موقف الإمامية في آل البيت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنّ للفظ
آل البيت إطلاقاً خاصّاً لدى
الشيعة الإماميّة، و يقصد به خصوص قرابة
النبيّ(صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) المعصومين (علیهمالسّلام)، أي
الأئمّة الاثنا عشر و
فاطمة فقط. و هذا الاصطلاح مرادف عندنا لمصطلح أهل البيت و آل محمّد و
العترة و ذوي القربى حتى بناءً على كون معانيها اللغوية أعمّ.
فإنّه تقدّم في عنوان آل أنّ بعض أهل اللغة قد نصّ على أنّه يراد به من يختصّ بالإنسان اختصاصاً ذاتيّاً و يتعلّق به تعلّقاً شديداً. و هذا الارتباط الوثيق بالنبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) لا ينطبق إلّا على الخمسة
أصحاب الكساء.
قال
الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»
، و بعد أن حكى ما نقله
صاحب الكشّاف عن النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قوله: «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً...» و إليك متن الحديث بأكمله: «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات تائباً، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل
الإيمان».
«آل محمّد (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ و أكمل كانوا هم الآل، و لا شكّ أنّ
فاطمة وعليّاً و
الحسن و
الحسين كان التعلّق بينهم و بين
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أشدّ التعلّقات، و هذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل، و أيضاً اختلف الناس في الآل، فقيل: هم الأقارب، و قيل: هم امّته.
فإن حملناه على القرابة فهم الآل، و إن حملناهم على
الامّة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أنّ على جميع التقديرات هم الآل. و أمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه
.
وهي كثيرة جدّاً، منها:
ما روي بشأن نزول
آية التطهير، و هي قوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
:
۱- أنّ
امّ سلمة (رضياللَّهعنها) قالت: نزلت هذه
الآية في بيتي: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» و في البيت سبعة
جبرئيل، و
ميكائيل، و رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، و
عليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين. قالت: و أنا على باب البيت، فقلت: يا رسول اللَّه، أ لست من أهل البيت؟ قال: «إنّك على خير، إنّك من أزواج النبيّ» و ما قال: إنّك من
أهل البيت. و في رواية: قلت: يا رسول اللَّه أ لست من أهل البيت؟ قال: «إنّك إلى خير، إنّك من أزواج رسول اللَّه»، قالت: و أهل البيت، رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين
.
۲- و أخرج
أبو يعلى عن امّ سلمة: أنّ النبيّ غطّى على عليّ و فاطمة و حسن و حسين كساء ثمّ قال: «هؤلاء أهل بيتي، إليك لا إلى النار». قالت امّ سلمة: فقلت: يا رسول اللَّه و أنا منهم؟ قال: «لا، و أنت على خير»
. و في
رواية: قالت: فجئت لأدخل معهم فقال: «مكانك، أنتِ على خير»
. و في رواية: قالت امّ سلمة: اجعلني معهم. قال رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «أنتِ بمكانك، و أنت إلى خير»
، و في رواية: قالت امّ سلمة فقلت: يا رسول اللَّه أ لست من أهل البيت؟ قال: «إنّك على خير و إلى خير»
.
وفي رواية عن
عائشة قالت: فذهبت لأدخل رأسي فدفعني. فقلت: يا رسول اللَّه أ لست من أهلك؟ قال: «إنّك على خير، إنّك على خير»
. و لعلّ ورود الأحاديث العديدة بمضمون واحد تدلّ على أنّ الحادثة تكرّرت في بيوت
أزواج النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) .
و إليك روايات اخرى بهذا الشأن:
۱- أخرج
مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: «خرج النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) غداة و عليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن و الحسين فأدخلهما معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثمّ جاء
عليّ فأدخله معه، ثمّ قال: «إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً»».
۲- أخرج الحاكم عن واثلة بن الأسقع، قال: أتيت عليّاً فلم أجده فقالت لي فاطمة: انطلق إلى رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) يدعوه، فجاء مع رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فدخلا و دخلت معهما، فدعا رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) الحسن و الحسين فأقعد كلّ واحد منهما على فخذيه و أدنى فاطمة من حجره و زوجها، ثمّ لفّ عليهم ثوباً و قال: «إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً» ثمّ قال: «هؤلاء أهل بيتي. اللّهمّ أهل بيتي أحقّ». ثمّ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.
