أحكام المصدود
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأما المصدود، فهو الذي يصده العدو عن الدخول إلى مكة، أو الوقوف بالموقفين، فإذا كان ذلك، ذبح هديه في المكان الذي صد فيه، سواء كان في الحرم، أو خارجه، وإذا قد تمهد هذا (فإذا تلبّس بالإحرام) لحج أو عمرة وجب عليه
الإكمال إجماعاً، فتوًى ودليلاً، كتاباً وسنّة.
(فـ) إن (صدّ نحر هديه) في مكانه (وأحلّ من كل شيء) أحرم منه حتى النساء، على الأشهر الأظهر، بل لا يكاد يظهر خلاف في شيء من ذلك إلاّ من الحلّي فلم يوجب
الهدي ،
وهو محجوج بما يأتي. ومن الحلبي فأوجب
إنفاذ الهدي كالمحصور، ويبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محلّه.
وقريب منه
الإسكافي فيما حكي عنه، ففصّل في البدنة بين
إمكان إرسالها فيجب، وعدمه فينحرها مكانه.
وتردّهما المعتبرة المستفيضة، ففي الموثق : «المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء، والمحصور يبعث بهديه».
وفي الصحيح : «إنّ
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيث صدّه المشركون
يوم الحديبية نحر بدنته ورجع إلى المدينة».
ونحوه الخبر إلاّ أن فيه : «قصّر وأحلّ ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه
الحلق حتى يقضي المناسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير».
وفي المرسل : «المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه، ثم يحلّ، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان
حجة الإسلام ، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وحلّ ما كان أحرم منه، فإن شاء حج من قابل وإن شاء لا يجب عليه الحج؛ والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه ويقصّر من شعر رأسه ويحلّ، وليس عليه
اجتناب النساء سواء كان حجته فريضة أو سنّة».
وهل
الأمر بذبح الهدي مكان الصدّ للوجوب، كما هو الأصل فيه، أم للرخصة؛ لقوة
احتمال وروده مورد توهّم وجوب البعث كالحصر؟ وجهان، بل قولان. وظاهر الخبر الأخير كالخبر المتقدم عليه توقف الإحلال على التقصير، كما في القواعد وعن المراسم،
وفي الغنية وعن الكافي،
إلاّ أن فيهما الحلق
بدل التقصير، واختاره الشهيدان،
لكن مخيّرين بينهما. ولا وجه له، ولا لما سبقه من
اعتبار الحلق؛ لعدم دليل عليه، عدا رواية عامية بحلقه صلي الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية،
والرواية المتقدمة بتقصيره صلي الله عليه وآله وسلم تردّه، لكن في سندها كالمرسلة ضعف. ولا دليل على
التقصير بعدهما عدا ما قيل من ثبوته أصالةً، ولم يظهر أن الصدّ أسقطه، فالإحرام يستصحب إليه.
وفيه نظر؛ لمنع ثبوته أصالةً هنا، وإنما هو في محلّ قد فات بالصدّ جزماً؛ و
الاستصحاب إنما يتوجه في مقام الشك، ولا شك هنا بعد إطلاق الأدلة من الكتاب والسنّة بجواز الإحلال بالصدّ من غير
اشتراط بالتقصير.
نعم، هو أحوط وإن كان عدم الوجوب لعلّه أظهر، وفاقاً لظاهر المتن والأكثر.
ثم إن ظاهر إطلاق النصوص والفتوى جواز الإحلال بالصدّ مطلقاً ولو مع رجاء زوال المانع، بل قيل : وهو ظاهر الأصحاب، حيث صرّحوا بجوازه مع ظنّ
انكشاف العدوّ قبل الفوات.
فإن تمّ إجماعاً، وإلاّ كما هو الظاهر فالأظهر اختصاصه بصورة عدم الرجاء قطعاً أو ظنا، اقتصاراً أو ظنا، اقتصاراً فيما خالف
الأصل على المتيقن من إطلاق النص والفتوى، وليس بحكم التبادر وغيره إلاّ ما ذكرنا، دون صورة الرجاء قطعاً.
ثم إن الأمر بالإحلال في النص والفتوى وإن أفاد الوجوب أصلاً، إلاّ أن الظاهر أن المراد به هنا
الإباحة والترخيص دون الوجوب، فيجوز له في
إحرام الحج و
العمرة المتمتع بها البقاء على إحرامه إلى أن يتحقق الفوات، فيحلّل بالعمرة كما هو شأن من فاته الحج، وعزي أيضاً إلى الأصحاب،
بل زاد بعضهم فقال : إنه أفضل من
الإحلال .
ويجب عليه إكمال أفعال العمرة إن تمكّن، وإلاّ تحلّل بهدي. ولو كان إحرامه بعمرة مفردة لم يتحقّق الفوات، بل يتحلّل منها عند تعذّر الإكمال ، ولو أخّر التحلّل كان جائزاً، فإن آيس من زوال العذر تحلّل بالهدي حينئذ.
رياض المسائل، ج۷، ص۲۲۶- ۲۲۹.