آثار الإقرار بالنسب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ثمّ إنّ هناك فروعاً كثيرة مرتبطة بالإقرار بالولد وغير الولد من النسب، تظهر ثمرتها غالباً في باب
الإرث ، ولا بأس بذكر بعضها كتطبيقات للمقام، وهي كما يلي:
لو أقرّ ولد الميّت بولد آخر له فأقرّا بثالث ثبت نسب الثالث والتوارث بينهم جميعاً إن كانا عدلين، بل لا يضرّ بذلك
إنكار الثالث؛ لفرض قيام البيّنة وإن لم يكونا عدلين فيشاركهما في
الإرث بالنسبة؛ لأنّ إقرارهما بالنسب إقرار منهما بالمال، ولكن لا يرثانه؛ لعدم ثبوت النسبة حقيقة وإنّما يرثهما بالإقرار دون العكس. وكذلك يتوقّف ثبوت نسب الثاني والتوارث بينهم جميعاً على
اعتراف الثالث وعدالته مع الأوّل.
ولو فرض إنكار الثالث الثاني الذي أقرّ بولديّته الأوّل لم يثبت نسب الثاني؛ لعدم قيام البيّنة، ولكن يشارك الثاني الأوّل في الإرث، فيأخذ الثالث نصف التركة؛ لأنّ المشارك له الأوّل خاصّة، ويأخذ الأوّل ثلث التركة؛ لنقصان نصيبه بمقتضى إقراره. وحينئذٍ فيأخذ الثاني الذي أقرّ به الأوّل ونفاه الثالث السدس من الأصل، وهو تكملة نصيب الأوّل؛ إذ ليس له إلّا زيادة ما في يد المقرّ الأوّل.
وقد ادّعي نفي وجدان الخلاف فيه،
بل ادّعي أنّه مذهب علمائنا أجمع.
لكن نقل بعضهم قولًا آخر في المسألة، وهو قسمة النصف الآخر بين المقرّ والمقرّ له بالسوية بعد إعطاء الثالث النصف الأوّل؛ لأنّ ميراث البنين يقتضي التسوية، ولا يسلم لأحدهم شيء إلّا ويسلّم للآخر مثله، والثالث- بزعمهما- غصبهما بعض حقّهما.
وهذا القول قوّاه بعضهم.
لو كان للميّت وارث في الظاهر إخوة وزوجة، فلها الربع ظاهراً، فإذا أقرّت بولد للميّت صغير أو كبير فقد أقرّت له بنصف نصيبها، وهو الثمن، ثمّ ينظر إن صادقها الإخوة دفعوا إليه جميع ما يخصّهم ظاهراً، وهو ثلاثة أرباع التركة؛ لأنّ ذلك مقتضى حكم الولد، سواء ثبت نسبه بأن كان فيهم عدلان، أم لا.
وكذا الحكم في كلّ وارث في الظاهر أقرّ بمن هو أقرب منه، كالعمّ المقرّ بأخٍ للميّت، فيدفع إليه جميع ما في يده؛ لعموم إقرار العقلاء،
بخلاف الأجنبي الذي هو شاهد غير مقرّ، وبخلاف الوارث واقعاً المعلوم كذب إقراره.
ولو كان الوارث قد أقرّ بمساوٍ كما لو أقرّ
الأخ بآخر دفع إليه من نصيب المقرّ بنسبة نصيب المقرّ به إلى أنصباء الورثة، فلو أقرّ أحد الأخوين باخت- مثلًا- دفع إليها من نصيبه- وهو النصف- خمساً؛ لأنّه نسبة نصيب
الآخت إلى سهام الأخوين ويبقى من نصيبها على زعمه خمس آخر في نصيب الأخ غير المقرّ.
والضابط: أنّ المقرّ يدفع إلى المقرّ له ما زاد من نصيبه لولا
الإقرار على تقدير وجود المقرّ به، فالزوجة في الفرض تدفع الثُمن؛ لأنّه الفاضل من نصيبها لولا إقرارها بالولد، كما أنّ الأخ يدفع الخمس؛ لأنّه الفاضل من نصيبه لولا الإقرار بالاخت، وهكذا.
وإن أنكر الإخوة الولد كان لهم ثلاثة أرباع وللزوجة الثمن؛ لإقرارها بالولد، وباقي حصّتها- لولا الإقرار- للولد.
ولو أقرّ الوارث ظاهراً بمساوٍ فأنكر المقرّ له نسب المقرّ، وليس له (أي للمقرّ) بيّنة، حاز المقرّ له على التركة مع يمينه؛ عملًا بالمتّفق عليه.
