لحوق ولد الزوجة الدائمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولد الزوجة الدائمة يلحق به مع الدخول ومضى ستة أشهر من حين
الوطء ووضعه
لمدة الحمل أو أقل، وهي تسعة أشهر، وقيل عشرة أشهر وهو حسن، وقيل سنة وهو متروك؛ فلو اعتزلها أو غاب عنها عشرة أشهر فولدت بعدها لم يلحق به؛ ولو أنكر الدخول فالقول قوله مع يمينه؛ ولو اعترف به ثم أنكر الولد لم ينتف عنه إلا
باللعان؛ ولو اتهمها بالفجور أو شاهد زناها لم يجز له نفيه؛ ويلحق به الولد ولو نفاه إلا باللعان؛ وكذا لو اختلفا في مدة الولادة.
ولد الزوجة الدائمة التامّ خلقةً يُلحَق به أي الزوج الذي يمكن التولّد منه عادةً ولو احتمالاً مع شروط ثلاثة:
أحدها: الدخول منه بها دخولاً يمكن فيه ذلك ولو احتمالاً بعيداً، قبلاً كان أم دبراً، إجماعاً، وفي غيره إشكال، وإن حكي الإطلاق عن
الأصحاب واحتمل
الإجماع.
مع أنّ المحكيّ عن
السرائر والتحرير عدم العبرة بالوطء دبراً
، واستوجهه من المتأخّرين جماعة
. وهو حسن، إلاّ مع الإمناء واحتمال السبق وعدم الشعور به، لا مطلقاً.
وثانيها: مضيّ ستّة أشهر هلاليّة أو عدديّة من حين
الوطء فلا عبرة بالأقلّ في الولد الكامل، إجماعاً من المسلمين كافّة؛ لنصّ
الآية «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً»
، مع قوله «وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ»
، وهو أقل
مدّة الحمل؛ للإجماع على عدم كونه أقصاه؛ وللنصوص الآتية.
وفي غير الكامل ممّا تسقطه المرأة يرجع في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إليه ليجب عليه التكفين، ومئونة التجهيز، ونحو ذلك من الأحكام الغير المترتّبة على حياته إلى المعتاد لمثله من الأيّام والأشهر وإن نقصت عن الستّة الأشهر، فإن أمكن عادة كونه منه لحقه حكمه وإن علم عادةً انتفاؤه عنه لغيبته عنه مدّة تزيد عن تخلّقه عادةً انتفى عنه.
وثالثها: وضعه لمدّة الحمل أو أقلّ منها، إجماعاً من المسلمين كافّة وهي تسعة أشهر في الأشهر، كما عن
النهاية والمقنعة والإسكافي والديلمي والقاضي والمرتضى في أحد قوليه
وغيرهم
، بل ظاهر الإسكافي
والطوسي في
المبسوط والخلاف إجماعنا عليه
، وهو الأصحّ؛ للمعتبرة المستفيضة بعد الإجماعات المنقولة المترجّحة على معارضها الآتي ولو صحّ بالكثرة
والشهرة:
منها
الخبر: عن
غاية الحمل بالولد في بطن امّه، كم هو؟ فإنّ الناس يقولون: ربّما بقي في بطنها سنتين، فقال: «كذبوا، أقصى الحمل تسعة أشهر، لا يزيد لحظة، ولو زاد ساعة لقتل امّه قبل أن يخرج»
.
وفي آخر: «يعيش الولد لستّة أشهر، ولسبعة أشهر، ولتسعة أشهر، ولا يعيش لثمانية أشهر»
.
وقصور سندهما كما يأتي منجبر بالشهرة. والدلالة في الأوّل صريحة، وفي الثاني ظاهرة من حيث مفهوم العدد، الذي هو
حجّة. وليس في الأوّل من حيث تضمّنه قتل الولد امّه بزيادة مكثه على التسعة أشهر بساعة ما ينافي حجيّته، إلاّ دعوى الوجدان بعدم ذلك والبقاء إلى العشر بل وأزيد إلى سنة، وهي ممنوعة، فقد يكون وضع الحمل إلى ذينك الأجلين ابتداء الحمل فيه من التسعة، ويكون حبس الطمث قبله لريبة، كفساد الطمث، كما يستفاد من المعتبرة
وصرّح به
المفيد في المقنعة
وجماعة
. وليس الوضع إلى ذينك الأجلين مع انسداد باب الاحتمال المتقدّم ظاهراً لنا بالوجدان وإنكاره مكابرة بالعيان.
