على شيء من تلك الطوائف التي فسّر بها آل البيت، كالأُمّة أو خصوص الأتقياء أو قريش أو بني غالب، فعن
الإمام الرضا عليه السلام : أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا: نعم. قال: فتحرم على الامّة؟ قالوا: لا. قال: هذا فرق ما بين الآل والامّة
.
هناك مصطلحات قريبة من مصطلح آل البيت، تقدّم بعضها في عنوان أئمة، وهي:
۱- أهل البيت: وهو مرادف ل-آل البيت-. وقد تقدّم أنّ آل مقلوب من الأهل،
۲- آل محمّد: والمراد به عليّ وفاطمة والحسنان والتسعة من ذرّية الحسين عليهم السلام،
۳- ذوو القربى: وهو مرادف لما سبقه،
۴- العترة: عترة الرجل لغة وعرفاً: الأقرب إليه نسباً
، والرهط الأدنون
، وقال
أبو هلال العسكري : وقال بعضهم: العترة: أصل الشجرة الباقي بعد قطعها، قالوا: فعترة الرجل أصله، وقال غيره: عترة الرجل: أهله وبنو أعمامه الأدنَون
، وعترة النبيّ: مرادف لما قبله،
۵- الذرّية: لغة وعرفاً هي الأولاد وأولاد الأولاد ذكوراً وإناثاً وخناثى
، ويرادفه النسل
. وكذا عقيب الرجل، لكنّه لا يسمّون عقِباً إلّا بعد وفاته
.وذرّية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أولاده، إلّا أنّه قد يستعمل مع القرينة في معنى أخصّ، وهو خصوص أولاده المعصومين، وحينئذٍ يكون بين هذا المعنى الأخير للذرّية وعنوان العترة أو آل محمّد أو ذوو القربى عموم مطلق؛ فإنّ عليّاً من العترة وليس من الذرّية. وعلى المعنى الأوّل يكون بين الذرّية والعترة عموم وخصوص من وجه
.
لا شك في أنّ لآل البيت عليهم السلام منزلة رفيعة حيث نزلت عدّة آيات في بيان فضلهم وتواترت الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك أيضاً
، ولقد اتّفق فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم على أنّ لآل البيت عليهم السلام في الجملة أحكاماً خاصّة، وإن وقع بحث في جهتين: الاولى في تحديد دائرة الموضوع، وقد تقدّم في بيان المعنى الاصطلاحي. والثانية في تحديد دائرة الأحكام الخاصّة بهم.
ثمّ إنّ أكثر الأحكام التي ذكرت للأئمّة تجري هنا، من قبيل لزوم محبّتهم، والصلاة عليهم، و
احترام أسمائهم ومشاهدهم وتعظيمها، و
إحياء أمرهم، و
التوسّل بهم إلى اللَّه، و
التبرّك بهم، وحرمة
الغلوّ فيهم و
النصب لهم وسبّهم، وغير ذلك ممّا بيّناه في عنوان أئمّة، فراجع.
الموسوعة الفقهية ج۱، ص۲۳۵-۲۵۱.