شهادة النساء في الرضاع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في قبول
شهادة النساء في حصول
الرضاع المحرّم تردّد، أشبهه القبول.
وفي قبولها أي شهادتهن في حصول
الرضاع المحرّم تردّد واختلاف بين
الأصحاب: فبين مانع عنه،
كالشيخ في
الخلاف وموضع من
المبسوط،
والحلّي، ونجيب الدين
يحيى بن سعيد، وفي
السرائر والتحرير والمسالك أنّه مذهب الأكثر
، ونسبه في موضع من المبسوط إلى روايات الأصحاب
، وفي موضع آخر منه إليهم فقال:
شهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا
. مشعراً بدعوى
الإجماع عليه، كما صرّح به في الخلاف
؛ لأصالة الإباحة مع عدم وضوح مخصّص لها من الأدلّة.
وبين من جعل أشبهه القبول
كالمفيد،
والعماني،
والإسكافي،
والديلمي،
وابن حمزة، والشيخ في موضع آخر من المبسوط،
والفاضلين في كتبهما، وكذا
الشهيدان،
وفخر الإسلام،
والصيمري، وغيرهم من سائر المتأخرين
، بل عليه عامّتهم؛ لأنّه أمر لا يطلع عليه الرجال غالباً، فمسّت الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه كغيره من الأُمور الخفية على الرجال من عيوب النساء وغيرها.
وللنصوص الكثيرة المتقدم جملة منها، وسيأتي الإشارة إلى باقيها الدالة على قبول شهادتهن فيما لا يجوز للرجال النظر إليه.
وللمرسل كالموثق
بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه المروي في
التهذيب في أواخر باب ما يحرم من
النكاح من الرضاع: في امرأة أرضعت غلاماً وجارية، قال: «يعلم ذلك غيرها؟» قلت: لا، قال: «لا تصدّق إن لم يكن غيرها»
.
فإنّ مفهوم
الشرط أنّها تصدّق حيث يعلم بذلك غيرها،
والسند كما عرفت معتبر، ومع ذلك بالشهرة العظيمة المتأخرة القطعية التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة منجبر، والمفهوم
حجة، وهو عام شامل لما إذا كان الغير ذكراً أو أُنثى، وخروج بعض الأفراد منه بالإجماع وغيره غير قادح؛ لكون العام المخصّص في الباقي حجة.
هذا على تقدير عمومه لغةً، كما هو الأقوى، وحقق في محله مستقصى، وأمّا على تقدير إطلاقه المنصرف إليه بالدليل الذي به تصرف الإطلاقات إليه فلا قدح بذلك قطعاً وإن قلنا بأنّ العام المخصَّص ليس حجة؛ لوضوح اختلاف حال العموم
والإطلاق في ذلك جدّاً، فاندفع بما قررنا المناقشة الموردة على هذه المرسلة بحذافيرها.
ومع ذلك فالمسألة لا تخلو عن شوب الإشكال، لا لما مر من
الأصل؛ لوجوب تخصيصه بما مرّ من الدليل، بل لما عرفت من
الإجماع المحكي في صريح
الخلاف وظاهر
المبسوط، والرواية المحكية فيه المنجبر إرسالها بالإضافة إلينا بالشهرة المنقولة فيما مرّ من عبائر جملة من أصحابنا.
وإن أمكن المناقشة في جميع ذلك: فحكاية الإجماع بعدم صراحتها فيه في المبسوط، ومعارضته بإجماع
المرتضى الآتي، مع احتمال وهنه كالشهرة المنقولة بأكثريّة القائل بالقبول في قدماء الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم من القائل منهم بالمنع، سيّما وإذا ضممنا إليهم جملة منهم ممّن لم يتعرض لخصوص المسألة نفياً ولا إثباتاً، ولكن صرّح بقبول شهادتهن فيما لا يطّلع عليه الرجال غالباً ومنه الرضاع قطعاً، وقد ادّعى بعضهم الإجماع عليه
كابن زهرة، بل ادّعى الإجماع على قبول شهادتهن مع الرجال فيما عدا
الطلاق وغيره مما عدّه قبل ذلك ولم يكن منه الرضاع، فقال: وتقبل شهادتهن فيما عدا ما ذكرناه مع الرجال بدليل إجماع
الطائفة. فتأمّل.
مع أنّ المرتضى صرّح بالإجماع على القبول، فقال: الذي يقوله أصحابنا: إنّ شهادة النساء في الرضاع مقبولة على الانفراد، وفي الولادة أيضاً إلى أن قال: والدليل على ذلك بعد الإجماع المتقدم ذكره ما روي
. إلى آخر ما ذكره.
والرواية المحكية في المبسوط لم نقف عليها، فهي كما عرفت
مرسلة، والشهرة المحكية على تقدير صحتها إنّما تجبر وهن السند بعد اتضاح الدلالة، وهي غير معلومة، فيحتمل الغفلة عنها للحاكي، أو بناؤه إيّاها على ما لم نرض به.
ولو سلّم جميع ذلك فهي معارضة بالروايات المتقدمة عموماً وخصوصاً، يعني المرسلة الراجحة على هذه الرواية بالموافقة لتلك الأخبار العامة، واعتبار سندها في نفسه، واشتهارها بالشهرة العظيمة المتيقنة التي هي أقوى من الأكثرية المنقولة من وجوه عديدة، فإذاً القول بالقبول في غاية القوة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۳۷-۳۴۱.