درجات الصيام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أنَّ
الصوم يقسّم من حيث المراتب ومن زاوية الدور الّذي ينهض به في تكامل
الإنسان، إلى ثلاثة أقسام. وفي هذا السياق قسّم علماء
الأخلاق وأرباب السَير والسلوك، الصيام إلى صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواصّ الخواصّ.
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): إنَّ أيسَرَ مَا افتَرَضَ اللّه ُ تَعالى عَلَى الصّائِمِ في صِيامِهِ، تَركُ الطَّعامِ وَالشَّرابِ
.
الإمام عليّ (علیهالسّلام): صَومُ الجَسَدِ الإِمساكُ عَنِ الأَغذِيَةِ بِإِرادَةٍ وَاختِيارٍ؛ خَوفا مِنَ العِقابِ ورَغبَةً فِي
الثَّوابِ وَالأَجرِ
.
عنه (علیهالسّلام): صَومُ
النَّفسِ إمساكُ
الحَواسِّ الخَمسِ عَن سائِرِ المَآثِمِ، وخُلُوُّ
القَلبِ عَن جَميعِ أسبابِ
الشَّرِّ.
عنه (علیهالسّلام): صَومُ النَّفسِ عَن لَذّاتِ الدُّنيا أنفَعُ الصِّيامِ
.
عنه (علیهالسّلام): صِيامُ القَلبِ عَنِ
الفِكرِ فِي الآثامِ أفضَلُ مِن صِيامِ البَطنِ عَنِ الطَّعامِ
.
عنه (علیهالسّلام): صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ، وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ
.
يتبيّن لنا من الروايات الّتي سلفت، وكذلك الّتي في
آداب الصيام، أنَّ الصوم يقسّم من حيث المراتب ومن زاوية الدور الّذي ينهض به في تكامل
الإنسان، إلى ثلاثة أقسام. وفي هذا السياق قسّم علماء
الأخلاق وأرباب
السير والسلوك، الصيام إلى صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواصّ الخواصّ، على ما سنتحدث عنه ملخّصا:
يتمثّل صوم العوامّ باجتناب
مفطرات الصيام والإمساك عنها، على التفصيل المذكور في الكتب الفقهية. وهذه المرتبة من الصوم تعدّ أيسر مراتبه وأدناها، وما روي عن النَّبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) من قوله: «إنَّ أيسَرَ مَا افتَرَضَ اللّه ُ تَعالى عَلَى الصّائِمِ في صِيامِه، تَركُ الطَّعامِ وَالشَّرابِ
» إنَّما هو إشارة إلى هذه المرتبة من الصيام.
في صوم الخواصّ لا يقتصر الصائم في صومه على الإمساك عن مفطرات الصيام، إنّما يتجنّب كلّ
المحرّمات الإلهية ويمتنع عنها أيضا. وبذلك يضحى الإمساك عن المفطرات هو شرط صحّة الصيام، أمّا اجتناب المحرّمات فهو شرط قبوله. من هذا المنظور تعدّ جميع الروايات والأحاديث الّتي تحت عنوان «
أهمّ آداب الصوم» إشارة إلى هذه المرتبة من الصيام.
يتمثّل هذا الضرب من الصيام بكفّ القلب وتحصينه عن كلّ ما يشغله سوى اللّه سبحانه، حلالاً كان الشاغل أم حراما. يقول
أبو حامد الغزالي (ت ۵۰۵ ق) في نعت هذه الدرجة من الصوم: «وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القَلب عَن الهمم الدنيّة والأفكار الدنيويّة وكفّه عمّا سوى اللّه بالكلّية؛ ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفِكر فيما سوى اللّه واليوم الآخر، وبالفكر في الدّنيا إلاّ دنيا تراد للدِّين فإنَّ ذلك زاد الآخرة وليس من الدّنيا حتّى قال أرباب القلوب: مَن تحرّكت همّته بالتصرّف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه، كتبت عليه خطيئة فإنَّ ذلك من قلّة الوثوق بفضل اللّه وقلّة
اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة
الأنبياء والصدّيقين والمقرّبين،ولا يطوَّل النظر في تفصيلها قولاً ولكن في
تحقيقها عملاً، فإنّه إقبال بكنه الهمّة على اللّه وانصراف عن غير اللّه وتلبّس بمعنى قوله تعالى: «قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
»
». من جهته يُومِئ الإمام
أمير المؤمنين عليّ (علیهالسّلام) إلى المراتب الثلاث هذه بقوله: «صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ»
. على أنَّ لكلّ واحدة من المرتبتين الأخيرتين مراتب كثيرة بحسب مجاهدات الصائمين واستعدادهم، كما يختلف الصوم أيضا من زاوية دوافع الصائم، حيث يأتي في ذروة هذه المراتب حال الصائم حين لا يكون الباعث إلى صيامه الخوف من
العقاب أو الطمع في الثواب، وإنّما امتثال الأمر الإلهي والرغبة في قربه والطمع برضاه
ولقائه سبحانه. نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا لكي نبذل ما يزيد حظّنا من الضيافة الرمضانية الكريمة، وأن يتفضّل علينا بأعلى درجات الصيام وأسماها.
مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۶۱-۶۴.