إسلام الشاهد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الإسلام، فلا تقبل شهادة
الكافر بأقسامه مطلقاً إلاّ فيما سيستثنى؛ والمعروف من مذهب الأصحاب اشتراط
الإيمان أيضاً، أي كونه اثني عشرياً؛ فلا تقبل شهادة غير
المؤمن؛ وتقبل شهادة
الذمي في
الوصية خاصة مع عدم المسلم؛ وفي اعتبار الغربة تردد؛ وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل، ولا تقبل
شهادة أحدهم على المسلم ولا غيره؛ وهل تقبل على أهل ملته؟ فيه
رواية بالجواز ضعيفة، والأشبه: المنع.
الإسلام، فلا تقبل شهادة الكافر بأقسامه مطلقاً إلاّ فيما سيستثنى؛
بالإجماع،
والكتاب،
والسنّة المستفيضة بل
المتواترة، تقدم بعضها وستأتي جملة أُخرى منها وافرة.
والمعروف من مذهب الأصحاب اشتراط
الإيمان أيضاً، أي كونه اثني عشرياً، بل في التنقيح والمهذب وشرح الشرائع للصيمري والمسالك
وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي؛ الإجماع عليه؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى
الأصل، وعدم دليل على قبول شهادة غير المؤمن؛ لاختصاص إطلاقات الكتاب والسنّة لقبول شهادة المسلم بحكم
التبادر وغيره بالمؤمن دون غيره، سيّما نحو «رِجالِكُمْ» و «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» بناءً على مذهب
الإمامية من اختصاص الخطابات الشفاهية بالمخاطبين بها دون غيرهم، وليس المخالف بموجود زمن الخطاب جدّاً، هذا.
وعلى تقدير العموم فلا ريب أنّ التقييد بمن ترضون يدفع احتمال دخول المخالف بناء على ما عرفت في الرواية السابقة المفسّرة له بمن ترضون دينه وأمانته، ولا ريب أنّه ليس بمرضيّ الدين.
هذا كله على تقدير القول بإسلامه حقيقةً، وأمّا على القول بكفره كما هو مختار كثير من قدماء الأصحاب، ومنهم
الحلّي مدّعياً الإجماع عليه فلا إشكال في عدم قبول شهادته؛ لكفره، فلا يدخل في إطلاق ما دلّ على قبول شهادة المسلم.
ثم على تقدير الدخول فيه فهو معارض بإطلاق ما دلّ على عدم قبول شهادة الكافر بناءً على إطلاق
الكفر عليهم في الأخبار المستفيضة
بل المتواترة المقتضي كونه إمّا كافراً حقيقةً كما هو رأي بعض الأُصوليين
، أو مشاركاً له في أحكامه التي منها عدم قبول
الشهادة.
وعلى تقدير تعارض الإطلاقين والتساقط في البين فالرجوع إلى حكم الأصل متعين.
وأمّا الصحيح: قلت
للرضا (علیهالسّلام): رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيين، قال: «كلّ من ولد على
الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»
.
فهو وإن توهّم منه قبول شهادة من هو عدل في مذهبه من أهل الإسلام، إلاّ أنّه مضعّف بأنّ ظاهره على التوهم المزبور قبول شهادة الناصبي، وهو خلاف الإجماع المنعقد على كفره بالكفر المقابل للإسلام، ومع ذلك فاشتراط الصلاح فيه يدفع احتمال دخول المعاند؛ لفساده بفسقه الناشئ عن حكمه بالباطل وغير ما أنزل الله تعالى، فيشمله قوله سبحانه «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»
إلى غير ذلك من
الآيات المحكوم فيها بكفره وظلمه أيضاً
.
وبفسقه صرّح جماعة
من الأصحاب هنا حيث استدلوا لاعتبار الإيمان بأنّ غير المؤمن فاسق وظالم؛ لاعتقاده الفاسد الذي هو من أكبر الكبائر.
وأمّا الجواب عن هذا الاستدلال بأنّ
الفسق إنّما يتحقق بفعل
المعصية مع اعتقاد كونه معصية، لا مع اعتقاد كونه طاعة، والظلم إنّما يتحقق بمعاندة الحق مع العلم به.
فحسن إن اختير الرجوع في بيان معنى الفسق
والظلم إلى العرف حيث إنّ المتبادر منهما مدخلية الاعتقاد في مفهومهما.
وأمّا إن اختير الرجوع إلى اللغة فمنظور فيه؛ لعدم مدخلية
الاعتقاد في مفهومهما فيها، فتأمّل جدّاً. هذا.
ويستفاد من بعض الروايات
كما قيل
ردّ شهادة بعض المخالفين في
أصول العقائد، وفي القوي: «إنّ
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) كان لا يقبل شهادة فحاش، ولا ذي مخزية في
الدين»
.
وبالجملة لا ريب في اعتبار هذا الشرط أيضاً.
