استئجار الطبيب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
و من مباحث
الإجارة أنه يجوز أخذ الاجرة على
الطبابة وإن كانت من
الواجبات الكفائية ؛ لتوقّف بقاء النظام عليها كسائر أنواع الحِرف والصناعات الدخيلة في حفظ نظام المجتمع، ولا يمنع هذا الوجوب عن أخذ الاجرة حتى لو كان
الوجوب عينياً لعدم وجود من به الكفاية كما مرّ تفصيله، حيث ذهب مشهور المتأخّرين
إلى جواز أخذ الاجرة على الواجبات العينية فضلًا عن الكفائية، فراجع.
ثمّ إنّ الفقهاء
تعرّضوا إلى بيان حكم الطبيب ضمن التعرض لبعض مصاديق استئجاره كجواز الاستئجار على الكحل
والختان والمداواة، وكذا استئجار القابلة والحجّام.
تجوز المقاطعة على
العلاج إلى مدة معيّنة أو مطلقاً، أمّا الأوّل فلتعيين المدة كما هو واضح، وأمّا الثاني فيصح؛ لعدم الحاجة إلى تعيين المدة، كما إذا كان العلاج متعيّناً في نفسه من حيث الزمان أو مقدار الجهد- كلّ مرض بحسبه- حتى يتحقق
البرء ، وإن كان قد يختلف ذلك بحيث يتسامح فيه فلا يعتبر فيه الدقة، وإلّا كان العمل المستأجر عليه- وهو الطبابة- مجهولًا من حيث المقدار والزمان فيكون الإيجار غررياً وباطلًا،
ولذا ذهب غير واحد من معلّقي
العروة إلى المنع في صورة عدم التعيين.
هل تجوز مقاطعة الطبيب بقيد البرء أو بشرطه؟ لم يتعرّض لذلك أحد من الفقهاء قبل العلّامة
حيث ذهب إلى عدم جوازه بعنوان الإجارة؛ لعجز الطبيب عن البرء؛ لكونه بيد اللَّه تعالى وعدم اختيارية فعله، فاللازم أن يكون ذلك بعنوان
الجعالة ؛ لكفاية إيجاد السبب إلى تحققه في استحقاق الجعل وإن كان خارجاً عن اختياره وأنّه من فعل اللَّه تعالى؛ لذا لا تجوز الجعالة على ردّ المجهول كردّ الضال مثلًا، فهو إنّما يستحق الجعل إذا تحقق.
وظاهر ذلك عدم الجواز مطلقاً سواء كان بقيد البرء أو بشرطه، ووافقه عليه أكثر الفقهاء المعاصرين.
نعم، صرّح بعضهم
بالجواز مع الوثوق والاطمئنان بحصول البرء مما يدفع به الغرر، والظاهر عدم مخالفة غيرهم في هذا الفرض. إنّما الكلام بينهم في فرض الترديد وعدم الوثوق بالبرء.
لكن صرّح
السيد اليزدي - مع ذلك- بجواز المقاطعة مطلقاً، سواء كان ذلك بقيد البرء كتعلّق الاجارة بحصة خاصة من المعالجة تتصف بالإيصال إلى البرء والمتصفة بهذا الوصف العنواني، أو بشرط البرء كتعلق الإجارة بطبيعي المعالجة التي يكون تحقق البرء فيها شرطاً ملحوظاً في العقد بنحو تعدد المطلوب. وسواء كان البرء مظنون الحصول أو مطلقاً؛ لأنّ المصحّح للإجارة- كما يأتي في محله- هو القدرة الواقعية لا العلم بها أو الأعم منه ومن الظن، بل تصح الإجارة حتى مع احتمال القدرة، فإذا تبيّن العجز انكشف
البطلان ، وحينئذٍ تصح الإجارة سواء كان العمل مظنون التحقق أم لا.
ثمّ إنّ السيد اليزدي أشكل على كلام العلّامة بأنّه يكفي كون مقدمات العمل العادية اختيارية، وأنّه لا يضرّ التخلّف في بعض الأوقات، وإلّا لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً.
وقال
السيد الحكيم في وجه اختيارية العمل: «بأنّ المائز بين الفعل الاختياري وغيره: أنّ الاختياري ما تكون جميع مقدماته اختيارية أو بعضها اختياري وبعضها غير اختياري مع كون غير الاختياري متحقّقاً في ظرفه، وغير الاختياري: ما يكون جميع مقدماته غير اختياري أو بعضها اختياري وبعضها غير اختياري مع كون غير الاختياري غير متحقق... فعلى هذا قد يكون البرء اختيارياً كما إذا كانت مقدماته غير الاختيارية متحققة، فإطلاق أنّ البرء غير المقدور غير ظاهر».
وناقش في ذلك
المحقق الخوئي فحكم بالبطلان إذا كان البرء بنحو التقييد وصحته مع الاشتراط أو كان بعنوان الجعالة.
