أحكام حد القذف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في بيان أحكام
القذف: فلو قذف شخصٌ جماعة واحداً بعد واحد، فلكلّ واحد حدّ، ولو قذفهم بلفظ واحد ك: يا زناة فعليه للجميع حدّ واحد إن طالبوا مجتمعين، وإن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ؛ وحدّ القذف يُورَث لو مات المقذوف قبل استيفائه والعفو عنه كما يُوَرث المال، ولكن لا يرث الزوج ولا الزوجة بل ولا غيرهما من ذوي الأسباب، عدا
الإمام، فيرثه، ولكن ليس له العفو؛ ولو قال: ابنك زان أو: لائط أو: بنتك زانية، فالحدّ لهما مع بلوغهما وعقلهما، لا للمواجه؛ وقال في
النهاية إنّ للأب المواجه المطالبة للحدّ والعفو عنه؛ ولو ورث
الحدّ جماعة، فعفا عنه أحدهم، كان لمن بقي ولو واحداً الاستيفاء له على التمام؛ ويقتل القاذف في المرّة الرابعة إذا حدّ ثلاثاً؛ والحدّ ثمانون جلدة، حرّا كان القاذف أو عبداً؛ ويجلد القاذف بثيابه المعتادة ولا يجرّد عنها كما يجرّد الزاني ويضرب ضرباً متوسّطاً؛ ولا يعزّر الكفّار مع التنابز.
فلو قذف شخصٌ جماعة واحداً بعد واحد، فلكلّ واحد حدّ، ولو قذفهم بلفظ واحد ك: يا زناة فعليه للجميع حدّ واحد إن طالبوا مجتمعين، وإن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحد حدّ على الأظهر الأشهر، وفي
الغنية والسرائر الإجماع عليه
؛ وهو
الحجّة.
مضافاً إلى الصحيح: في رجل افترى على قوم جماعة، فقال: «إن أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحداً، وإن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ واحد حدّا»
ونحوه أخبار أُخر
، قصور أسانيدها أو ضعفها بالشهرة العظيمة منجبر.
وإنّما حملت على ما لو كان
القذف بلفظ واحد مع كونه أعمّ، جمعاً بينه وبين الحسن: في رجل قذف قوماً جميعاً، قال: «بكلمة واحدة؟» قلت: نعم، قال: «يضرب حدّا واحداً، وإن فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحد منهم حداً»
بحمل الأولة على ما لو كان القذف بلفظ واحد، والأخير على ما لو جاءُوا به مجتمعين.
وعكس
الإسكافي، فجعل القذف بلفظ واحد موجباً لاتّحاد الحدّ مطلقاً، وبلفظ متعدّد موجباً للاتّحاد إن جاءُوا مجتمعين، وللتعدّد إن جاءُوا متفرّقين
.
ونفى عنه البأس في
المختلف؛ محتجّاً بدلالة الخبر الأول عليه، وهو أوضح طريقاً
.
وفيه نظر؛ لأنّ تفصيل الأول شامل للقذف المتّحد والمتعدّد، فالعمل به يوجب التفصيل فيهما. والظاهر أنّ قوله فيه: جماعة، صفة للقوم؛ لأنّه أقرب وأنسب بالجماعة، لا للقذف، وإنّما يتّجه قوله لو جعل صفة للقذف المدلول عليه بالفعل، وأُريد بالجماعة القذف المتعدّد. وهو بعيد جدّاً، بل الظاهر ما ذكرناه، أو ما قيل
من أنّ المراد بقوله: جماعة، اجتماعهم في الفرية، بمعنى: قذفهم بكلمة واحدة، وعليه فلا يكون القذف في الخبر أعمّ من المتّحد والمتعدّد، بل ظاهر في الأول، ويكون التعارض بينه وبين الخبر الأخير تعارض المطلق والمقيّد من وجه واحد؛ ولا كذلك على تقدير الأعمّية، فإنّ كلاًّ منهما مطلق من وجه ومقيّد من آخر؛ وعلى التقديرين يجب حمل
المطلق على
المقيّد من طرف واحد، أو من الطرفين.
وهنا قولان آخران
للصدوق، أحدهما في
الفقيه والمقنع، وثانيهما في الهداية
. وهما شاذّان غير واضحي المستند، أو ضعيفة.
