إقرار المحجور
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو أقرّ سفيه بمال لم يقبل إقراره بلا خلاف فيه بينهم، بل ادّعي
الإجماع عليه.
لو أقرّ سفيه بمال لم يقبل إقراره
بلا خلاف فيه بينهم، بل ادّعي
الإجماع عليه.
ويمكن أن يستدلّ عليه أيضاً بما يدلّ على
بطلان تصرّفات السفيه المالية، فإنّه إذا كانت تصرّفاته المالية غير نافذة فإقراره بها لا يكون له
أثر لا محالة، فلا موضوع للحجّية والنفوذ كما لا يخفى. وعليه، فلو فكّ الحجر عنه لا يلزمه ما أقرّ به حين الحجر من المال.
هذا بحسب الظاهر، أمّا لو علم
اشتغال ذمّته فيما بينه وبين اللَّه تعالى فيما أقرّ به وجب عليه التخلّص.
ويقبل إقراره فيما عدا المال كالخلع والطلاق ونحوهما ممّا ليس تصرّفاً ماليّاً وإن كان يستتبع المال؛
نظراً إلى أنّ المتيقّن من الحجر عليه هو التصرّف في المال دون غيره وإن استتبع مالًا؛ لإطلاق الأدلّة الدالّة على نفوذ إقرار المقرّ وعمومها.
اللهمّ إلّاإذا قيل بأنّ إقراره في المستتبع مالًا إقرارٌ ضمني بالمال فيكون ممنوعاً منه أيضاً. ولو أقرّ السفيه حال الحجر بما يشتمل على أمرين: مال وغيره كالسرقة، قُبِل في الحدّ دون المال.
أمّا الحدّ فلعدم كونه تصرّفاً ماليّاً، وأمّا المال فللحجر عليه فيه.
وقد يشكل عليه بأنّه كيف يقبل إقراره بالسرقة في القطع دون المال؛ فإنّ القبول فيه مستلزم للحكم بأخذه مال الناس ظلماً، فيثبت في ذمّته بحكم الشرع، وجعله بمنزلة إقرارين لا يخلو من بعد؛ إذ ليس القطع إلّا لقبول قوله: إنّه سرق مالًا من حرزه بحيث يوجب القطع، فقبول الفرع مع عدم قبول
الأصل محلّ تأمّل.
واجيب عنه بأنّه لا ملازمة بين الحدّ وضمان المال، فقد يجتمعان، وقد يوجد ضمان المال دون الحدّ، كما لو شهد بالسرقة رجل وامرأتان أو أقرّ به مرّة واحدة، وقد ينعكس كما هنا؛ إذ اللازم في كلّ مقام متابعة الدليل، وأدلّة نفوذ
الإقرار عامة، خرج منها المحجور في خصوص التصرّفات المالية فيبقى الباقي تحت العموم.
المحجور عليه لفلس إمّا أن يقرّ بدين سابق على الحجر أو لاحق عليه، وإمّا يقرّ بعين من أعيان أمواله. وقد اتّفق الفقهاء على نفوذ إقراره في الدين؛
لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»،
ولا ملازمة بين الحجر وسلب العبارة؛ إذ ليس الإقرار كالإنشاء؛ لأنّ المقصود من الحجر
إلغاء التصرّف، و
الإنشاء تصرّف جديد؛ فلذا يمنع منه، بخلاف الإقرار فإنّه
إخبار عن تصرّفات سابقة، فإذا أخبر بسبقها على الحجر لم يكن متعلّقاً بها، فيكون الإقرار نافذاً في ذلك.
نعم، الخلاف إنّما هو في أنّه هل ينفذ إقراره في حقّ الغرماء بحيث يشارك المقرّ له الغرماء في هذا الدين أو لا، بل إنّما يأخذ حقّه من الفاضل، وإلّا ففي ذمّته؟ فيه قولان:
نفوذ إقراره في حقّهم، ومشاركة المقرّ له للغرماء؛
نظراً إلى عموم (إقرار العقلاء) المقتضي كونه كالبيّنة شرعاً في
الإثبات .
ونوقش فيه بأنّ العموم إنّما يدلّ على نفوذه ونحن نقول به، وأمّا مشاركته للغرماء فهي- مضافاً إلى أنّها لا تلازم نفوذ الإقرار لا عقلًا ولا شرعاً؛ لأنّه إنّما أقرّ بالدين، لا العين- لا يمكن
الالتزام بها باعتبار كونها إقراراً على الغير، وقد مرّ أنّه لا ينفذ إقراره فيه؛ إذ حقّ الغرماء قد تعلّق بالأعيان. وبذلك يظهر الفرق بينه وبين البيّنة التي لم يفرّق الشارع في نفوذ مقتضاها بين الجميع.
عدم النفوذ في حقّ الغرماء؛
نظراً إلى أنّه إقرار في حقّ الغير،
وحينئذٍ إن فضل عن حقّ
الغرماء شيء من ماله أخذ المقرّ له منه، وإلّا انتظر يساره.
ولو أسند الدين في إقراره إلى ما بعد الحجر بمعاملة ونحوها ممّا يحصل برضا الطرفين لم يشارك قطعاً.
هذا كلّه فيما لو أقرّ بالدّين، وأمّا لو أقرّ بالعين فقد اختلفوا في نفوذ إقراره على قولين:
نفوذ إقراره وتشريكه لهم؛
نظراً إلى مساواته للبيّنة.
ونوقش فيه- مضافاً إلى ما مرّ من قصور دليل نفوذ الإقرار بالنسبة لحقّ الغير- بأنّه تصرّف في عين المال، ومناف للحجر المفروض عليه بالنسبة للعين، فلا يحكم بالتشريك.
عدم نفوذ إقراره فيها، والمراد عدم تشريكه للغرماء في العين، لا ردّ إقراره من أصل؛
وهذا مع
افتراض استيعاب دين المديون لجميع الأعيان من حيث القيمة، وأمّا مع احتمال زيادة تلك العين عنها فينبغي- بل يجب- حينئذٍ للحاكم أن يؤخّر تلك العين، فإن فضلت من الديون سلّمها إلى المقرّ له؛ عملًا بعموم نفوذ الإقرار، إلّا بناءً على القول بثبوت حقّ الغرماء في جميع المال حتى بناءً على زيادتها عن الدين، ولكنّ إثبات ذلك في غاية
الإشكال ، فمع عدم الزيادة باعها في الديون واغرم مِثلًا أو قيمة مهما قدّرت العين.
وتردّد
المحقّق الحلّي في نفوذ الإقرار في العين؛ نظراً إلى الوجهين السابقين.
وذهب بعضهم إلى أنّه يمضي إقرار المفلّس بالعين أو بما يوجب المزاحمة للغرماء بشرط العدالة و
انتفاء التهمة، ويردّ بدون أحدهما.
وتفصيل الكلام في ذلك يراجع في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۲۹- ۳۳.