الأكل من الهدي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قيل : يجب الأكل من الهدي ويضعّف : بمنع
إفادة الأمر الوجوب هنا، وليس الأكل من
الأُضحية ولا من هدي القران واجباً اتفاقا، بل هدي
التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف؛ لقوله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها) الآية، وأقل مراتب الأمر
الاستحباب وبالجملة : الذي يقتضيه النظر وتتبع الأخبار والفتاوي رجحان القول بالاستحباب وإن كان الأحوط القول
بالإيجاب .
(وقيل : يجب
الأكل منه) وهو الحلّي كما عرفت، وتبعه من المتأخرين جماعة؛
لما ذكره من
الأمر به في الآية الشريفة، مضافاً إلى الأمر به في الصحيح أو الموثق : «إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال الله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) وقال : «القانع : الذي يقنع بما أعطيته، والمعتر : الذي يعتريك، والسائل : الذي يسألك في يديه، و
البائس : الفقير».
ويضعّف : بمنع
إفادة الأمر الوجوب هنا، أمّا أولاً فلوروده مورد توهّم الحظر، كما ربما يستفاد من تتبع الأخبار، وصرّح به جمع، منهم الفاضل المقداد في
كنز العرفان ،
وحكاه بعض عن صاحب الكشّاف،
فقالا : كانت الأُمم قبل شرعنا يمتنعون من أكل نسائكهم، فرفع الله الحرج عنهم من أكلها. فلا يفيد سوى
الإباحة ، كما قرّر في محلّه.
وأما ثانياً فلأن مورد النزاع إنما هو هدي التمتع خاصة، كما صرّح به في المدارك،
ويظهر من غيره أيضاً كما ستعرفه، ولا
اختصاص للآية الشريفة وكذا الرواية بل تعمّه وهدي القرآن والتضحية، وشمولها لهدي القران صريح الفاضل في المنتهى وابن زهرة،
حيث استدل لجواز أكل هدي القران والمتعة بعد
الإجماع بالآية، وساقها إلى قوله تعالى (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)
وقال في وجه
الاستدلال : والذي يترتب عليه قضاء
التفث هو هدي التمتع والقران.
وليس الأكل من
الأُضحية ولا من هدي القران واجباً اتفاقا، كما صرح به الفاضل المقداد في الكنز والعلاّمة في المنتهى،
حيث قال : هدي
التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف؛ لقوله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها) الآية، وأقل مراتب الأمر
الاستحباب إلى أن قال ـ : لو لم يأكل من التطوع لم يكن به بأس بلا خلاف. ومراده بهدي التطوع هدي القران، كما صرّح به في موضع آخر منه.
وحينئذ فلا بدّ من صرف الآية والرواية عن ظاهرهما، فإما إلى الاستحباب، أو التخصيص بهدي
التمتع دون غيره، والثاني وإن كان أولى إلاّ أن الشهرة مع ما قدّمناه من الجواب الأول يرجّحان الأول، أو يساويانه مع الثاني، فليرجع إلى حكم
الأصل ، وهو
البراءة من الوجوب.
والعجب من العلاّمة في المنتهى حيث قال فيه بوجوب الأكل مستدلاً بالآية الشريفة، ومع ذلك أنه استدل لاستحباب الأكل من هدي التطوع بالآية المزبورة، مع أنه ليس فيها إلا أمر واحد، ولا يمكن حمله في
استعمال واحد على معنييه الحقيقي والمجازي، فإما الوجوب أو الاستحباب، لا سبيل إلى الأول بعد تصريحة لشمول الآية لهدي القرآن المستحب فيه الأكل بلا خلاف كما ذكره، فتعيّن الثاني. وبالجملة : الذي يقتضيه النظر وتتبع الأخبار والفتاوي رجحان القول بالاستحباب وإن كان الأحوط القول
بالإيجاب .
رياض المسائل، ج۶، ص۴۳۰- ۴۳۲.