الألثغ
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من اللُثغة- وزان غرفة- حبسة في اللسان،
وهو الذي يصيّر السينَ ثاءً،
أو الراءَ غيناً أو لاماً،
أو يجعل الراءَ ياءً،
أو الصادَ فاءً،
أو الذي يعدل الحرف إلى حرف غيره.
وهناك تسميات في اللغة العربية
لعدم النطق الصحيح تشترك مع الألثغ في ذلك، مثل:
الأرتّ : وهو الذي يلحقه في أوّل كلامه ريح فيتعذّر عليه، فإذا تكلّم انطلق لسانه،
أو الذي يبدّل حرفاً بحرف.
وعلى المعنى الأوّل يكون مبايناً للألثغ، وعلى الثاني يكون مساوياً له أو أعم منه.
والآخن : وهو من أخرج الكلام من أنفه.
والتأتاء : وهو من يكرّر التاء.
والفأفاء : وهو من يتردّد في الفاء إذا تكلّم.
وقال الشهيد الثاني: «هو الذي لا يحسن تأدية الفاء».
واستعمله
الفقهاء في نفس معناه اللغوي.
وهو الذي لا يأتي بالحروف على البيان والصحّة،
أو هو الذي يرجع كلامه ولسانه إلى الياء، أو من لا يبيّن كلامه.
وعليه يشتركان في عدم النطق الصحيح، ويختلفان في الحرف الذي لا يجيدان نطقه.
تعرّض الفقهاء للأحكام المتعلّقة بالألثغ في موارد مختلفة من الفقه، وهي إجمالًا ما يلي:
يجوز أن
يؤذّن الألثغ لو كان لثغته غير متفاحشة، كما صرّح بذلك الفقهاء.
والظاهر أنّ مستندهم صدق الأذان عليه، فتترتّب عليه أحكامه.
وذهب
العلّامة الحلّي إلى كراهة أن يكون المؤذّن ألثغ، إلّاإذا لم يتغيّر المعنى،
وقيّد
الشهيد الأوّل هذه الكراهة بوجود الأفصح.
والتفصيل في محلّه.
لا تصحّ قراءة الألثغ مع تمكّنه من التعلّم، ورفع لثغته.
قال
العلّامة الحلّي : «لو كان ألثغاً يبدّل حرفاً بآخر مع تمكّنه من التعلّم لم تصحّ، كمن يبدل الحاء بالخاء أو بالهاء، أو يبدّل الميم في (المستقيم) بالنون، أو السين بالثاء، أو الراء بالغين».
وذلك لوجوب تصحيح القراءة مقدّمةً للإتيان بالواجب، وهو
الصلاة المشتملة على القراءة الصحيحة، وربّما عدّ تاركه
فاسقاً .
وأمّا لو لم يتمكّن فهل يجب عليه الائتمام بمن يقرأ صحيحاً أم لا؟
قال
السيّد العاملي : «فيه وجهان: من توقّف الواجب على الائتمام فيكون واجباً، ومن أصالة البراءة وإطلاق قوله عليه السلام في صحيحة
زرارة والفضيل : «وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها»،
والمسألة محلّ تردّد».
صرّح بعض الفقهاء بجواز
إمامة الألثغ لمثله إذا اتّفقا في موضع اللثغة والإبدال.
وإنّما الكلام في إمامته لغيره، حيث ذكر بعض الفقهاء أنّه لا تصحّ إمامة الألثغ لصحيح اللسان، بل هذا هو المشهور كما صرّح به
السيّد العاملي .
واستدلّ عليه بأنّ القراءة الواجبة إنّما تسقط بتحمّل
الإمام ومع لحنه لا يتحقّق التحمّل، والألثغ كاللاحن، والإمام اللاحن لا يتحمّل القراءة عن المأموم الصحيح اللسان، والأصل عدم سقوط القراءة عن المأموم إلّامع
العلم بالمسقط، وهو- أي العلم- منتفٍ هنا.