ولو أقرّ اثنان من الورثة بوارث مساوٍ لهما في الإرث، فإن كانا ممّن تقبل شهادته صحّ النسب الموجب للإرث، وقاسم الورثة ولو كانوا غير مقرّين؛ لفرض قيام البيّنة فيثبت النسب مطلقاً، بل قدّ مرّ عدم
إضرار إنكار بعضهم صريحاً.
ولو كان المقرّ له أولى بالإرث منهما - كما لو أقرّ الأخوان العدلان بولد- فيثبت نسبه واختصّ هو بالميراث دونهما.
ولو لم يكونا ممّن تقبل شهادته بأن كانا غير مرضيّين لم يثبت النسب ودفعا إلى المقرّ له ممّا في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة إذا كان مساوياً لهما في الإرث لإقرارهما،
وإذا كان هو أولى منهما استحقّ الإرث جميعه دونهما كما لا يخفى،
وقد ادّعي نفي وجدان الخلاف في ذلك.
ولو أقرّ الأخ بولد للميّت فالمال للولد، فإن أقرّ بآخر فصدّقه الأوّل فالتركة بينهما،
وإن كذّبه فالتركة للأوّل، ويغرم النصف للثاني وإن أنكر الثاني الأوّل.
وإن أقرّ بثالث فصدّقه الأوّل فله النصف، وإن كذّبه غرم المقرّ الثلث.
ولو أقرّ بولد ثمّ بآخر فصدّقه الأوّل وأنكر الثاني الأوّل، فالتركة للثاني ولا غرم.
أمّا كون
التركة للثاني فلأنّ نسبه ثبت بقول المقرّ والمقرّ له دون الأوّل. هذا إذا كانا عدلين، وإلّا كان له النصف خاصة؛ إذ لم يعترفا له إلّا به، والنسب لم يثبت. وأمّا أنّه لا يغرم فلأنّه لم يقع من الأخ تفويت حقٍّ أقرّ به لأحدهما.
وأمّا لو أقرّ أخ الميّت بوارثين أولى منه دفعة بأن قال: (هما الوارثان ولا شريك لهما) فصدّقه كلّ واحد منهما عن نفسه لم يثبت النسب؛ لأنّه إنّما يثبت بالبيّنة لا بشهادة واحد. نعم، لو تصادقا وكانا عدلين والمقرّ عدل أيضاً ثبت النسب أيضاً. ولو لم يكونا عدلين فالميراث يثبت لهما بالإقرار دون النسب.
ولو صدّق أحدهما دون الآخر، وكان عدلًا، والمقرّ أيضاً عدلٌ اختصّ بالميراث دون الآخر؛ لثبوت نسبه دونه.
ولو تناكرا بينهما ولم يكن المقرّ ولا أحدهما عدلًا لم يلتفت إلى إنكارهما؛ لأنّ استحقاقهما للإرث ثبت في حالة واحدة وهي الإقرار بهما دفعة، بخلاف ما لو أقر بأحدهما ثمّ أقرّ بالآخر، فإنّ
اشتراكهما في الإرث متوقّف على مصادقة الأوّل.
ولو أقرّ بوارث أولى منه ثمّ أقرّ بآخر أولى منهما، فإن صدّقه المقرّ له الأوّل دفع المال إلى المقرّ له الثاني، وإن كذّبه دفع المقرّ المال إلى الأوّل وغرمه للثاني؛
نظراً إلى أنّ الأوّل استحقّ التركة بإقرار الحائز لها أوّلًا، فيكون إقراره ثانياً لمن هو أولى منه بمنزلة الرجوع عن الأوّل وتعقيبه بالمنافي، فلا يسمع في حقّ المقرّ له الأوّل، ولكن يغرم للثاني التركة؛ لأنّه فوّتها عليه بإقراره الأوّل.
ولو كان المقرّ له الثاني مساوياً للمقرّ له أوّلًا بالإرث، كما لو أقرّ العمّ بأخ للميّت أوّلًا، ثمّ أقرّ بأخ آخر له ثانياً، فإن صدّقه الأوّل اقتسما المال، وإن لم يصدّقه الأوّل دفع المقرّ إلى الثاني مثل نصف ما حصل للأوّل؛
نظراً إلى أنّ ذلك هو الذي أتلفه عليه، نحو ما قال: (هذه العين لزيد)، ثمّ قال: (هي له ولعمرو).
ونسب إلى غير واحد الجزم بالغرامة للمقرّ له الثاني في كلتا المسألتين، وهي ما لو أقرّ ثانياً بأولى من المقرّ له أوّلًا، وما إذا أقرّ بمساوٍ له، من غير تقييد للغرامة بما إذا دفع أو نفى الوارث غيره.