ومنه يظهر ضعف ما قيل من أنّ الأقصى عشرة كما عن المبسوط
، واختاره المصنّف أيضاً بقوله: وهو حسن مع عدم الدليل من الأخبار عليه، وانتقاض تعليله المتقدّم لو صحّ بوجدان الوضع إلى السنة كما حكاه في
المسالك وسبطه في الشرح
ووقع في زماننا أيضاً، فقصره عليه دونه ليس في محلّه، ولا وجه لاختياره على الخصوص بالمرّة.
ويدلّ على المختار أيضاً مضافاً إلى ما سيأتي من الأخبار المعتبر المحتمل للصحّة، المروي في
الكافي، في باب مبدأ النشوء، وفيه: «وللرحم ثلاثة أقفال: قفل في أعلاها ممّا يلي أعلى الصرة من الجانب الأيمن، والقفل الآخر وسطها، والقفل الآخر أسفل من
الرحم، فيوضع بعد تسعة أيّام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة أشهر، فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوّع، ثم ينزل إلى القفل الأوسط فيمكث فيه ثلاثة أشهر» إلى أن قال: «ثم ينزل الى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر، فذلك تسعة أشهر، ثم تطلق المرأة»
الحديث.
إلاّ أنّ ظاهره زيادة تسعة أيّام على تسعة أشهر، لكن يمكن إدراجها في التسعة أشهر بضرب من
التأويل، بحمل قوله في القفل الأوّل: «فيمكث ثلاثة أشهر» على ثلاثة أشهر التي التسعة الأيام منها؛ والشاهد عليه ذيل
الرواية وباقي المعتبرة الماضية والآتية، مع أنّ إبقاءه على ظاهره مخالف للإجماع بالضرورة، فهو أقوى شاهد على صحّة الحمل الذي ذكرناه.
ومنه يظهر فساد حمل ما ضاهاه على الغالب، مع ما في الخبر الأوّل ممّا هو ظاهر في نفيه من أنّ لو زاد ساعة لقتل امّه، ولا ريب أنّ الغالب ليس منحصراً في التسعة الحقيقيّة التي لا يزاد عليها ولو بساعة.
وبالجملة: أبواب المناقشات في أدلّة المشهور بما ذكرناه مسدودة، والأقوال المقابلة له ضعيفة، حتى ما قيل من أن أقصاه سنة كما عن
الانتصار والجامع والمفيد في
الأعلام الورى
، واختاره من المتأخرين جماعة
؛ ولا دليل عليه سوى الإجماع المحكيّ عن الأوّل، والنصوص المتوهّم منها ذلك:
منها
الصحيح: «إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً، انتظر تسعة أشهر، فإن ولدت، وإلاّ اعتدّت ثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه»
.
والخبر: «إنّما الحمل تسعة أشهر» قال: قلت فتتزوّج؟ قال: «تحتاط ثلاثة أشهر» قال: قلت: فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: «ليس عليها ريبة، تزوّج»
ونحو غيره
.
وفي الجميع نظر، أمّا الأوّل: فلمعارضته لأكثر منه وأشهر، مع احتماله الإجماع على النفي عن الأزيد لا أنّه الأقصى، ردّاً على العامّة القائلين بالزيادة إلى سنتين، كما أفصح عنه الخبر الذي مرّ، وحكايته عنهم بين الأصحاب قد اشتهر.
وأمّا الثاني: فهو بالدلالة على المختار أوضح وأظهر، ولا سيّما الخبر الأوّل؛ لنصّ الجميع على أنّ الثلاثة أشهر للريبة، وبه صرّح من الأصحاب جماعة،
كالحلبي وابن شهرآشوب وابن زهرة.
نعم، في
المرسل: «أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر، وأكثر ما تحمل لسنة»
.
وقريب منه مرسل آخر: في قول
الله عزّ وجلّ «يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ»
قال: «الغيض: كلّ حمل دون تسعة أشهر، وما تزداد: كلّ شيء يزداد على تسعة أشهر، فكلّما رأت المرأة
الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعدد الأيّام التي رأت في حملها من الدم»
.
ونحو الأول في الصراحة في الجملة، المرفوع المرويّ عن
نوادر المعجزات للقطب الراوندي، عن سيّدة النساء
فاطمة الزهراء (سلاماللهعليها): أنّها ولدت
الحسين (علیهالسّلام) عند تمام سنة من حملها به.