وحدّ القذف يُورَث لو مات المقذوف قبل استيفائه والعفو عنه كما يُوَرث المال، ولكن لا يرث الزوج ولا الزوجة بل ولا غيرهما من ذوي الأسباب، عدا
الإمام، فيرثه، ولكن ليس له العفو، كما في الغنية، مدّعياً عليه وعلى أصل الحكم إجماع
الإماميّة، كما عن
الخلاف وفي غيره
أيضاً لكن على الثاني خاصّة؛ وهو الحجّة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة فيه:
منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح المتقدّم فيمن قذف زوجته وهي
ميتة ولها قرابة يقومون بحقّ الحدّ، قال: «جلد لهم».
وأمّا الخبر: «الحدّ لا يورث»
فمع قصور سنده بالسكوني وصاحبه، محمول على ما ذكره
الشيخ وغيره
من أنّ المراد أنّه لا يورث في أنّ كلّ واحد منهم يأخذ نصيبه وإن كان لكلّ واحد من الورثة المطالبة به على الكمال، كما في صريح
الموثّق: «إنّ الحدّ لا يورث كما يورث التركة والمال والعقار، ولكن من قام به من الورثة يطلبه فهو وليّه، ومن تركه فلم يطلبه فلا حقّ له، وذلك مثل رجل قذف رجلاً وللمقذوف أخَوان، فإن عفا أحدهما كان للآخر أن يطالبه بحقّه؛ لأنّها أُمّهما جميعاً، والعفو إليهما جميعاً»
.
ويحتمل الحمل على
التقيّة؛ لما ذكره بعض الأجلّة من أنّه قول للعامّة، قال: ولهم قول آخر بأنّه يرثه العصبات
. ويعضده كون
الراوي هو
السكوني الذي هو من قضاتهم.
ولو قال: ابنك زان أو: لائط أو: بنتك زانية، فالحدّ لهما مع بلوغهما وعقلهما، لا للمواجه؛ لما مرّ من أنّه لم ينسب إليه فعلاً قبيحاً، ولازم ذلك أنّ حقّ المطالبة والعفو فيه للمقذوف خاصّة كما في غيره من الحقوق، وإلى هذا ذهب
الحلّي وعامّة المتأخّرين.
وقال الشيخ في النهاية
والمفيد والقاضي: إنّ له أي للأب المواجه المطالبة للحدّ والعفو عنه
؛ والحجّة عليه غير واضحة، عدا ما في المختلف من أنّ العار لاحق به، فله المطالبة بالحدّ والعفو
. والكبرى ممنوعة.
هذا، إن لم يسبقه الولدان إلى أحد الأمرين، ولو سبقاه إليه لم يكن له ذلك بلا خلاف فيه، ولا في أنّ
للأب الاستيفاء إذا قُذِفا وولايته ثابتة عليهما؛ قيل: لأنّهما غير صالحين للاستيفاء أو العفو، والتأخير معرّض للسقوط. وكذا لو ورث الولد الصغير ومن في معناه حدّا كان للأب الاستيفاء أيضاً. وفي جواز العفو له في الصورتين إشكال
.
ولو ورث الحدّ جماعة، فعفا عنه أحدهم، كان لمن بقي ولو واحداً الاستيفاء له على التمام بلا خلاف أجده، بل عليه
الإجماع في الغنية
، وبه صرّحت الموثّقة المتقدّمة.
ويقتل القاذف في المرّة الرابعة إذا حدّ ثلاثاً على الأشهر الأقوى، وفي الغنية عليه إجماعنا
.
وقيل كما عن الحلّي
: إنّه يقتل في الثالثة للصحيح العامّ في كلّ كبيرة
؛ وفيه ما عرفته غير مرّة.
والحدّ ثمانون جلدة بنصّ
الكتاب، والإجماع،
والسنّة المستفيضة
حرّا كان القاذف أو عبداً على الأشهر الأقوى، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، وفي صريح الغنية وظاهر
النكت والروضة وعن الخلاف وغيره أنّ عليه إجماع الإماميّة
؛ لعموم الأدلّة، وصريح المعتبرة المستفيضة:
منها
الصحيح: «إذا قذف العبد الحرّ جُلِد ثمانين، هذا من
حقوق الناس»
.