فلا تقبل شهادة غير الإمامي مطلقاً على مسلم أو غيره أو لهما قطعاً، إلاّ في صورة خاصّة أشار إليها بقوله: وتقبل شهادة الذمّي العدل في دينه في
الوصية بالمال خاصّة مع عدم المسلم بإجماعنا الظاهر، المستفيض النقل في كثير من العبائر
.
ولكن في اعتبار الغربة حينئذ تردّد واختلاف بين الأصحاب، فبين: معتبر لها،
كالإسكافي والحلبي صريحاً، والشيخ في
المبسوط وابن زهرة في
الغنية ظاهراً، وربما يفهم منهما كونه إجماعيا بيننا.
ونافٍ لاعتبارها، كعامّة متأخّري أصحابنا، وفاقاً منهم لظواهر أكثر القدماء،
كالشيخين في
المقنعة والنهاية،
والعماني،
والديلمي،
والقاضي، [[|والحلّي]]
. وربما ظهر من
الفاضلين في الشرائع والتحرير انعقاد الإجماع عليه، حيث قالا: وباشتراط الغربة رواية مطرحة
.
وأشارا بالرواية إلى الخبر القاصر
السند بالجهالة، وفيها: «وإنّما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة وطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين أشهد على وصيته رجلين ذمّيين من
أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم»
.
وقريب منها
الآية وأكثر
النصوص الواردة في المسألة؛ لتضمّنها اشتراط الغربة، ومنها يظهر أحد وجهي التردّد.
والوجه الآخر قوة احتمال ورود الحصر والشرط مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومهما، مع
إطلاق كثير من النصوص، بل وعموم جملة معتبرة منها؛ لتضمّنها التعليل بأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد
. ومفهوم التعليل يتعدى به الحكم إلى غير مورده ويعارض به مفهوم الحصر والشرط ولو سلّم عدم ورودهما مورد الغالب.
وحيث إنّ التعارض بينهما من باب التعارض الذي يمكن معه
رفع اليد عن ظاهر أحدهما بالآخر وجب المصير إلى الترجيح، وهو من جهة الشهرة العظيمة مع عموم مفهوم التعليل. والإجماع المستشعر من عبارتي المبسوط والغنية مع وهنه بكون ظاهر أكثر الأصحاب على خلافه معارض بمثله المستشعر من عبارتي الفاضلين، مع عدم وهنه بمصير الأكثر إلى مضمونه. وقد تقدم الكلام في المسألة مع بعض ما يتعلق بها في أواخر كتاب الوصية.
وتقبل شهادة
المؤمن على جميع أهل الملل اتّفاقاً على الظاهر المصرّح به في
المسالك؛ للنبوي المروي فيه وفي
الخلاف «لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دين إلاّ المسلمون، فإنّهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم».
وفي
الصحيح: «تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، ولا تجوز شهادة
أهل الذمّة على المسلمين»
.
وفي آخر: «تجوز
شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب»
.
ويستفاد من الأولين مضافاً إلى ما تقدم من الأدلة على اشتراط الإيمان أنّه لا تقبل شهادة أحدهم أي أحد أهل الملل على مسلم ولا على غيره مع أنّه إجماعي في الحربي مطلقاً كما في
الإيضاح، وفي الذمّي أيضاً إذا كان على مسلم في غير الوصية كما فيه وفي
التحرير والمهذب والمسالك
.
وأما إذا كان على غيره فإن كان من أهل ملّته فسيأتي الكلام فيه. وإن كان من غير ملّته فمشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف، ولا ينقل إلاّ عن
الإسكافي؛ حيث ذهب إلى قبول شهادة أهل العدالة منهم في دينه على ملّته وعلى غير ملّته.
وهو مع شذوذه محجوج هو كمستنده الآتي بما مرّ من الأدلة على اشتراط الإيمان، وخصوص النبوية المتقدمة، والموثقة الآتية، ورواية اخرى معتبرة بل محتملة للصحة: عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل من غير أهل ملّتهم؟ فقال: «لا، إلاّ أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية لأنّه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم ولا تبطل وصيته»
.
وهل تقبل شهادته على أهل ملّته؟ فيه رواية بالجواز وفيها: عن شهادة أهل الملّة، قال: فقال: «لا تجوز إلاّ على أهل ملّتهم، فإن لم تجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية، لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد»
وأفتى بها
الشيخ في النهاية
. واعترضها
الماتن وغيره
بأنّها ضعيفة وليس كذلك، بل هي على الأظهر الأشهر موثقة، لكنها غير مكافئة لعمومات الأدلّة على اعتبار الإسلام من الكتاب والسنّة. ومع ذلك فهي عند الشيخ القائل بها ضعيفة؛ لأنّ في سندها العبيدي، وهو ممن اختص بتضعيفه، فقال: إنّه ضعيف استثناه أبو جعفر
محمّد بن بابويه من رجال نوادر الحكمة وقال: لا أروي ما يختص بروايته
. ومع ذلك فقد رجع عنها في المبسوط والخلاف
وإن اختلف مقالته فيهما، ففي الأوّل اختار المنع مطلقاً، وفي الثاني الجواز إذا اختاروا الترافع إلينا، قال: فأمّا إذا لم يختاروا فلا يلزمهم ذلك.
