انتقال الضمان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ثمّة في
انتقال الضمان عدّة نقاط هي:
الضمان في اللغة:
الكفالة ، والضمين:
الكفيل. والضمان العقدي بالمعنى الأخصّ:
هو
التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر، أي يتعهّد الضامن للدائن بماله على ذمّة المدين.
فالضمان عندنا عقد يحتاج إلى
إيجاب وقبول، ولابدّ أن يتوفّر فيهما جميع ما هو معتبر في العقود اللازمة، ويقوى عندنا عدم
اعتبار لفظ مخصوص، ولا هيئة مخصوصة.
ومع تحقّق الضمان الجامع لشرائط الصحّة ينتقل المال إلى ذمّة الضامن، ويبرأ المضمون عنه.
ولا إشكال ولا خلاف في جواز
التسلسل في
انتقال الضمان عند الفقهاء، فلو ضمن ضامن ثمّ ضمن عنه آخر وهكذا إلى عدّة ضمناء كان جائزاً، ويرجع كلّ واحد منهم على من ضمن عنه إذا كان
بإذنه .
وتفصيل البحث يأتي في محلّه.
الغالب الشائع في
إطلاق لفظ الضمان في النصوص والفتاوى في باب المعاوضات
إرادة التعهّد بالمعنى
الاسم المصدري، أي كون المضمون في ذمّة الضامن وعهدته، كما هو في باب الغصب، والمقبوض بالعقد الفاسد وبالسوم، وباب
إتلاف مال الغير، ومنها أيضاً إطلاقه في قاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده)؛ إذ المستفاد منها أنّ كلّ عقد أو
إيقاع يكون مورده ومتعلّقه في عهدة عاقده وموقعه، يكون في فاسده كذلك.
فعقد البيع- مثلًا- بما أنّه موجب لنقل كلّ من العوضين من ملك مالكه إلى ملك طرفه، فكلّ من المتبايعين قبل التقابض يضمن ما انتقل عنه إلى صاحبه بعوضه المسمّى في العقد المنتقل من صاحبه إليه، فلو تلف كلّ من العوضين قبل قبضه من الآخر ينفسخ البيع ويعود كلّ عوض إلى ملك مالكه السابق بمقتضى قوله صلى الله عليه و
آله وسلم: «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه».
ثمّ إنّه بالقبض ينتقل الضمان من كلّ من المتبايعين إلى الآخر، فالبائع قبل القبض كان ضامناً للمبيع بعوضه المسمّى، وبعد القبض يصير المشتري ضامناً له، ولكن بعوضه الواقعي من المثل أو
القيمة .
وكذا المشتري، فإنّه قبل القبض كان ضامناً للثمن بعوضه المسمّى في العقد وهو المثمن، وبعد قبض البائع له يصير ضامناً له بالمثل أو القيمة.
وقيل: إنّ معنى ضمان القابض- مع كون المقبوض ملكه- أنّه لو تلف ثمّ طرأ فسخ للعقد بخيار أو
انفساخ بتقايل يلزمه ردّ المثل أو القيمة.
ودفعه بعضهم «بأنّ المحقّق هو ثبوت الضمان من أوّل القبض إلى آخر التلف، غاية
الأمر يكون ضمانه على القدر المشترك بين المسمّى والمثل أو القيمة طولًا، ما دام بقاء العين يكون ضمانه بالمسمّى، وبعد تلفه ينتقل إلى المثل أو القيمة».
تقدّم أنّ المبيع يكون مضموناً على البائع قبل القبض ومضموناً على المشتري بعده، وكذا الثمن يكون مضموناً على المشتري قبل قبضه ومضموناً على البائع بعده، وبيّنا أنّ معنى الضمان هو وقوعه على القدر المشترك بين المسمّى والمثل والقيمة طولًا، بمعنى أنّ القابض يكون ضامناً للعين- أي المسمّى- ما دام باقياً، فإذا تلف فإن كان مثليّاً وجب مثله على الضمان، وإن كان قيميّاً وجبت قيمته، بلا خلاف في ذلك.
نعم، حكي عن
الإسكافي ضمان المثل في القيمي أيضاً.
وقد استدلّ على هذا الحكم بوجوه شتّى نوقش فيها من قبل بعض الفقهاء، ولعلّ المدرك الوحيد الذي يجدر
الاستدلال به هو:
السيرة العقلائية الممضاة من الشارع، فإنّ العقلاء متّفقون على أنّ
الإنسان إذا أخذ مال غيره، ووضع يده عليه بغير سبب شرعي ضمنه بجميع خصوصيّاته الشخصية والمالية والنوعية، وأنّه لا يخرج عن عهدته إلّابردّ عينه على مالكه، وإذا تلفت العين وجب على الضامن ردّ ما هو أقرب إليها؛ لأنّ تلفها لا يسقط الضمان عنه جزماً. ومن الواضح أنّ
الأقرب إلى العين التالفة إنّما هو المثل في المثلي والقيمة في القيمي، وعلى هذا فلا يكتفى بردّ أحدهما في موضع الآخر إلّا برضى المالك.
ويؤيّده أنّ المرتكز في أذهان العقلاء هو أنّه لا يحصل
فراغ الذمّة إلّابذلك.
وللبحث تفصيل يأتي في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۴۵-۴۸.