أحكام اللعان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي أربعة، الاول: يتعلق بالقذف وجوب
الحد على الزوج، وبلعانه سقوطه وثبوت
الرجم على المرأة إن اعترفت أو نكلت ومع لعانها سقوطه عنها، وانتفاء الولد عن الرجل، وتحريمها عليه مؤبدا، ولو نكل عن اللعان، أو اعترف
بالكذب حد للقذف؛ الثاني: لو اعترف بالولد في أثناء اللعان لحق به وتوارثا وعليه الحد، ولو كان بعد
اللعان لحق به وورثه الولد ولم يرثه
الأب ومن لا يتغرب به، ويرثه
الأم، ومن يتغرب بها، وفي سقوط الحد هنا روايتان، أشهرهما: السقوط، ولو اعترفت المرأة بعد اللعان بالزنى لم يثبت الحد إلا أن تقر أربعا على تردد؛ الثالث: لو طلق فادعت الحمل منه فأنكر، فإذا أقامت بينة أنه أرخى عليها الستر لاعنها وبانت منه، وعليه
المهر كملا، وهي
رواية على بن جعفر عن أخيه، وفي النهاية وإن لم تقم بينه لزمه نصف المهر وضربت مائة سوط، وفي إيجاب
الجلد: إشكال؛ الرابع: إذا قذفها فماتت قبل اللعان فله
الميراث وعليه الحد للوارث، وفي رواية
إبي بصير إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له، وقيل: لا يسقط الإرث لاستقراره
بالموت، وهو حسن.
يتعلّق بالقذف وجوب
الحدّ على الزوج كالأجنبي وبلعانه سقوطه عنه وبه يفترق عن الأجنبي وثبوت
الرجم على المرأة مطلقاً، سواء لها إن اعترفت بالزناء أو نكلت لأنّ لعانه
حجّة شرعية ومع لعانها يترتب سقوطه أي الحدّ عنها وانتفاء الولد عن الرجل دونها إن كان اللعان لنفيه، لا مطلقا، وتحريمها عليه مؤبّداً مطلقاً.
والأصل في ذلك بعد
الكتاب في الجملة،
والإجماع المحكي في كلام جماعة
المعتبرة منها الصحيح: عن رجل يقذف امرأته؟ قال: «يلاعنها، ثمّ يفرّق بينهما، ولا تحلّ له أبداً»
وسيأتي إلى بعض آخر منها الإشارة.
ولو نكل الزوج عن اللعان أو اعترف
بالكذب حدّ للقذف إن كان اللعان له، لا مطلقاً، ولم ينتف عنه الولد مطلقاً، بلا خلاف؛ لإيجاب القذف الحدّ، والفراش لحوق
النسب، ولا ينتفيان إلاّ باللعان، وقد أبى عنه في المقام.
مضافاً إلى الخبرين، أحدهما الصحيح في الملاعن: «إن أكذب نفسه قبل
اللعان ردّت إليه امرأته، وضرب الحدّ»
ونحوه الثاني
.
لو اعترف بالولد في أثناء اللعان، لحق به وتوارثا لأصالة بقاء حكم
الفراش، مع عدم المسقط له.
ومنه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى صورة النكول عن إكمال اللعان.
وعليه أي على
الأب الحدّ إن كان اللعان لإسقاطه، وأمّا لو كان لنفي الولد مجرّداً عن القذف بتجويزه الشبهة، فلا حدّ بلا خلاف ولا إشكال، وعلى ذلك يحمل إطلاق الصحيحين
، في أحدهما: عن رجل لاعن امرأته، فحلف أربع شهاداتٍ بالله، ثمّ نكل الخامسة، قال: «إن نكل عن الخامسة فهي امرأته وجلد، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كان
اليمين عليها فعليها مثل ذلك».
ولو كان الاعتراف بعد اللعان منهما لا يعود الحلّ؛ للحكم بالتّحريم شرعاً، واعترافه لا يصلح لإزالته، وللمعتبرة، منها
الصحيح: عن الملاعنة التي يرميها زوجها، وينتفي من ولدها، ويلاعنها ويفارقها، ثمّ يقول بعد ذلك: الولد ولدي، ويكذّب نفسه، فقال: «أمّا المرأة فلا ترجع إليه أبداً، وأمّا الولد فأنا أردّه إليه ولا أدع ولده، وليس له
ميراث، ويرث الابن الأب، ولا يرث الأب الابن، ويكون ميراثه لأخواله، فإن لم يدّعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه، ولا يرثهم، وإن دعاه أحد ابن الزّانية جلد الحدّ»
.
ويستفاد منه ما ذكره المصنّف من أنّه بالاعتراف بعده لحق به الولد وورثه الولد، ولا يرثه الأب، ولا من يتقرّب به، وترثه
الأمّ، ومن يتقرّب بها وعلّل الحكم بإرث الولد أباه دون العكس؛ بأنّ اعترافه إقرار في حقّ نفسه بإرثه منه، ودعوى ولادته قد انتفت باللعان شرعاً، فيثبت إقراره على نفسه، ولا يثبت دعواه على غيره، ولذا لا يرث الابن أقرباء الأب، ولا يرثونه، إلاّ مع تصديقهم على نسبه في قولٍ؛ لأنّ الإقرار لا يتعدّى المقر، وتمام الكلام في ذلك يأتي في كتاب
الفرائض إن شاء الله تعالى.
