سكوت المدعي عليه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأما السكوت: فان كان لآفة توصل إلى معرفة
إقراره او
إنكاره؛ ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد؛ ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.
فإن كان لدهش أزاله الحاكم بالرفق والإمهال، وإن كان لغباوة وسوء فهم توصّل إلى إزالته بالتعريف والبيان، وإن كان لآفة بدنيّة من صمم، أو خرس توصّل إلى معرفة جوابه من إقراره أو إنكاره بالإشارة المفهمة للمطلوب
باليقين.
ولو افتقر إلى مترجم عارف بجوابه لم يقتصر على العدل الواحد بل لا بدّ من عدلين كما قالوه
؛ تحصيلاً للأقرب إلى اليقين.
ولو كان سكوته عناداً ألزمه الجواب أوّلاً باللطافة
والرفق، ثمّ بالإيذاء والشدّة، متدرّجاً من الأدنى إلى الأعلى حسب مراتب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أجاب، وإلاّ حبسه حتّى يجيب إن سأله المدّعى كما في اليمين، وفاقاً
للمفيد والديلمي والنهاية والخلاف وابن حمزة، والمتأخّرين كافة على الظاهر المصرح به في
المسالك والكفاية؛ لأنّ الجواب حقّ عليه، فيجوز حبسه لاستيفائه عنه.
وفي الشرائع والتحرير أنّ به
رواية، قيل
: ولعلّها قوله (علیهالسّلام): «ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه» بناءً على تفسيرهم العقوبة بالحبس خاصة.
وقيل: يجبر حتى يجيب من غير حبس، بل يضرب ويبالغ في
الإهانة إلى أن يجيب. ومستنده غير واضح عدا ما استدل له من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفيه نظر، فإنّهما يحصلان أيضاً بالأوّل، فلا وجه للتخصيص به، سيّما مع رجحان مقابله بما مرّ من
الخبر المنجبر قصوره بفتوى الأكثر، وبما مرّ من النصوص الكثيرة الدالة على حبس
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) الغريم باللّي والمطل، من دون أن يحصّل الحق منه بالجبر والضرب
، هذا.
مع أنّ القائل بهذا القول غير معروف، وإنّما ذكره
الفاضلان في
الشرائع والتحرير والقواعد قولاً: ولم يذكروا له قائلاً.
وعن
المبسوط أنّه يقول له الحاكم ثلاثاً: إن أجبت وإلاّ جعلتك ناكلاً، ورددت اليمين على خصمك
، واختاره
الحلّي، وقوّاه بعض المتأخّرين، قال: لأنّ السكوت عن الجواب هو النكول، بل أقوى منه، فإنّ النكول معه إنكار وامتناع من الحق وعدم
الحلف وعدم الردّ؛ فإذا صحّ الحكم حينئذٍ يصح مع عدم الجواب؛ لأنّه إمّا مقرّ، أو منكر، فنهاية ما يصير أن يكون منكراً، ولم يحلف ولم يردّ، وجميع أدلة الحكم بالنكول والردّ جار فيه
.
وفيه نظر؛ لمنع كونه إمّا مقرّاً، أو منكراً؛ لأنّ هنا احتمالاً ثالثاً أشار إليه هو أيضاً فيما بعد معترضاً على الحلّي، وهو أنّه قد يكون أدّى الحق ولم يكن منكراً يلزمه
اليمين، ولا مقرّاً يلزمه الحق، فيسكت عن الإنكار لعدم صحته، وعن الإقرار لإلزامه بالمقرّ به، مع عدم البيّنة على أدائه.
وما أجاب به عنه من أنّه إن قدر على الإثبات يفعل، وإلاّ يورّي، مع أنّه قد أدخل الضرر على نفسه إن كان ترك الإشهاد على الوجه الشرعي في الأداء منظور فيه، أوّلاً: باحتمال عدم تمكنه من الإثبات بموت الشهود، ولا من
التورية، إمّا لعدم علمه بشرعيتها، أو لعدم اهتدائه إلى طريق معرفتها.
وثانياً: بمخالفة الحكم بالنكول بمجرده أو بعد ردّ اليمين إلى المدّعى الأصل، فلا يجوز إلاّ بعد قيام دليل شرعي، وليس قيامه بجلي مطلقاً ولو قلنا بأنّ السكوت نكول، فإنّ كلية الكبرى ممنوعة؛ إذ لا دليل عليها مطلقاً حتى في صورة النكول بعد الإنكار إلاّ
الإجماع، فإنّه الذي أجاز لنا ثمة الحكم على المنكر بعد إحلاف المدّعى، ولولاه لتوقفنا فيه بلا شبهة، وهو مفقود في المسألة كما هو واضح.
سيّما مع إطباق المتأخّرين كافّةً كما عرفته على اختيار القول الأوّل، فدعواه أنّ جميع أدلة الحكم بالنكول والردّ جار فيه غير واضحة، بل لعلها ممنوعة.
فإذاً القول الأوّل في غاية القوة، سيّما مع دعوى جماعة أنّ به رواية، وظاهرهم كونها نصّاً في حكم المسألة، وهي وإن لم نظفر بها كما صرح به آخرون
، إلاّ أنّ غايتها حينئذٍ أن تكون
مرسلة، فتجبر كاحتمال قصور الدلالة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلها إجماع في الحقيقة.
مضافاً إلى الاعتضاد بما قدمناه من الرواية النبوية، وما أشرنا إليه بعدها من النصوص الكثيرة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۹۹-۱۰۲.