۳- و أخرج أيضاً عن
عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب قال: لمّا نظر رسول اللَّه الى الرحمة هابطة قال: «ادعوا لي ادعوا لي»، فقالت صفيّة: مَن يا رسول اللَّه؟ قال: «أهل بيتي عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين»، فجيء بهم فألقى عليهم النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) كساءه ثمّ رفع يديه، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء آلي فصلّ على محمّد و على آل محمّد. و أنزل اللَّه عزّ وجلّ: «إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً»». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
۴- و أخرج أبو يعلى بسند رجاله رجال الصحيح عن امّ سلمة: أنّ النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) جلّل عليّاً و حسناً و حسيناً و فاطمة كساء، ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و حامّتي. اللّهمّ أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً».
۵- و أخرج
الترمذي عن محمود بن غيلان الحديث بمثله.
۶- و أخرج
أحمد أيضاً عن امّ سلمة تذكر أنّ النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها حريرة، فدخلت بها عليه، فقال: «ادعي لي زوجك و ابنيك» قالت: فجاء عليّ و حسن و حسين فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة، و هو على منامة له على دكان، تحته كساء خيبري. قالت: و أنا في الحجرة اصلّي، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ هذه
الآية: «إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً» قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثمّ قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و حامّتي فأذهب عنهم
الرجس و طهّرهم تطهيراً. قالت: فأدخلت رأسي البيت، قلت: و أنا معكم يا رسول اللَّه؟ قال: «إنّك إلى خير. إنّك إلى خير».
۷- و أخرج
البغوي عن عائشة (رضياللَّه) عنها قالت: خرج النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) غداة و عليه مرط مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثمّ جاء الحسين فدخل معه ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء عليّ فأدخله ثمّ قال: «إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً».
۸- و قال
ابن تيمية في
المنهاج: أمّا
حديث الكساء فهو صحيح.
۹- و ذكر
ابن جرير الطبري في تفسير
آية التطهير خمس عشرة رواية بأسانيد مختلفة في أنّ
أهل البيت في الآية هم النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) و عليّ و فاطمة و حسن و حسين، ثمّ أعقبها برواية واحدة في أنّ المراد زوجاته المكرّمات
و هكذا
السيوطي في تفسير
الدرّ المنثور قد صدّر الكلام عند تفسير هذه الآية بثلاث روايات في أنّ أهل البيت فيها هم أزواجه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) و أعقبها بعشرين رواية من طرق مختلفة في أنّ المراد منهم
النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) و
عليّ و
فاطمة و
الحسن و
الحسين.
ومن المفيد أن نذكر كلام الحضرمي، قال
ب- ما روي من فعل النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) من أنّه كان يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر إذا خرج إلى
صلاة الفجر، فيقول:
الصلاة يا أهل البيت «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه
، و في رواية: أنّه كان يأتي بيت فاطمة ستّة أشهر إذا خرج من صلاة الفجر يقول: يا أهل البيت الصلاة الصلاة يا
أهل البيت «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
، كما روي تكرّر ذلك سبعة عشر شهراً أيضاً
، ثمّ إنّ الروايات الواردة في
سبب نزول الآية و انّها نزلت في النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) و علي و فاطمة و
الحسنين (علیهمالسّلام)، تزيد على سبعين حديثاً، يربو ما ورد منها من طرق
أهل السنّة على ما ورد منها من طرق
الشيعة.
فقد رواها أهل السنّة بطرق كثيرة عن امّ سلمة و عائشة و
أبي سعيد الخدري و سعد و وائلة بن الأسقع و أبي الحمراء و
ابن عباس و ثوبان مولى النبيّ و
عبد اللَّه بن جعفر و علي و الحسن بن علي (عليهماالسلام) في قريب من أربعين طريقاً. و رواها الشيعة عن علي و
السجاد و
الباقر و
الصادق و
الرضا (علیهمالسّلام) و امّ سلمة و
أبي ذرّ وأبي ليلى و
أبي الأسود الدؤلي و عمرو بن ميمون الأودي و
سعد بن أبي وقاص في بضع و ثلاثين طريقاً
.
