حكم الآبق عند انفساخ البيع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قال
الشيخ الأنصاري : «ولو تلفت الضميمة قبل القبض، فإن كان بعد حصول الآبق في اليد فالظاهر الرجوع بما قابل الضميمة لا مجموع الثمن؛ لأنّ الآبق لا يوزّع عليه الثمن ما دام آبقاً لا بعد الحصول في اليد، وكذا لو كان بعد
إتلاف المشتري له مع العجز عن التسليم كما لو ارسل إليه طعاماً مسموماً؛ لأنّه بمنزلة القبض. وإن كان قبله ففي
انفساخ البيع في الآبق تبعاً للضميمة أو بقائه بما قابله من الثمن وجهان: من أنّ العقد على الضميمة إذا صار كأن لم يكن تبعه العقد على الآبق؛ لأنّه كان سبباً في صحّته، ومن أنّه كان تابعاً له في الحدوث، فإذا تحقّق تملّك المشتري له فاللازم من جعل الضميمة كأن لم يعقد عليها رأساً هو
انحلال المقابلة الحاصلة بينه وبين ما يخصّه من الثمن، لا الحكم الآخر الذي كان يتبعه في
الابتداء . لكن ظاهر النصّ أنّه لا يقابل الآبق بجزءٍ من الثمن أصلًا، ولا يوضع له شيء منه أبداً على تقدير عدم الظفر به.
ومن هنا ظهر حكم ما لو فرض فسخ العقد من جهة الضميمة فقط
لاشتراط خيار يخصّ بها فحكم بالتفصيل بين صورة انفساخ العقد في الضميمة بعد قبض الآبق أو ما بحكمه فيحكم بصحة العقد في الآبق، وبين انفساخه قبل ذلك فيحكم
ببطلان العقد.
لم يوافق المحقّق الخراساني في تعليقته على مقال الشيخ في شقّه الثاني وما استظهره من ظاهر النص فيه، حيث قال:«فيه نظر، فإنّ الظاهر أنّ قوله عليه السلام في موثّقة
سماعة : «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» ليس بصدد بيان أنّ المقابلة شرعاً في هذه الصورة يكون بين المثمن والضميمة، بل بيان الحكمة في ضمّ الضميمة في هذه
المعاملة وأنّه مع عدم القدرة على العبد ويكون ما نقده في مقابلة الضميمة خارجاً، فافهم».
وعليه فإنّه لا دلالة للنص على عدم توزيع الثمن، فلا فرق بين الشقين حينئذٍ، ويوزّع الثمن في كليهما على الضميمة والآبق، ولا ينحلّ العقد بالنسبة للآبق.
ووافقه عليه تلميذه
المحقق الاصفهاني ببيان آخر حيث قال في تعليقته على المكاسب: «بعد ما عرفت من أنّ البيع واقع حقيقة على المجموع وإن كان ضمّالضميمة شرطاً لصحّة بيع الآبق، فالضميمة يكون وجودها شرطاً في مرحلة ترقّب النفوذ من المعاملة، وتلفها بعد التأثير لا يوجب بطلان البيع؛ إذ لا يترقّب التأثير آناً فآناً حتى يحتمل شرطيّة وجود الضميمة بقاءً كما كانت حدوثاً، بل التلف أثره الانفساخ المؤكّد لصحّة البيع، فتلف الضميمة قبل تلف الآبق تنزيلًا وحقيقة لا يوجب إلّا انفساخ المعاملة بالإضافة إلى الضميمة فقط».
وقد يقاس ذلك على ما إذا تلفت الضميمة عند المشتري فكما لا موجب لانفساخ العقد في الآبق هناك فكذلك في المقام؛ لأنّ المقابلة بين الثمن والآبق ليست في كل آن آن بل في الحدوث فقط.
جواب المناقشة:
والجواب: أنّ تلف المبيع عند المشتري لا يخرجه عن كونه مبيعاً حتى بقاءً، بخلاف الفسخ أو الانفساخ القهري بالتلف قبل القبض، وعندئذٍ لا بدّ وأن يلحظ النص وما يستفاد منه، فإن استفيد منه أنّ الآبق ما دام آبقاً لا يمكن أن يقع مبيعاً وحده وفي قباله الثمن- لأنّه خلاف حقيقة المبادلة أو لكونه مخاطرة أو لأيّ علّة اخرى- كان اللازم الحكم
بانحلال بيع الآبق أيضاً. وإن لم نستظهر منه إلّا لزوم وجود الضميمة في مقام
إنشاء العقد بما هو إنشاء
وإجراء لصيغة العقد فهذا محفوظ في المقام.إلّا أنّه لا إشكال في أنّ المستظهر من النص إنّما هو المعنى الأوّل كما ذكره الشيخ الأنصاري.
