شهادة الشاهد مع الذكر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لايجوز إقامة
الشهادة إلا مع الذكر، ولو رأى خطه؛ وفي
رواية: إن شهد معه آخر جاز إقامتها، وفي الرواية تردد.
لا يجوز للشاهد إقامة الشهادة إلاّ مع الذكر لمتعلّقها والتفطن له
بالقطع، فلو لم يتذكّره كذلك لم يجز له الإقامة مطلقاً ولو رأى خطّه وخاتمه فظن به، بلا خلاف إذا لم يكن معه آخر ثقة، ولا كان المدّعى ثقة، وعلى الأشهر بين المتأخرين بل عامتهم إلاّ النادر
مطلقاً، وفاقاً منهم لجماعة من القدماء
كالحلّي وابن زهرة والحلبي.
للأصل، وعموم ما مرّ من الأدلة على اعتبار
العلم في مستند الشهادة، وخصوص إطلاق بعضها.
كالقوي بالسكوني وصاحبه: «لا تشهد بشهادة لا تذكرها، فإنّه من شاء كتب كتاباً ونقش خاتماً»
.
والحسن: جاءني جيران بكتاب فزعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته، ولست أذكر
الشهادة، وقد دعوني إليها، فأشهد لهم بمعرفتي أنّ اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة؟ أو لا تجب لهم الشهادة حتى أذكرها، كان اسمي في الكتاب بخطّي أو لم يكن؟ فكتب: «لا تشهد»
.
وقصور الأسانيد أو ضعفها إن كان منجبر بما مرّ من
الشهرة والأصل وعموم الأدلة، مع دعوى الحلّي في
السرائر كثرتها بحيث لا تحصى، بل وتواترها والإجماع على مضامينها خصوصاً أو عموماً
.
ولكن في رواية صحيحة مروية في
الكتب الأربعة أنّه إن شهد معه أي مع الذي عرف خطّه وخاتمه ولم يذكر من الباقي قليلاً ولا كثيراً، رجل آخر ثقة وكان صاحبه المدّعى أيضاً ثقة جاز له حينئذ إقامتها وقد عمل بها
الشيخ في
النهاية والمفيد والإسكافي والقاضي [[|والديلمي]]
ووالد الصدوق، بل هو
والكليني أيضاً؛ لروايتهما لها في كتابيهما، ولا ينافي ذلك روايتهما بعد ذلك مضمون رواية
السكوني؛ لإطلاقه، وصراحة هذه، بحيث يحتمل التقييد بها عندهما.
وبالجملة: لا شبهة في شهرة العمل بها بين القدماء، وبه صرّح
الفاضل في
المختلف والشهيد في
الدروس، لكنه ادّعى الأكثرية بينهم دون الشهرة، فشهرتها بينهم مع صحتها ترجّحها على ما قابلها من العمومات والإطلاقات، سيّما مع كونها خاصّة صريحة بالإضافة إليها تصلح لتخصيصها وتقييدها.
لكن يمكن أن يقال: إنّها وإن كانت خاصّة صريحة من جهة، لكنها عامّة لصورتي حصول العلم بالمشهود به بشهادة
الثقة معه وعدمه، والأدلة المتقدمة وإن كانت عامّة لصورتي وجود الثقة مع الخط والكتابة إلاّ أنّها خاصّة بالإضافة إلى اشتراط العلم والمعرفة، فكما يمكن تخصيص هذه الصحيحة لها، كذا يمكن العكس جدّاً، فتخصّصها تلك الأدلة بصورة حصول العلم من شهادة الثقة مع الخطّ والكتابة.
وبالجملة: التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر ولهذا يحصل في العمل بهذه الرواية وترجيحها على تلك الأدلة بتخصيصها بها دون العكس تردّد كما هو صريح
الماتن هنا وظاهر الشهيد في الدروس، حيث نقل القولين مقتصراً عليهما، وذلك لفقد المرجح لها، وتعارض الشهرة من الطرفين كسائر وجوه التراجيح من الجانبين.
مع أنّ الأصل والكثرة مع دعوى
التواتر والإجماع في الأدلة الأوّلة أقوى مرجح لها على هذه الصحيحة؛ لأنّها بطرف الضدّ لتلك الأدلة بالنسبة إلى هذه المرجحات المزبورة، مع أنّ الشهرة المتأخرة المرجحة لها أعظم من الشهرة القديمة المرجحة لهذه الصحيحة، مع إمكان التأمّل في شهرتها بين القدماء كما هي؛ لدلالتها على اعتبار كون المدّعى أيضاً ثقة ولم يعتبره من الجماعة غير والد الصدوق خاصّة، فالعامل بها على هذا نادر، فطرحها أو تقييدها بصورة حصول العلم كما فعله في المختلف فيها وفي أقوال العاملين بها أيضاً
متعين، فالمصير إلى ما عليه المتأخرون متّجه، سيّما مع كونه
أحوط، كما صرّح به الشيخ في
الاستبصار والقاضي
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۹۶-۳۹۹.