ج- روى مسلم في صحيحه عن
زيد بن أرقم عن رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أنّه قال: «ألا و إنّي تارك فيكم
ثقلين: أحدهما كتاب اللَّه عزّ و جلّ، هو حبل اللَّه من اتّبعه كان على الهدى، و من تركه كان على ضلالة -فحثّ على كتاب اللَّه و رغّب فيه، ثمّ قال: و أهل بيتي، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي، اذكّركم اللَّه في أهل بيتي-». و فيه: فقلنا: مَن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، و أيم اللَّه إنّ
المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا
الصدقة بعده.
و روى أيضاً عن زيد: قام رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خمّاً بين
مكة و
المدينة فحمد اللَّه و أثنى عليه، و ذكّر، ثمّ قال، و ساق الحديث
، و عن
عطيّة عن أبي سعيد قال: سألته من أهل البيت؟ فقال: «النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين»
. و ما كان تخصيصهم بذلك منه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) إلّا عن
أمر إلهي و
وحي سماوي
.
د- و يدلّ أيضاً على اختصاص لفظ أهل البيت لغةً بخاصّة أهله دون نسائه و امّته، فعله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) في
منى عند
الاضحية، فإنّه ضحّى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر اللَّه: «اللّهمّ عن محمّد و
آل محمّد». و في الآخر: «اللّهمّ عن محمّد و امّة محمّد»
، و في رواية: ضحّى في منى عن نسائه بالبقر
، رواه الشيخان، و في رواية ضحّى بكبشين و قال: اللّهمّ تقبّل من محمّد و آل محمّد.
كالصلاة عليهم مقترنة بالصلاة على النبيّ، و هذا يدلّ على أنّ لهم منزلة عظيمة عند اللَّه بحيث يقرنون بالنبيّ، فكما أنّ الصلاة على النبيّ تعبّر عن أمر واقعي و هي المنزلة العظيمة له فكذلك آله، و هذا لا ينطبق إلّا عليهم (علیهمالسّلام). إلّا أنّه مع ذلك كلّه قال
الآلوسي: و هذه كما ترى آية بيّنة و حجّة نيّرة على كون نساء النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) من أهل بيته قاضية ببطلان مذهب الشيعة في تخصيصهم أهل البيت بفاطمة و عليّ و ابنيه الحسن و الحسين (رضياللَّهعنهم)
.
وقد أجابه
الحضرمي بقوله: و لا
التفات إلى ما ذكره صاحب
روح البيان من أنّ تخصيص الخمسة المذكورين (علیهمالسّلام) بكونهم أهل البيت هو من أقوال الشيعة؛ لأنّ ذلك محض تهوّر يقضى بالعجب! و بما سبق من
الأحاديث و ما في كتب أهل السنّة السنيّة يسفر الصبح لذي عينين
، و عليه، فتكون لفظة أهل البيت اسماً خاصاً- في عرف
القرآن- بهؤلاء الخمسة و هم النبي و علي و فاطمة و الحسنان (عليهمالصلاةوالسلام)، و لايطلق على غيرهم ولو كان من أقربائه حتى لو سلّمنا صحة
إطلاق اللفظ على غيرهم بحسب العرف العام
.
وقد ورد لفظ البيت في الآية معرّفاً، و التعريف فيه للعهد
. ثمّ إنّ تعيين مصداق مفهوم آل البيت في أصحاب الكساء لم يكن اعتباطاً، بل لانحصار تحقّق الخصوصية المذكورة في الآية حين نزولها فيهم، و هي
العصمة و
الطهارة ، و قد دلّ الدليل على عصمة و
إمامة الحجج التسعة من ذرّية الخامس منهم، فيثبت أنّ آل البيت يشمل عليّاً و فاطمة و أحد عشر كوكباً من أبنائهما (علیهمالسّلام)، و قد يضاف إليهم رسول اللَّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)؛ فإنّ نورهم واحد، و للتفصيل راجع
أئمّة.
الموسوعة الفقهية، موسسه دائرة المعارف الفقه الاسلامي، ج۱، ص۲۳۷-۲۴۴.