وذهب بعض آخر إلى صحّة إمامته على الكراهة.
قال
الشيخ الطوسي : «يكره الصلاة خلف
التمتام ومن لا يحسن أن يؤدّي الحرف- إلى أن قال-: وكذلك لا يأتمّ بأرتّ ولا ألثغ ولا أليغ».
وقال
ابن حمزة : «تكره إمامة ثلاث عشرة نفساً إلّابأمثالهم: المتيمّم... ومن لم يقدر على إصلاح لسانه، ومن عجز عن أداء حرف أو أبدل حرفاً من حرف...».
هذا، وجوّز بعض المانعين إمامة الألثغ إذا كانت لثغته خفيفة.
قال
العلّامة الحلّي : «لو كانت له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدّله بغيره، جاز أن يكون إماماً للقارئ».
وأشكل عليه بأنّ من لم يخلّص الحرف لا يكون آتياً بالقراءة على الوجه المعتبر، فلا تكون قراءته كافيةً عن قراءة المأموم، كالمبدِّل.
إذا لم تشترط العربيّة أو الصيغة اللفظية في صيغ العقود والإيقاعات فلا إشكال في صحّة عقود الألثغ وإيقاعاته.
أمّا مع اشتراط الصيغة اللفظية أو العربية كالطلاق ونحوه وكان عاجزاً عن إصلاح نطقه ورفع لثغته، فظاهر جماعة من الفقهاء صحّة عقوده وإيقاعاته أيضاً
مع فرض علم كلّ منهما بمقصود الآخر.
وأمّا لو كان قادراً على إصلاح نطقه وعقد كذلك فالظاهر من
الشيخ الأنصاري صحّة عقده، حيث قال: «إنّ اللغات
المحرّفة لا بأس بها إذا لم يتغيّر بها المعنى».
لكن صرّح بعض الفقهاء باشتراط وقوعها باللفظ الصحيح العربي مع الإمكان.
لا فرق بين الجناية على لسان الصحيح ولسان الألثغ، كما هو ظاهر كلمات الفقهاء (.
فلو كان ألثغ فذهب إنسان بكلامه أجمع تقسّط
الدية على ما ذهب عليه من الحروف، مع اليأس عن زوال لثغته، وإلّا فالدية الكاملة.
فإذا أسقط منه بعض الحروف- مثلًا- يستحقّ جزاءً من ثمانية وعشرين حرفاً، بناءً على كون حروف المعجم ثمانية وعشرين حرفاً، كما وردت بذلك روايات.
فقد روى
السكوني عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: «اتي
أمير المؤمنين عليه السلام برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي البعض، فجعل ديته على حروف المعجم، ثمّ قال: تكلّم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك، والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً، فجعل ثمانية وعشرون جزءً، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك».
نعم، في خبر [[|عبد الله بن سنان]] عن [[|أبي عبد الله]] عليه السلام قال: «إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم، فما لم يفصح به منها يؤدّي بقدر ذلك من المعجم، يقام أصل الدية على المعجم كلّه، يعطى بحساب ما لم يفصح به منها وهي تسعة وعشرون حرفاً»،
فإنّ كونها تسعةً وعشرين حرفاً يصحّ بجعل الألف والهمزة حرفين، كما يقول به أهل اللغة.
لكنّ الأوّل- وهو الثمانية وعشرون- هو المشهور بين الفقهاء.
قال
المحقّق النجفي : «فلا بأس بالقول بكونها تسعة وعشرين نطقاً وثمانية وعشرون دية، وبذلك يجمع بين كلام أهل العربية والفقهاء».
وإذا صار يبدّل حرفين فيستحقّ جزءين، وهكذا.
هذا إذا لم يُقطع من اللسان شيءٌ.
وأمّا لو قُطع منه بعضه فقد اختلفوا في
الدية هل تكون بحسب الحروف، أو بحسب مساحة المقدار المقطوع، أو بحسب أكثر الأمرين
؟
وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۳۵-۳۳۹