قال
الشهيد الأوّل : «اغرم المقرّ للمقرّ به ثانياً ما أخذه الأوّل، سواء بقي وارثاً غيره أم لا على الأشبه».
ولكن أشكل
العلّامة الحلّي حيث قال: «يغرم... للولد إن نفى وارثاً غيره، وإلّا فإشكال».
وقد نسب إلى بعض تقييد الغرامة بما إذا كان دفعها إلى الأخ.
وقد ذكر في وجه إشكال العلّامة فيما إذا لم ينفِ وارثاً غيره: أنّ إقراره بالأخ أوّلًا من دون ثبوت نسب الولد هو المفوّت للتركة، هذا من جهة، ومن جهة اخرى أنّه لا منافاة بين الإقرارين؛ لإمكان
اجتماعهما على الصدق، فلم يصدر منه مناف للإقرار بالولد.
ونوقش فيه بأنّه لا يلزم من عدم المنافاة عدم الغرم، والمقتضي للغرم هو إقراره بالأخ أوّلًا المقتضي لاستحقاقه جميع التركة، فإقراره به على هذا الوجه بمنزلة ما لو نفى وارثاً غيره؛ لأنّهما بمنزلة واحدة في وجوب دفع التركة إلى الأخ بمقتضى
الإقرار ، فيغرم.
ونوقش أيضاً في التقييد بالدفع بأنّ ما نحن فيه كالإقرار بالعين لشخص، ثمّ الإقرار بها لآخر في أنّه يدفع العين للأوّل ويغرم للثاني، بلا فرق في ذلك بين ما إذا دفعه للأوّل ثمّ أقرّ للثاني أو لم يدفع إليه كذلك.
ولو أقرّ أحد الأخوين- الوارثين ظاهراً- بولد للميّت، وكذّبه الآخر أخذ الولد نصيب المقرّ خاصّة، فإن أقرّ المنكر بأخ- للولد الذي أقرّ به الأوّل- دفع إليه ما في يده، ولو أقرّ بالولد الثاني الأخ الأوّل الذي أقرّ بالولد الأوّل لم يكن عليه غرم؛ لوصول نصيب كلّ من الولدين إليه.
ولو أقرّ بزوج للميّتة، فإن كان لها ولد أعطاه ربع ما في يده، ولو لم يكن لها ولد أعطاه النصف.
وقد اختلفت التعابير عمّا يعطي للمقرّ له في المقام. فقد عبّر بعضهم- كما سبق-
بإعطاء ربع ما في يده لو كان لها ولد، ونصفه إن لم يكن لها ولد.
وعبّر بعض آخر بإعطاء ربع نصيبه إن كان لها ولد، ونصفه إن لم يكن لها ولد.
وعبّر ثالث بأن يدفع إليه ممّا في يده بنسبة نصيبه، وهي النصف إن كان المقرّ به غير الولد، والربع إن كان هو الولد.
وهؤلاء أطلقوا المقرّ، لكن في
الدروس : «لو أقرّ بزوج لذات الولد أعطاه ربع ما في يده إن كان المقرّ ولداً، وإن كان المقرّ بالزوج أحد
الأبوين ، وكان الولد ابناً لم يدفع إليه شيئاً، وإن كان بنتاً دفع الفاضل عن نصيبه، وهو نصف الثمن».
وقد اعترض على
إطلاق الحكم بإعطاء الزوج الربع أو النصف.
وذكر بعضهم في توضيحه أنّه وإن تمّ في إقرار الولد والأخ- مثلًا- لكنّه لا يتمّ فيما إذا كان المقرّ الأبوين أو أحدهما وكان معهما بنت، فإنّ نصيبهما على تقدير عدم الزوج الخمسان فرضاً وردّاً، ومع وجوده السدسان، والزائد على نصيبهما في الأوّل لا يبلغ الربع، بل قد لا يتحقّق فاضل أصلًا، كما إذا كان المقرّ الأبوين أو أحدهما وكان للزوجة ولد ذكر، فإنّه لا يزيد نصيبهما شيء.
واجيب عنه بحمل إطلاق كلامهم على صورة
اتّحاد الوارث ولداً أو أباً أو امّاً، فإنّه يعطي الربع أو النصف ممّا في يده الذي هو جميع التركة، أو يحمل على صورة توزيع حصّة الزوج المنكرة على الجميع بالسوية.
ولو أقرّ بزوج آخر ماتت عنه الزوجة لم يقبل في حقّ الزوج المقرّ به أوّلًا
بلا خلاف فيه ولا إشكال.