قال
السيد الخوئي - بعد أن شرح مراد الشيخ في الصورتين-: «ثمّ استظهر (الشيخ) من النصّ الوجه الأوّل بدعوى أنّ الظاهر من النصّ أن لا يقابل الآبق بجزء من الثمن أصلًا، ولا يوضع له شيء منه أبداً على تقدير عدم الظفر به، وهذا هو الظاهر؛ فإنّ قوله عليه السلام: «فإن لم يقدر كان الذي نقده فيما اشترى معه» ظاهر في أنّه لا بدّ وأن يكون هناك شيء يقع الثمن في مقابله مع عدم القدرة على الآبق حدوثاً وبقاءً، فإنّه لو لا ذلك فبمجرّد وقوع البيع لا بدّ وأن يجوز التقسيط، مع أنّه ليس كذلك، بل لا بدّ وأن تستمرّ الضميمة ما دام لم يحصّل الآبق ولم يصل إلى العبد، ومن الواضح أنّه مع تلف الضميمة ليس هنا بالفعل شيء (يمكن) أن يكون الثمن في مقابله مع عدم القدرة على العبد ليشمل عليه قوله عليه السلام: «فإن لم يقدر كان الذي نقده فيما اشترى معه»، فعليه فيحكم بالبطلان وإن كان مقتضى القاعدة هو الصحّة بعد تحقّقه صحيحاً؛ للعمومات الدالّة على صحّة البيع كما عرفت في توضيح كلام المصنّف.
وبالجملة: الذي يتحصّل لنا من الرواية هو أنّ الضميمة ما لم تصل إلى المشتري قبل أن يصل الآبق إليه لا طريق للحكم بصحّة البيع وإن استمرّ إلى مدّة بعيدة، فإنّ في كلّ آنٍ لوحظ البيع يصدق أنّه ليس هنا شيء يكون الثمن في مقابله، فإذا وصلت الضميمة إليه انتهى أمد ذلك الحكم، فحينئذٍ يتبدّل الحكم بأنّه مع تلف الضميمة لا يحكم بالفساد، كما هو واضح».
۱- أورد المحقّق الايرواني على كلام الشيخ الأنصاري بعكس ما أورده المحقّقان الخراساني والاصفهاني، حيث استشكل في أصل التفصيل بين الصورتين وأنّه لا فرق بين صورتي حصول الآبق باليد وعدمه من حيث الحكم بانحلال العقد في الآبق أيضاً إذا ردّت الضميمة.
۲- كما أفاد قدس سره بأنّ في المقام جهتين مستقلّتين من البحث:
الأولى: أنّ تلف الضميمة أو ردّها بخيار هل يوجب رجوع ما يقابله من الثمن أو رجوع تمام الثمن؟
الثانية: أنّ انحلال العقد وانفساخه في الضميمة هل يقتضي انحلاله في الآبق أيضاً أو لا؟
وقد ذكر في مبنى الجهة الاولى لزوم ملاحظة ما يمكن
استظهاره من النص، فإن قيل بأنّ الثمن يقع بتمامه من أوّل
الأمر بإزاء الضميمة شرعاً- كما هو ظاهر بعض الفقهاء- كان اللازم الرجوع بتمام الثمن.وإن قيل بأنّه كذلك بعد اليأس لا من أوّل الأمر كان اللازم ذلك إذا فرض تلف الضميمة بعد اليأس عن الآبق فقط. وإذا لم نقبل ذلك أصلًا كان اللازم الرجوع بجزء الثمن على كلّ حال.
ثمّ استدرك قائلًا: «ويمكن أن يقال:إنّ الضابط في قاعدة «كلّ مبيع تلف قبل قبضه» على ما جعله المتبايعان بإزاء المبيع لا على الواقع بإزائه بحكم الشارع، فيكون الضمان بجزءٍ من الثمن في تمام الصور، والتعبّد بوقوع الثمن بأجمعه بإزاء الضميمة لا يكون له أثر في هذه القاعدة...
وأمّا الكلام في الجهة الثانية المقدّمة على الاولى بالطبع (وهي انحلال العقد في الآبق بالتبع) فقد تعرّض لها المصنّف (الشيخ الأنصاري) في الصورة الآتية (وهي صورة الظفر بالآبق) وقد عرفت عدم
اختصاصها بها وجريانها في هذه الصورة أيضاً (أي صورة عدم الظفر به) فإنّ بطلان العقد في الضميمة وانحلالها إذا أوجب بطلان عقد العبد أوجبه حتى لو كان التلف بعد القدرة عليه، ولا يعقل أن يكون للظفر على الآبق دخل في صحّة عقد العبد. نعم بعد العقد يصحّ إنشاء عقد جديد عليه، لكنّ الكلام ليس في ذلك».
جواب المناقشة الثانية:
۱- والملاحظ أنّه لا استقلالية للجهتين من البحث؛ فإنّه إذا فرض القول برجوع تمام الثمن فلا محالة يكون على أساس وقوعه بتمامه بإزاء الضميمة، ومعه ينحلّ العقد بتمامه، فهذا المبنى يصلح أن يكون بحسب الحقيقة وجهاً للقول بانحلال العقد، وليس جهة مستقلّة من البحث، ولعلّه إنّما لم يتعرّض له الشيخ الأنصاري؛ لعدم صحته عنده حيث إنّه لم يستفد من التعبير الوارد في النص إلّا الكناية عن عدم ضمان البائع للآبق لا أكثر، أو لما ذكره
المحقق الايرواني نفسه بقوله: «ويمكن أن يقال...».
۲- وأمّا إشكاله بلزوم تعميم القول بالانحلال في الآبق لكلتا الصورتين فهو غريب؛ فإنّ هذا مبنيّ على ما يستظهر من النص، فإذا استظهر منه أنّ المحذور عدم تحقق المقابلة إذا وقع الآبق وحده في قبال الثمن ما دام آبقاً كان هذا مختصاً لا محالة بفرض عدم الظفر به، فمع فرض الظفر به لا يلزم المحذور المذكور، فلا يشمله النص، فيكون صحيحاً على القاعدة.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۲۵۳-۲۵۸.