وفي سقوط الحدّ هنا روايتان، أشهرهما وأظهرهما السقوط وهو الصحيحان، في أحدهما: في رجل لاعن امرأته وهي حبلى، ثم ادّعى ولدها بعد ما ولدت، وزعم أنّه منه، قال: «يردّ إليه الولد، ولا يجلد؛ لأنّه قد مضى التّلاعن»
ونحوه الثاني
.
والرواية الثانية
لمحمّد بن الفضيل، المشترك بين الضعيف والثقة: عن رجل لاعن امرأته، وانتفى من ولدها، ثمّ أكذب نفسه: «جلد الحدّ، وردّ عليه ابنه ولا ترجع عليه امرأته»
.
وإليها ذهب
المفيد والعمّاني والفاضل في
القواعد وولده في شرحه
؛ لوجوه اعتباريّة مدفوعة هي كالرواية؛ مع قصور سندها بما قدّمناه من الصحيحين الصريحين المعلّلين المعتضدين بالشهرة المحكيّة في العبارة،
والاستصحاب، وإطلاق الأدلّة الدالّة على درء الحدّ عنه بالملاعنة.
مضافاً إلى مفهوم الصحيحين الآخرين، في أحدهما: «فإذا أقرّ على نفسه قبل الملاعنة جلد حدّا، وهي امرأته»
.
وفي الثاني: «إن نكل في الخامسة فهي امرأته وجلد الحد»
ونحوهما غيرهما
.
وفيهما زيادةً على المفهوم، الدّلالة من وجه آخر، وهو التعرّض للأحكام المترتّبة على التكذيب من دون تعرّض لذكر الحدّ أصلاً، مع كون المقام فيهما مقام الحاجة جدّاً.
ونحوهما في الدّلالة من هذا الوجه غيرهما، ومنه
الرواية لراوي الثانية، فلا شبهة في المسألة أصلاً، وعلى تقديرها تدرأ الحدّ بها اتّفاقاً نصّاً
وفتوى.
نعم في الانتصار الإجماع على ثبوت الحدّ
، الاّ أنّه لا يكافئ ما قدّمناه من الأدلّة؛ مع أنّ غايته حصول الشّبهة، وتقدّم إلى حالها الإشارة.
ولو اعترفت تقلّل المرأة بالزناء بعد اللعان، لم يثبت الحدّ بمجرّده إجماعاً إلاّ أن تقرّ أربعاً فيجب عند الأكثر على تردّد من
الماتن هنا وفي
الشرائع والفاضل في القواعد
، ينشأ: من عموم ما دلّ على ثبوت الحدّ بذلك.
ومن الأُصول المتقدّمة مع
النصوص؛ لمكان التعليل فيها بمضي اللعان، الظّاهر في العموم لغير موردهما، مع خلوّها عن التّعارض هنا، وبها يخرج عن العموم الأوّل لو كان، مع عدم انصرافه إلى نحو المقام من تعقّب
الإقرار للّعان.
وهذه الشبهة وإن كانت ممكنة السريان في العمومات الدالّة على سقوط الحدّ باللعان؛ من حيث إنّ المتبادر منها عدم التعقب له بالاستمرار، وكونها مستمرّة على الإنكار، إلاّ أنّ موجَب ذلك فقد العمومين المستلزم هو مع الأصل عدم الحدّ في البين.
وعلى تقدير ثبوت العموم من الطرفين بنحو يشمل المقام، فاللازم فيه الرجوع إلى
الأصل؛ لفقد المرجّح لأحدهما عدا
الشهرة في الأوّل، وهي معارضة بمفهوم التعليل في النصوص في الثاني، الذي هو بنفسه
حجّة مستقلة دون الشهرة؛ إذ غايتها كونها مرجّحة، فهذا القول في غاية القوّة، ولو لم يكن كذلك فلا أقلّ من الشبهة، وهي كما عرفت للحدّ دارئة؛ ولذا اختار هذا القول
فخر المحقّقين.
لو طلق الرجل امرأته فادّعت الحمل منه وأنكر فإن كان بعد اتفاقهما على الدخول، لحق به الولد، ولم ينتف إلاّ باللعان إجماعاً، وإن كان بعد الاتفاق على العدم انتفي بغير لعان.
وإن كان بعد الاختلاف فيه، فادّعته الزوجة وأنكره الزوج فإن أقامت بيّنة على أنّه أرخى عليها الستر، لاعنها وبانت منه، وعليه
المهر كملاً وفاقاً للنهاية
، عملاً بالرواية الصحيحة وهي رواية
علي بن جعفر، عن أخيه
موسى (علیهالسّلام) ، والتفاتاً إلى ظاهر الحال الناشئ من خلوة الشابّ بها، مع ظهور حملها، وأصالة الصحة في فعلها؛ لإسلامها.