أمّا وجه البطلان في صورة التقييد فهو لزوم
الغرر لخروج البرء عن اختيار الطبيب وأنّه من اللَّه تعالى، فإن لم يكن مقطوعاً ومطمئناً به- كما هو الغالب- لزم الغرر للجهل بمقدورية متعلّق الإجارة وهي الطبابة المقيّدة بالبرء، وذلك يوجب البطلان. واختيارية المقدمات لا يرفع الغررية.ثمّ إنّه مع الاغماض عن مبطلية الغرر في الإجارة- كما قيل- يكفي في الحكم بالبطلان لزوم التعليق المجمع على قدحه في العقود؛ لأنّ مرجع تقييد العمل بقيد خارج عن الاختيار- كالبرء- إلى الاشتراط، وتعليق الحكم عليه يكون بنحو الواجب المشروط لا بنحو القيد الواجب؛ لاستحالة أخذ القيود غير الاختيارية في متعلّقات التكاليف أو الالتزامات العقدية، فيكون الالتزام العقدي معلّقاً على تحقق ذلك القيد الغير اختياري، وهو مبطل.
ومن المعلوم عدم الفرق في بطلان التعليق بين كون المعلّق عليه فعله تعالى- كما في المقام- أو فعل شخص آخر كقدوم زيد من السفر.
نعم، لو اطمأن بتحققه أمكن الالتزام به بنحوٍ تنجيزي وارتفع الغرر أيضاً.
وأمّا وجه الصحة في صورة الاشتراط فهو رجوع الشرط المبني عليه العقد إلى الالتزام بالفعل تارة وإلى جعل الخيار على تقدير التخلّف تارة اخرى، أي فيما إذا كان الشرط خارجاً عن الاختيار وغير قابل لوقوعه مورداً للالزام والالتزام، وحينئذٍ لا مانع من الإجارة مع اشتراط البرء بعد كون متعلّق الإجارة ذات المعالجة المقدورة، وإن كان للمشروط له الخيار عند تخلّف الشرط.
وأمّا وجه الصحة بعنوان الجعالة فهو أنّ الجعالة لا الزام والتزام على العامل فيها لكي يشترط فيها القدرة، فلا غرر فيها، وليس التعليق مبطلًا فيها، بل ربّما يعمل العامل فيها برجاء الاصابة المستتبع لاستحقاق الجعل، وهو لا ضير فيه أصلًا، وحينئذٍ فقياسها بباب الإجارة- كما فعل ذلك
السيد اليزدي - غريب.
يمكن تصوّر ما ذكره الفقهاء من الحكم بالصحة إذا كان بنحو الاشتراط ضمن عقد الإيجار على نحوين:
أن يشترط البرء بحيث إذا لم يبرأ يكون للمستأجر حق
الفسخ فيسترجع المسمّى ويضمن للطبيب
أجرة المثل .
أن يشترط البرء بحيث إذا لم يبرأ لا يستحق اجرة أصلًا كما في مثل المقام، وهذا النحو من الاشتراط لا بد وأن يرجع إمّا إلى التقييد أو إلى اشترط سقوط الاجرة
والبراءة منها.
۱- أن يكون متعلّق الإجارة عمل الإبراء المترتّب على الطبابة، فإذا لم يحصل البرء لم يتحقق شيء من متعلّق الإجارة، فلا يستحق الاجير اجرة أصلًا.
۲- أن يكون متعلّق الإجارة بنحو التركيب والتوصيف- أي
الطبابة التي هي عمل خارجي- مع كونها مبرئة، فيكون تخلّف البرء من تخلّف الوصف والقيد يوجب
الخيار ، فإذا فسخ استحق اجرة المثل.
وكذا الحال في صورة الجعالة فإنّه لا يستحق شيئاً حتى يحصل البرء سواء تحقق سريعاً أو بعد مدة.
وإن تعذّر العمل من جهة الطبيب أو غير الجاعل فلا يستحق شيئاً كذلك.
ولو برئ بغير دواء أو تعذّرت الطبابة في حقه بموت ونحوه من الموانع التي تكون من جهة المستأجر انفسخ العقد في الباقي لتعذّر المعقود عليه، فيكون للطبيب اجرة مثل عمله.
ولو استأجره مدة لعمل الطبابة ففعل ما وجب عليه ولم يبرأ المريض استحق
الاجرة المسماة ؛ لأنّ الأجير عمل بوظيفته فيما استؤجر عليه فاستحق العوض.
يجب الدواء على المريض؛ لأنّه من نفقات العمل المشار إليها سابقاً؛ لعدم اندراجها في المعقود عليه في الإجارة على الأعمال، بل الواجب نفس العمل خاصة.
نعم، يجوز اشتراط كون الدواء على الطبيب، وهو مما لا إشكال فيه إن كان بعنوان الشرط وإن كانت نتيجته تمليك العين لا المنفعة؛ لأنّه تمليك بالشرط لا بالإجارة.
على أنّه يمكن جعل الاجرة في قبال مجموع العمل، وهو العلاج المشتمل على تشخيص المرض ومعالجته بالدواء فإنّه عمل أيضاً وإن اشتمل على العين- وهي الدواء- لأنّه يلحظ بما هو منفعة كغيره من المنافع.
إذا أفسد الطبيب المباشر للعلاج فهو ضامن وإن كان حاذقاً، وإن لم يكن مباشراً بل كان آمراً ففي ضمانه وعدمه خلاف قد تقدم في
الأحكام التبعية للإجارة .
وإذا تبرّأ الطبيب من الضمان ورضي المريض أو وليّه بذلك ولم يقصّر الطبيب في الاجتهاد والاحتياط برأ،
وتفصيله في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۱۳-۳۱۸.