وهذه الروايات مع قصور أسانيدها بالإرسال لا تعارض شيئاً ممّا قدّمناه من الأخبار المعتضدة بالإجماعات المحكيّة والاشتهار العظيم بين الأخبار؛ مضافاً إلى اختلاف نسخة الرواية الاولى في لفظة «السنة» فيوجد في بعضها: «سنتين» بدلها، وهو موجب لوهن الاستدلال بها، واحتمالها به الحمل على
التقيّة جدّاً، فلا دليل يعتدّ به لهذا القول؛ مع إشعار قول المصنّف: وهو متروك بانعقاد الإجماع على خلافه.
وكيف كان فيتفرّع على الخلاف في المسألة: ما لو اعتزلها، أو غاب عنها عشرة أشهر، فولدت بعدها، لم يلحق به على الأظهر، وكذا على القول بالعشر، ويلحق به على القول الآخر.
ومظهر ثمرة الخلاف بين القولين الأولين ما لو ولدته لعشر، فيلحق به على القول به، ولا على الأظهر.
ولو أنكر الزوج الدخول بها بعد احتماله، وادّعته الزوجة فالقول قوله مع يمينه لإنكاره، مضافاً إلى
الأصل، فتأمّل.
ولو اعترف به أي الدخول ثم أنكر الولد، لم ينتف عنه إلاّ
باللعان إجماعاً؛ للأصل، وعموم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»
.
ولو اتّهمها بالفجور، أو شاهد زناها، لم يجز له نفيه مع احتمال اللحوق به ولحق به إجماعاً؛ لما مضى ولو نفاه لم ينتف عنه إلاّ باللعان بلا خلاف. ولا فرق في ذلك بين كون الولد يشبه الزاني وعدمه؛ عملاً بالعموم.
ولو وُطِئَت الزوجة شبهة، وأمكن تولّد الولد من الزوج وذلك الواطئ، أُقرع بينهما؛ لأنّها فراش لهما، سواء وقع الوطئان في
طهر واحد أو في طهرين ولو انتفى عن أحدهما بالآخر من غير
قرعة.
وكذا يلحق به الولد ولا ينتفي عنه إلاّ باللعان لو اختلفا في مدّة الولادة فادّعى ولادته لدون ستّة أشهر، أو لأزيد من
أقصى الحمل؛ تغليباً للفراش، والتفاتاً إلى أصالة عدم زيادة المدّة وتأخّر الدخول في الثاني. أمّا الأوّل فالأصل معه، فيحتمل قبول قوله، وفاقاً لجماعة
؛ عملاً بالأصل، والتفاتاً إلى أنّ مآله إلى النزاع في الدخول، فإنّه إذا قال: لم تنقض ستّة أشهر من حين
الوطء، كان معناه: عدم وطئه لها منذ ستّة أشهر، ووقوعه فيما دونها.
وربما فسّر بعضهم النزاع في المدّة الذي يترتّب عليه الحكم المزبور في العبارة بالمعنى الثاني خاصّة
ليوافق الأصل، وليس ببعيد إن تحقّق في ذلك خلاف، إلاّ أنّ كلام الأصحاب مطلق، لكن في الاكتفاء بمثله في الخروج عن مقتضى الأصل إشكال، إلاّ أن يعتضد بعموم: «الولد للفراش» ولا ينتقض بصورة وقوع النزاع في الدخول؛ لعدم الفراش فيها بدون ثبوته، بخلاف المقام؛ لثبوته بثبوته باتّفاقهما عليه.
هذا، مع إمكان المناقشة في الأصل الذي ادّعي كونه مع الزوج، كيف لا؟! وهو معارض بأصالة عدم موجب للحمل لها غير دخوله، وبعد التعارض لا بدّ من المصير إلى الترجيح، وهو معها؛ للعموم المتقدّم، ولا ينقض بالصورة المتقدّم ذكرها؛ لانتفاء المرجّح المزبور فيها كما مضى، فهذا أقوى.
وحيث قدّمنا قولها، فالمتّجه عند جماعة منهم: شيخنا
الشهيد في
اللمعة توجّه
اليمين عليها؛ وربما ظهر من كلام بعض الأصحاب كما حكي
عدمه، ولا بأس به؛ نظراً إلى الأصل وانتفاء المخرج عنه؛ بناءً على أنّ تقديم قولها ليس لإنكارها حتى يتوجّه اليمين عليها، بل لتغليب جانب الفراش المستدلّ عليه بالعموم المتقدّم، وليس فيه اعتبار اليمين، ولكن
الأحوط اعتباره.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۱۰۳-۱۱۱.