خلافاً لأكثر من تأخّر، وفاقاً
للحلّي، فصاروا إلى مقتضى الأُصول، وهو توجه
اليمين إلى الزوج، وانتفاء الولد عنه بها، ولزوم نصف المهر لها.
والرواية وإن صحّ سندها؛ إلاّ أنّها مخالفة للأُصول الثابتة بالأخبار الصحيحة في كلّ من مسألتي اشتراط اللعان بالدخول الذي هو حقيقة في
الوطء خاصة، دون
الخلوة، وعدمِ لزوم تمام المهر بها، كما في بحثه قد مضى. فحملها لذلك على
التقية متوجه جدّاً، سيّما بملاحظة كونها عن مولانا الكاظم (علیهالسّلام)؛ لاشتدادها في زمانه، فمع جميع ذلك، كيف ينفع صحة الرواية؟!. ومن هنا يفضي العجب من شيخنا في
المسالك والعلاّمة في
المختلف، حيث إنّهما بعد تزييفهما القول بمضمون الرواية، استشكلا ردّها بصحة سندها، وليت شعري، أفلا يرون إلى أنّ الأخبار الدالة على خلاف مضمونها صحيحة أيضاً، ومع ذلك عديدة، بل مستفيضة، معتضدة بسائر ما قدّمناه من الأدلّة.
وأمّا الوجه الاعتباري بعد تسليمه فغير صالح لتخصيص الأصل، كما هو الشأن في مواضع عديدة، مع أنّه
اجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة وغيرها من الأدلّة، فهذا القول قوي غاية القوّة.
وقال في
النهاية بعد ذلك وإن لم تقم بيّنة، لزمه نصف المهر، وضربت مائة سوط ولإشكال في الأوّل؛ لما مضى، مضافاً إلى مفهوم الرواية.
ولكن في إيجاب
الحدّ الذي ذكره إشكال للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة؛ لعدم دلالة الرواية عليه؛ وفساد ما علّل به من اعترافها بالوطء والحبل، وعدم ثبوت السبب المحلّل الذي ادّعته؛ لعدم استلزام ذلك كونه عن
زناء، ولا يلزم من انتفاء السبب الخاص انتفاء غيره من الأسباب.
مع أنّ انتفاء الخاص غير معلوم أيضاً، فإنّ عدم البيّنة غير ملازم له، بل مجامع لحصوله في
نفس الأمر.
وعلى تقدير تسليم جميع ذلك لا وجه لإطلاق ثبوت الحدّ بمجرّد الاعتراف، بل لا بدّ من اشتراط الإقرار أربعاً.
إذا قذفها فماتت قبل صدور اللعان منهما فله
الميراث لبقاء الزوجية الموجبة له وعليه الحدّ للوارث بسبب القذف الغير المصادف للمسقط، وإليه ذهب الأكثر
، وفاقاً للحلّي
، وهو أظهر.
وفي جواز اللعان حينئذ لإسقاط الحدّ قولان؛ للمنع كما عليه شارح الكتاب كالسيّد تبعاً
للفاضل المقداد أنّه وظيفة شرعية موقوفة على النقل، ولم ينقل صحته عن الزوج بعد
موت الزوجة.
وللجواز كما عليه الأكثر كالماتن في الشرائع والفاضل وولده في القواعد وشرحه
والشهيدين في
اللمعتين أنّه إمّا أيمان أو شهادات، وكلاهما لا يتوقف على حياة المشهود عليه والمحلوف لأجله، ولعموم
الآية، وقد تقدّم أنّ لعانه يسقط عنه الحدّ ويوجبه عليها، ولعانهما يوجب أحكاماً أربعة، فإذا انتفى الثاني بموتها بقي الأوّل خاصة فيسقط، ولعلّه أظهر.
كلّ ذا إذا ماتت قبل لعانه.
وأمّا لو ماتت بعده، فينبغي القطع بسقوط الحدّ عنه به، للأصل.
وفي رواية
أبي بصير، عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام): «إن قام رجل من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له، وإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها، أخذ الميراث»
.
ونحوها رواية أخرى
. وعمل بهما
القاضي وابن حمزة تبعاً للشيخ في النهاية
.
وضعفهما لإرسال الاولى وتزيّد رواة الثانية
يمنع عن العمل بهما.
مضافاً إلى مخالفتهما الأصل؛ من حيث إنّ اللعان شرّع بين الزوجين، فلا يتعدّى إلى غيرهما، وإنّ لعان الوارث متعذّر؛ لأنّه إن أُريد مجرّد حضوره فليس بلعان حقيقي، وإن أُريد إيقاع الصيغ المعهودة من الزوجة فبعيد؛ لتعذّر القطع من الوارث على نفي فعل غيره غالباً، وإيقاعه على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعاً؛ ولأنّ الإرث قد استقرّ بالموت، فلا وجه لإسقاط اللعان المتجدد له.
ولذا قيل: لا يسقط الإرث بهذا اللعان وإن جوّزناه لإسقاط الحدّ، لاستقراره بالموت فلا يرفعه اللعان المتجدّد.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۵۰۲-۵۱۱.