واختار هذا
الفاضل في
المختلف، ونزّل الرواية عليه، فقال معترضاً عليها: والجواب: المنع عن صحة السند، والقول بالموجب كما اختاره الشيخ في الخلاف، وهو أنّه إذا ترافعوا إلينا وعدلوا الشهود عندهم فإنّ الأولى هنا القبول
.
ومال إليه
الفاضل المقداد في
التنقيح، فقال بعد نقله عن الخلاف: وهذا في الحقيقة قضاءً
بالإقرار؛ لما تقدم أنّه إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين حكم عليه
.
أقول: وفيه نظر؛ إذ حكم الحاكم بشاهدين اعترف الخصم بعدالتهما إنّما هو حيث جهلها ولم يعلم بفسقهما، وإلاّ فلو علم به لم يجز له الحكم وإن اعترف الخصم بعدالتهما. وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ الفرض علمه بفساد مذهبهما وإيجابه فسقهما، فيكون من قبيل ما إذا رضي الخصم من الحاكم الحكم بشهادة الفاسقين مع علمه بفسقهما، وهو غير جائز قطعاً.
ومما ذكرنا ظهر أنّ الأشبه المنع عن القبول مطلقاً، وفاقاً للعماني،
والمفيد في المقنعة، والشيخ في المبسوط، والحلّي، والقاضي
، وبالجملة الأكثر كما في
الدروس، بل المشهور كما في المسالك وغيره
، واختاره الفاضلان والشهيدان وعامّة المتأخّرين
، ونقله في الخلاف
عن مالك
والشافعي وأحمد، وعزا فيه مختار الإسكافي إلى أبي حنيفة والثوري.
وبه تشعر الصحيحة المتقدمة من حيث تخصيصها المنع عن قبول شهادته ب: على المسلمين خاصّة.
وأظهر منها الصحيح المروي في
الفقيه، وفيه: هل تجوز شهادة
أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم؟ قال: «نعم إنّ لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد»
.
ولكنهما مع ضعف دلالة الأُولى غير مكافئتين لما مضى من وجوه شتى، مع احتمالهما الحمل على
التقية عن رأي
أبي حنيفة المشتهر رأيه بين العامّة في الأزمنة السابقة واللاحقة كما عرفته، ويؤيّده مصير الإسكافي إليه كما مرّ غير مرّة.
ومع ذلك تحتمل الثانية الاختصاص بالوصية بقرينة ما فيها من العلّة الموجودة في كثير من روايات تلك المسألة، ومنها الرواية المتقدمة المانعة عن قبول شهادته على غير أهل ملّته المستثنية من المنع صورة الوصية خاصّة، معلّلةً بما علّل به الجواز المطلق في هذه
الرواية.
ومع ذلك فظاهر قوله (علیهالسّلام): «إن لم يوجد» إلى آخره، مخالف للإجماع إن جعل مرجع الضمير في «ملّتهم» و «غيرهم» المذكورين فيه أهل الذمّة، كما هو ظاهر السياق من وجه، وإن خالفه من وجه آخر كما سيظهر؛ لدلالته على قبول شهادة
الحربي مع فقد الذمّي، وقد مرّ أنّه خلاف الإجماع من الكل حتى الإسكافي.
وكذا إن جعل مرجع الضميرين غير أهل ملّتهم المتقدم في السؤال؛ لتضمنه معنى الجمعية كما هو ظاهر سوق عبارة: «إن لم يوجد» إلى آخره؛ حيث لم يذكر فيها الواو؛ وذلك لأنّ مفادها حينئذ أنّه إن لم يوجد من أهل ملّة غير أهل الذّمة جازت شهادة غيرهم أي أهل الذمّة عليهم، ومقتضاه اشتراط قبول شهادة كل ملّة على غير أهلها فَقْد شاهد عليه من أهل ملّته، ولم يقل به أحد من أصحابنا حتى الإسكافي؛ لحكمه بالقبول مطلقاً من غير تقييد بما ذكر من الشرط أصلاً.
وبالجملة الظاهر ضعف هذا القول، سيّما مع ظهور عبارة الخلاف
بكونه مخالفاً لما اختاره أصحابنا، حيث نسب مضمون الموثقة إلى جماعة من
العامّة وقال: إنّه الذي اختاره أصحابنا، فتأمّل.
ثم إنّه عندنا كما لا تقبل شهاداتهم على أمثالهم كذا لا تقبل لأمثالهم؛ لعموم الدليل، وبه صرّح
الفاضل في التحرير
، والشيخ أفتى بقبول شهاداتهم لأمثالهم كما أفتى بقبول شهادتهم عليهم
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۲۳۸-۲۴۸.