آداب البيع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي آداب البيع والتجارة من المستحب والواجب.
(وأمّا الآداب : فالمستحب التفقّه فيه) ولو
بالتقليد للعارف الفقيه فيما يتولاّه بنفسه من التكسّب، ليعرف صحيح العقد من فاسده، ويسلم من
الربا .
(والتسوية بين المبتاعين) بتقديم الباء المنقطة تحتها نقطة على التاء بالنقطتين الفوقانيّتين، جمع مبتاع، في
الإنصاف وحسن المعاملة، فلا يفرق بين المماكس وغيره، ولا بين الشريف والوضيع.نعم، لو فاوت بينهم بسبب فضيلة وديانة فلا بأس، كم ذكره جماعة.
قيل : ولكن يكره للآخذ قبول ذلك، ولقد كان السلف يوكّلون في
الشراء من لا يعرف، هرباً من ذلك.
(
والإقالة ) وفسخ المعاملة (لمن استقاله) وطلبه إذا كان مؤمناً، مشترياً كان أو بائعاً.
(والشهادتان) بالتوحيد والرسالة (والتكبير عند
الابتياع ) أي بعده، قائلاً بعدهما : «اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلاً، اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقاً» كما في الصحيحين،
وفيهما «ثم أعد كلّ واحدة ثلاث مرّات».
وظاهر الدعاء
اختصاص استحبابه للشراء للتجارة لا مطلقاً، ومع ذلك ظاهرهما
استحباب التكبير خاصة بهذه الكيفيّة لا مطلقاً،
فإلحاق الشهادتين به والحكم باستحبابهما من دونها كما في العبارة وغيرها لم أقف لهما من
الأثر على الأدلة، ولعلّهما للميمنة والبركة ولا بأس بهما؛ للمسامحة في أدلّة السنن والكراهة، مع انه ورد
الأمر بالشهادتين في خبرين، لكن مع دعاءين بعدهما مختلفي الكيفية، إحداهما فيمن دخل سوقاً أو مسجد جماعة،
كما في أحدهما، وثانيتهما فيما إذا جلس التاجر مجلسه، كما في الآخر.
(وأن يأخذ ناقصاً ويعطي راجحاً) نقصاناً ورجحاناً لا يؤدّي إلى الجهالة، بأن يزيد كثيراً بحيث يجهل مقداره تقريباً.ولو تنازعا في تحصيل الفضيلة قيل : قدّم من بيده الميزان والمكيال؛ لأنّه الفاعل المأمور بذلك زيادة على كونه معطياً وآخذاً.
ولا خلاف في شيء من ذلك، والنصوص بالجميع سوى ما تقدّمت إليه
الإشارة مستفيضة، منها «الفقه ثم المتجر، والله للربا في هذه الأُمّة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا».
ومنها : في المفاوت بين المماكس وغيره
بإعطاء الزائد وعدمه : «لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس، فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه وكايسه ويمنعه ممّن لم يفعل فلا يعجبني إلاّ أن يبيعه بيعاً واحداً».
ومنها : «أيّما عبد مسلم أقال مسلماً في بيع أقاله الله تعالى عثرته يوم القيامة».
وليس فيه كالعبارة تقييد الإقالة بصورة الندامة، خلافاً لجماعة، فقيّدوها بها؛ حملاً للإطلاق عليه، لأنّه الغالب في أفراده؛ والتفاتاً إلى ورود القيد في الخبر : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن لحكيم بن حزان في تجارته حتى ضمن له إقالة النادم، ref>
الحديث.
وفي الموثق المروي عن
الخصال : «أربعة ينظر الله تعالى إليهم يوم القيامة» وعدّ منهم «من أقال نادماً».
والتحقيق : أنّه ليس فيهما كعبارة هؤلاء الجماعة نفي الاستحباب عمّا عدا محلّ القيد، فالإطلاق أولى، مع ما فيه من قضاء الحاجة،
وإدخال المسرّة في قلب الأخ المؤمن، المندوب إليهم مطلقاً في الشريعة.ومنها : «لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان»
والأخبار بمعناه كثيرة،
إلاّ أنّ غاية ما يستفاد منها استحباب إعطاء الراجح.
ولم أقف على ما يدلّ على الحكم المقابل صريحاً، بل ولا ظاهراً، وإن كان في آية المطفّفين وبعض النصوص نوع اشعار به، ففي الخبر : «من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافياً لم يأخذ إلاّ رجحاً، ومن أعطى فنوى أن يعطي سواء لم يعط إلاّ ناقصاً
فتأمل جدّاً.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۶۵-۲۶۹.