ولو أكذب مع ذلك إقراره الأوّل اغرم للثاني مثل ما حصل للأوّل؛ لقاعدة
الحيلولة بالإقرار،
وقد ادّعي نفي الخلاف
فيه أيضاً. وأمّا لو أقرّ بذلك ولم يكذّب إقراره الأوّل- كما لو قال: (زيد زوجها) ثمّ قال: (عمرو زوجها) - فقد نسب إلى الأكثر
- بل إلى المشهور،
بل إلى الظاهر من كلام الأصحاب
- أنّ الإقرار الثاني لغو ولا غرامة؛ نظراً إلى فهم العرف في مثله اللغو أو
الاشتباه ؛ لمعلوميّة عدم الزوجين للمرأة على وجه تموت عنهما.
وفي الدروس جعل فيه وجهين،
وتردّد فيه غيره
أيضاً. وذهب بعضهم إلى قبول الإقرار والغرامة للثاني وقوّاه؛ نظراً إلى
أصالة صحّة الإقرار. ومن الممكن كونه هو الزوج، وإقراره الأوّل وقع خطأً أو غلطاً، و
إلغاء الإقرار في حقّ المقرّ مع
إمكان صحّته ينافي عموم قوله عليه السلام
: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز».
وبناءً على القول بالغرامة للثاني فلو أوّل كلامه بتزويجه إيّاها في عدّة الأوّل ثمّ ماتت، فظنّ أنّه يرثها الزوجان، وكان ممّن يمكن في حقّه الاشتباه، فقد استقرب بعضهم قبول هذا التأويل منه، وأنّه لا يغرم،
واستوجهه آخر،
وجزم به بعضهم أيضاً،
وتنظّر فيه آخر.
ولو أقرّ بزوجة للميّت وله ولد أعطاها ثمن ما في يده؛ لأنّه حقّ الزوجة حينئذٍ، وإن لم يكن له ولد أعطاها الربع الذي هو حقّها مع عدم الولد.
والكلام في إطلاق الحكم هنا كالكلام في إطلاقه في الإقرار بالزوج.
قال: «لو أقرّ بزوجة لذي الولد دفع إليها ثمن ما في يده إن كان المقرّ ولداً، وإن كان أحد الأبوين أو هما دفع الفاضل».
وإن أقرّ باخرى غرم لها مثل نصف نصيب الاولى، أي نصف الثمن مع فرض التعدّد إذا لم تصدّقه الاولى، ومع التصديق يقسّمانه. ولو أقرّ بثالثة أعطاها ثلث النصيب، ولو أقرّ برابعة أعطاها الربع من نصيب الزوجية.
ويكفي في الغرامة مجرّد الإقرار بأنّ فلانة زوجة وإن لم يقل: (لا زوجة غيرها)، بل وإن قال: (وما أدري بأنّ له زوجة اخرى أو لا).
وما ذكر من
الغرامة إنّما هو مع إكذاب الباقيات إيّاه في الإقرار، وإلّا أخذ من المصدّقة بالنسبة.
وإن أقرّ بخامسة فكإقراره بزوجٍ ثانٍ للميّتة، فيغرم لها مثل نصيب واحدة من الأربع،
فإن قلنا: إنّه يغرم له بمجرّد الإقرار فهنا أولى؛ لإمكان الخامسة في المريض إذا تزوّج بعد الطلاق، وانقضاء العدّة، ودخل ومات في سنته. ويمكن
استرسال الإقرار من غير أن يقف على عدد.
منع العلّامة الحلّي في بعض كتبه من قبول إقراره بالخامسة، إلّاإذا أنكر إحدى من أقرّ بها أوّلًا وأثبتت بدلها الخامسة، ثمّ لا يلتفت إلى إنكاره أيضاً؛ لما مرّ من عدم نفوذ
الإنكار بعد الإقرار، فيغرم للجميع لا محالة، فيغرم للخامسة ربع الربع أو ربع الثمن؛ لإقراره.
واحتمل
المحقّق الأردبيلي قبول الإقرار بالخامسة- ولو مع عدم إنكار إحداهنّ- فيما إذا فسّره بما يمكن منه كما في نكاح المريض ودخوله وطلاقه، حيث ترث منه زوجته إلى سنة، فإن فسّره به قبل، وإلّا فلا.
وجزم
المحقّق النجفي بالقبول إن فسّره بذلك بناءً على
اقتضاء الإقرار الغرامة على المقرّ؛ إذ هو إقرار منه بالتزامه، حيث قال: «لو فسّره بما يقتضي كونه لغواً فالوجه قبوله أيضاً على تأمّل، حتى لو قال: (له خمس زوجات دفعة). ولو فسّر الخامسة بالمطلّقة في المرض قُبل أيضاً، وكان نصيب الزوجيّة منهنّ ولا غرامة عليه- وإن تناكرن فيما بينهنّ- كالإقرار بالأربع دفعة».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۷۴- ۸۳.