الوصية لأم ولده
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو أوصى لأُمّ ولده صحّ وهل تعتق من
الوصية ؟ أو من نصيب الولد؟ قولان : فإن أُعتِقَت من نصيب الولد كان لها الوصية وفي رواية تعتق من الثلث ولها الوصية.
(ولو أوصى لأُمّ ولده صحّ) بلا خلاف كما في
التذكرة والمسالك وغيرهما من كتب الجماعة؛
وهو الحجة، مضافاً إلى النصوص الآتية. (وهل تعتق من الوصية؟) كما عن الحلّي والفاضل في
الإرشاد والتحرير والقواعد ونسبه في المهذب
إلى الشهرة؛ بناءً على أن
الإرث مؤخّر عنها وعن الدين بنص الآية، فلا يحكم لولدها بشيء حتى يحكم لها بالوصية. (أو من نصيب الولد؟) كما عن النهاية وفي المختلف ونكت الإرشاد و
اللمعة ؛
بناءً على أن
التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث وإن لم يستقرّ لهم إلاّ بعد الأمرين، وأن نفوذ الوصية يتوقف على وصول التركة إلى الوارث وملك الوارث لا يتوقف على شيء؛ ولما في كتاب العباس : من أنها تعتق من نصيب ولدها ويعطى لها الوصية، ونقلت هذه الرواية في ذيل الصحيحة الآتية. (قولان) مشهوران.
وعلى الثاني (فإن أُعتِقَت من نصيب الولد كان لها الوصية) وظاهر الماتن هنا وفي
الشرائع في هذا البحث التردّد، وحكي عنه المصير إلى الثاني في نكت النهاية،
وإلى الأوّل في بحث
الاستيلاد من الشرائع.
وهنا مذهبان آخران : أحدهما للإسكافي،
وهو التخيير بين الأمرين. ولا وجه له.
والثاني : ما نسب في المختلف والتذكرة ونكت الإرشاد إلى الصدوق،
وحكاه في المهذب
مذهباً ولم يصرّح بقائله (و) هو ما (في رواية) صحيحة مروية في الكتب الثلاثة : عن رجل كانت له
أُمّ ولدٍ وله منها غلام، فلمّا حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر، للورثة أن يسترقّوها؟ قال : فقال : «لا، بل (تعتق من الثلث ولها الوصية)» وفي كتاب العباس؛
إلى آخر ما تقدّم. وبمعناها صحيح آخر
وغيره.
وظاهر المتأخّرين
الإعراض عنها، ولعلّه لمخالفتها الأُصول المتقدّمة المتّفقة على عتقها من غير الثلث وإن اختلفت في تعيينه، واختلفوا في تأويلها، فبين من حملها على صورة عتقها في المرض قبل الموت ثم الوصية لها بعده، وبين من حملها على أن المراد من العتق من الثلث العتق من الوصية وتعطى ما فضل منها على تقدير الزيادة. قال في التنقيح بعد نقلهما : ليس للفظ الرواية دلالة عليهما، إلاّ أن يقال : إنما اضطررنا إلى التأويل لانعقاد
الإجماع على عدم العمل بهما، لكنهما صحيحتان، فاضطررنا إلى حملهما على وجه سائغ.
وظاهره كما ترى الإجماع على طرح الرواية، وحينئذٍ فلا بُدّ من المصير إلى أحد التأويلين. ولا ريب في رجحان الثاني؛ لدلالة مقابلتها برواية العباس التي هي في آخرها مذكورة على كون موردهما واحداً، ولا ريب في أنه في الثانية هي أُمّ الولد التي لم تعتق بالكلية، فليكن مورد الأُولى أيضاً تلك الجارية، وحينئذٍ يتعين
إرادة الحمل الثاني، سيّما مع شيوع
إطلاق الثلث على الوصية. ولا ينافيه إطلاق الحكم فيما بعد بأن لها الوصية؛ لقوة
احتمال أن يراد بها ما زاد بعد العتق من الوصية. مع احتمال أن يكون المراد منه تأكيد الحكم الأوّل من انعتاقها من الثلث، وهذا إن لم نقل بكونها ظاهراً من الرواية فليس ببعيد كبُعد الحمل الأول بلا شبهة، فيمكن بملاحظة الإجماع وقرينة المقابلة أخذها للقول الأوّل حجّة، كما هو ظاهر المفاتيح وصريح الكفاية.
فإذاً القول الأوّل في غاية من القوة، مع اعتضاده بما مرّ عن المهذب من الشهرة المحكية.
والعجب من المسالك حيث جعلها للقول الثاني حجّة، قال بعد ذكره الحمل الأوّل وما يقرب منه : وكلاهما بعيد، إلاّ أن الحكم فيها بإعطائها الوصية كافٍ في المطلوب؛ إذ عتقها حينئذٍ من نصيب ولدها يستفاد من دليل صحيح وبقي ما نقل عن كتاب العباس شاهداً على المدّعى، وهذا أجود.
وهو كما ترى مندفع بما مضى.
مضافاً إلى أن اكتفاءه بالحكم فيها بإعطاء الوصية بضميمة الدليل الخارجي إنما يصحّ حيث لا تحتمل الرواية كون وجه صرف
الوصية إليها انعتاقها تبرّعاً قبل الموت، وأما إذا احتملته ولو بعيداً كما اعترف به فلا يصحّ بلا شبهة. ولعله لذا أن الفاضلين المتقدم إليهما
الإشارة مع عكوفهما غالباً على تحقيقاته أعرضا عن تحقيقه في هذه الرواية، وجعلاها للأوّل حجّة، دون الثاني كما ذكره. وأمّا شهادة رواية العباس فغير نافعة بعد ما عرفت من عدم قيام دليل على ما ذكره ولا حجّة.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۹۸- ۳۰۲.