الفرار من حفرة الرجم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فإن فرّ أحدهما من الحفرة أُعيد إليها، إن ثبت الموجب لرجمها
بالبيّنة، ولو ثبت الموجب
بالإقرار لم يُعد إلى الحفيرة، بلا خلاف إذا كان الفرار بعد إصابة ألم الحجارة، وكذلك إذا كان قبلها؛ وقيل: إن لم تصبه الحجارة يُردّ؛ وأمّا
الجلد، فالفرار منه غير نافع، بل يعاد إليه مطلقاً ولو ثبت زناه بالإقرار وفرّ بعد إصابة الألم.
فإن فرّ أحدهما من الحفرة أُعيد إليها، إن ثبت الموجب لرجمها
بالبيّنة، بلا خلاف أجده، بل عليه
الإجماع في عبائر جماعة
؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى
الأصل، وصريح النصوص الآتية.
ولو ثبت الموجب
بالإقرار لم يُعد إلى الحفيرة، بلا خلاف إذا كان الفرار بعد إصابة ألم الحجارة، وكذلك إذا كان قبلها، وفاقاً
للمفيد وجماعة
، وادّعى عليه الشهرة في
الروضة؛ لأنّ الفرار بمنزلة الرجوع عن الإقرار، وهو أعلم بنفسه.
ولإطلاق
المرسل بل عمومه: عن المرجوم يفرّ، قال: «إن كان أقرّ على نفسه فلا يردّ، وإن كان شهد عليه
الشهود يردّ»
.
وعموم مفهوم التعليل في قصة
ماعز بن مالك، فإنّه لمّا فرّ ولحقه
الزبير وضربه بساق بعير فوقع فلحقوه فقتلوه، أنكر (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وقال: «هلاّ تركتموه إذا هرب يذهب، فإنّه هو المقرّ على نفسه، أما لو كان عليٌّ حاضراً لما ضللتم»، قال: «ووداه
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) من
بيت المال»
.
وفي هذه الوجوه نظر؛ لاختصاص الحكم بالسقوط بالرجوع به بنفسه لا بما هو بمنزلته، على تقدير تسليم المنزلة، وإلاّ فهي محلّ المنع، فإن الفرار أعمّ من الرجوع، والمنزلة تحتاج إلى دليل.
والمرسل بعد الإغماض عن سنده إطلاقه غير نافع، بعد قوّة احتمال اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة، كما هو الظاهر في فرار من أقرّ
بالزنا على نفسه.
والتعليل في قصّة ماعز وارد في صورة الإصابة، فلم يشمل غيرها وإن كان العبرة بالعموم دون المورد؛ بناءً على أنّ صدر
الرواية المعلّلة ظاهرٌ في اعتبار الإصابة في عدم الإعادة إلى الحفيرة، فإنّ فيه: عن
المحصن إذا هرب من الحفيرة، هل يردّ حتى يقام عليه
الحدّ؟ فقال: «يُردُّ، ولا يُردُّ» فقلت: وكيف ذاك؟ فقال: «إن كان هو المقرّ على نفسه، ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شيء من ألم الحجارة لم يُردُّ، وإن كان إنّما قامت عليه البيّنة وهو يجحد ثم هرب رُدّ وهو صاغر حتى يقام عليه الحدّ، وذلك أنّ ماعز بن مالك» ثم ساق التعليل كما تقدّم، فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم
الشرط والقيد في صدره، فيتساقطان لو لم يكن الأوّل صارفاً للثاني عن ظاهره ومخصّصاً له بمورده فلا حجّة فيهما.
والذبّ عن مفهوم الشرط وإن كان ممكناً بدعوى ورود
القيد مورد الغالب كما عرفته، إلاّ أنّ في بعض النصوص ما يدلّ على اعتبار مفهومه هنا، كالمرسل في
الفقيه بغير واحد المحتمل للصحّة عند بعض
: «إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يردّ، وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة يردّ»
.
ولعلّه لذا قيل: إن لم تصبه الحجارة يُردّ كما عن
الشيخ في
النهاية والقاضي والإسكافي.
لكن قصور سند الروايتين بل ضعفهما يمنع عن العمل بهما، إلاّ أنّ مقتضى الأصل بقاء الحدّ، وينبغي الاقتصار في إسقاطه على القدر المتيقّن سقوطه منه
بالنصّ والإجماع، وهو الزائد عن ألم الحجارة، ويمكن أن يجبر به قصور
السند. لكن الشهرة الظاهرة والمحكية ربما توجب التردّد، كما هو ظاهر
السرائر والتحرير والصيمري، ومقتضاه عدم الإعادة درءاً للحدّ بالشبهة.
كلّ ذا في
الرجم.
وأمّا
الجلد، فالفرار منه غير نافع، بل يعاد إليه مطلقاً ولو ثبت زناه بالإقرار وفرّ بعد إصابة الألم، بلا خلاف؛ للعمومات، مضافاً إلى الأصل، واختصاص المخرج عنه بالرجم.
ولصريح
الخبر: الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ، أيجب عليه أن يخلّى عنه ولا يردّ كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: «لا، ولكن يردّ حتى يضرب الحدّ كاملاً» قلت: فما فرق بينه وبين المحصن وهو حدّ من حدود الله تعالى؟ قال: «المحصن هرب من
القتل، ولم يهرب إلاّ إلى
التوبة، لأنّه عاين
الموت بعينه، وهذا إنّما يجلد فلا بدّ أن يوفى الحدّ؛ لأنّه لا يقتل»
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۵۰۷-۵۱۰.