شروط السارق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويشترط فيه:
التكليف، وارتفاع الشبهة، وألا يكون الوالد من ولده، وأن يهتك الحرز ويخرج المتاع بنفسه ويأخذ سرا؛ فالقيود إذا ستة؛ فلا يحد الطفل، ولا المجنون لكن يعزران؛ وفي
النهاية يعفى عن الطفل أولا، فإن عاد أدب، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع البالغ.
ويشترط فيه:
التكليف بالبلوغ والعقل والاختيار وارتفاع
الشبهة الدارئة للحدّ من نحو توهّم الملك كما في سائر الحدود وأن لا يكون والداً سرق من ولده، وأن يهتك الحرز ويزيله، فيخرج المتاع المحرز فيه، ويأخذه سرّاً مختفياً.
فالقيود المشترطة في قطع
السارق إذن ستّة.
فلا يحدّ الطفل ولو راهق الحلم ولا المجنون ولو أدواريّاً إذا سرق حال جنونه لكن يعزّران ويؤدّبان بما يراه الحاكم وإن تكرّر منهما مراراً.
بلا خلاف في الثاني، بل ادّعي
الوفاق على عدم حدّه
؛ وهو
الحجّة فيه، مضافاً إلى
حديث رفع القلم عنه
من غير معارض فيه، وهو وإن دلّ على نفي
التعزير أيضاً إلاّ أنّه لا خلاف فيه، ويمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس من باب التكليف، بل وجوب التأديب على الحاكم؛ لاشتماله على المصلحة ودفع المفسدة، كما في كل تعزير.
وهذان الدليلان جاريان في عدم حدّ الصبي وتعزيره، كما أطلقه
المصنّف وعامّة المتأخّرين، وفاقاً
للمفيد والحلّي كما حكي
.
وقال
الشيخ في
النهاية وتبعه القاضي
: إنّه يعفى عن الطفل أوّلاً، فإن عاد أُدِّب، فإن عاد حُكَّت أنامله حتى تدمى، فإن عاد قُطِعت أنامله، وإن عاد قطع كما يقطع البالغ.
واختاره في
المختلف بعد أن نسبه إلى الأكثر
، ونحوه
شيخنا في
الروضة، فقال: ومستند هذا القول أخبار كثيرة صحيحة، وعليه الأكثر. ولا بعد في تعيين
الشارع نوعاً خاصّاً من التأديب؛ لكونه لطفاً وإن شارك خطاب التكليف في بعض أفراده
.
وهو حسن إن تمّ ما ذكره من دلالة الأخبار الصحيحة عليه؛ مع أنّا لم نجد شيئاً منها يدلّ عليه بالتفصيل المذكور فيه؛ مع أنّها بأنفسها متعارضة غير متّفقة على تفصيل واحد، والجمع بينها وتطبيقها على ما في النهاية في غاية الإشكال والصعوبة، بل لعلّه متعذّر، ومع ذلك خالٍ عن شاهدٍ عليه وحجّة، فيشكل التعويل عليها مطلقاً في إثبات حكم مخالف للأصل، كما أشار إليه
الماتن في
نكت النهاية، فقال ولنعم ما قال:
والذي أراه تعزير الصبيّ، والاقتصار على ما يراه
الإمام أردع له، وقد اختلف الأخبار في كيفية حدّه، فيسقط حكمها لاختلافها وعدم الوقوف بإرادة بعضها دون بعض. وما ذكره الشيخ
خبر واحد لا يحكم به في الحدود؛ لعدم إفادته
اليقين، والحدّ يسقط بالاحتمال
. انتهى.
ومنه يظهر الجواب عمّا عن
المقنع من العفو عنه أولاً، فإن عاد قطعت أنامله أو حكَّت حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك؛ كما في
الصحيح.
وفي آخر رواه في
الفقيه: «إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه، فإن عاد بعد السبع قطعت بنانه أو حكّت حتى تدمى، فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطعت يده ولا يضيّع حدّ من
حدود الله تعالى»
.
ولا يخفى ما بينهما من التعارض ولو من جهة
الإطلاق والتقييد، والجمع بينهما بالتقييد وإن أمكن، إلاّ أنّه لم يقل به في المقنع ولا غيره، ولم يحك عن أحد.
وعمّا عن
ابن سعيد من العمل بما في الصحيح: «إذا سرق الصبيّ عفي عنه، فإن عاد عُزِّر، فإن عاد قطع أطراف الأصابع، فإن عاد قطع أسفل من ذلك»
لمعارضته ما سبقه وغيره من
النصوص المعارضة لهما، ومنها الصحيحان الدالاّن على العفو عنه مرّتين، فإن عاد قطع أطراف أصابعه كما في أحدهما، وبنانه بدلاً عنه في الثاني، فإن عاد قطع أسفل من ذلك كما في الأوّل، ومن بنانه كما في الثاني، وزيد فيه: «فإن عاد قطع أسفل من ذلك»
.
وفي
الغنية: روى أصحابنا: «أنّ الصبي إذا سرق هُدِّد، فإن عاد ثانيةً أُدِّب بحك أصابعه بالأرض حتى تدمى، فإن عاد ثالثةً قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول، فإن عاد رابعةً قطعت من المفصل الثاني، فإن عاد خامسةً قطعت من أُصولها»
.
وأكثر النصوص تخالف هذا التفصيل. نعم، في بعضها ما يومئ إليه
، لكن فيه العفو بدل التهديد. ولا يخفى ما بينهما من التنافي، إلاّ أن يحمل المعفوّ عنه على القطع والإدماء، فلا ينافي التهديد، لكن
السند قاصر. وعبارته وإن أشعرت
بالإجماع عليه إلاّ أنّه موهون بمخالفته الأكثر، بل الكلّ، كما يظهر من نقل الأقوال الذي مرّ.
وبالجملة: العمل بهذه الأخبار محلّ نظر وإن استفاض صحاحها وقرب من
التواتر عددها؛ لما مضى، فينبغي حملها على كون الواقع تأديباً منوطاً بنظر الحاكم، لا حدّا، كما ذكره في
المسالك شيخنا
، ومقتضاه جواز بلوغ التعزير
الحدّ هنا ولو في بعض الصور، ولا بأس به؛ لاتّفاق أكثر النصوص في الدلالة عليه، ولكنّه لا يلائم ما أطلقه المتأخّرون من التعزير؛ بناءً على ما قرّروه من اشتراط التعزير بعدم بلوغه الحدّ، وفي جريانه في محلّ البحث نظر؛ لما مرّ، لكن ينبغي
الاحتياط بعدم القطع إلاّ فيما اتّفقت في الدلالة عليه، وهو في الخامسة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۸۳-۸۷.