ونحوه الموثّق
والحسن
بزيادة في آخرهما، وهي قوله: «فأمّا ما كان من
حقوق الله تعالى فإنّه يضرب نصف الحدّ» قلت: الذي يضرب نصف الحدّ فيه ما هو؟ قال: «إذا زنى أو شرب خمراً فهذا من حقوق الله تعالى التي يضرب فيها نصف الحدّ».
خلافاً للصدوق
والمبسوط، فعلى المملوك أربعون
؛ لقوله تعالى «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ»
وللخبر: عن العبد يفتري على الحرّ كم يجلد؟ قال: «أربعين» وقال: «إذا أتى بفاحشة فعليه نصف»
.
ولفحوى ما دلّ على تنصيف حدّه في
الزناء؛ بناءً على أشدّيته من القذف جدّاً.
ويضعّف الجميع بأنّ المراد من الفاحشة هو الزناء خاصّة كما نقله عن المفسّرين جماعة
، ويظهر من اقترانهنّ بالمحصنات.
والرواية مع ضعف سندها وشذوذها كما صرّح به جماعة
لا تعارض المعتبرة المستفيضة المتقدّمة، المعتضدة بعموم
الآية، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة، فيجب طرحها، أو حملها على التقية؛ لموافقتها لمذهب أكثر
العامّة كالشافعي وأبي حنيفة كما صرّح به بعض الأجلّة
.
والأولويّة ممنوعة؛ لوجود الفارق بين الزناء والقذف، بكونه حقّ الناس،
وحدّ الزناء حقّ الله سبحانه، كما نطقت به الأخبار السابقة، وهو أسهل منه، كما يستفاد منها ومن غيرها من المعتبرة
. ولو سلّمت فلا تعارض صريح الأدلّة، فينبغي الخروج عنها بها بلا شبهة.
وفي الصحيح: العبد يفتري على الحرّ، فقال: «يجلد حدّا إلاّ سوطاً أو سوطين»
.
وفي الموثّق: «عليه خمسون جلدة»
.
وحملهما الشيخ على الافتراء بما ليس قذفاً.
وفي الصحيح: قال في رجل دعي لغير أبيه: «أقم بيّنتك أُمكّنك منه» فلمّا أتى بالبيّنة قال: إنّ امّه كانت أمة، قال: «ليس عليك حدّ، سبّه كما سبّك، أو اعف عنه»
.
ويمكن أن يكون السؤال عن رجل ادّعى على آخر أنّه دعاه لغير أبيه، فطلب (علیهالسّلام) منه
البيّنة، فلمّا أتى بها شهدت بأنّه قال له: إنّ امّه كانت أمة لا أنّه دعاه لغير أبيه، فقال (علیهالسّلام): «سبّه كما سبّك أو اعف عنه» ويمكن أن يكون الأمر كذلك في مثل هذا الكلام إذا وجّه به أحد.
ويجلد القاذف بثيابه المعتادة ولا يجرّد عنها كما يجرّد الزاني ولا يضرب ضرباً شديداً، بل يضرب ضرباً متوسّطاً اتّفاقاً على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر
؛ وهو الحجّة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة:
منها الموثّق: «المفتري يضرب بين الضربين، يضرب جسده كلّه فوق ثيابه»
.
ولا يعزّر الكفّار مع التنابز بالألقاب، أي تداعيهم بها إذا اشتملت على ذمّ؛ وكذا تعييرهم بالأمراض، إلاّ أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما يرى. كذا قالوه، ولعلّه لا خلاف فيه، ولكن نسبه
الماتن في
الشرائع إلى القيل
، المشعر بالتمريض.
وكأنّ وجهه: أنّ ذلك فعل محرّم يستحقّ فاعله
التعزير، والأصل عدم سقوطه بمقابلة الآخر بمثله، بل يجب على كلّ منهما ما اقتضاه فعله، فسقوطه يحتاج إلى دليل.
وله وجه لولا الشهرة القريبة من الإجماع، المؤيّدة بفحوى جواز الإعراض عنهم في
الحدود والأحكام فهنا أولى، وما دلّ على سقوط الحدّ بالتقاذف، كالصحيحين: في أحدهما: عن رجلين افترى كلّ واحد منهما على صاحبه، فقال: «يدرأ عنهما الحدّ ويعزّران»
فالتعزير أولى.
وفي التأييد الثاني نظر، بل ربما كان في تأييد الخلاف أظهر، فتدبّر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۶-۵۴.