الإبراء حكمه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولتفصيل أكثر انظر
الإبراء (توضيح).
ويبحث تارة عن حكمه التكليفي واخرى عن حكمه الوضعي.
ونبحث تارة عن حكمه التكليفي واخرى عن حكمه الوضعي:
لا إشكال في جواز
الإبراء تكليفاً وعدم حرمته شرعاً؛ لعدم الدليل على الحرمة، بل وقيام الأدلّة اللفظية واللبية على جوازه في نفسه، بل لعلّه من الضروريات الفقهية، فالإبراء بما هو جائز في نفسه إلّا أنّه قد يطرأ عليه ما يغير حكمه إلى أحد الأحكام التكليفية الاخرى، كما إذا اشترط في ضمن عقد لازم أو نذر أن يبرئ مدينه فإنّه يصبح واجباً حينئذٍ من باب وجوب الوفاء بالشرط أو النذر، وقد يشترط أن لا يبرئه فيصبح ابراؤه محرماً؛ لأنّه مخالفة للشرط الواجب وفاؤه، وقد يصبح مرجوحاً بطروّ عنوان كذلك كما إذا لزم منه مشقة على نفسه وعياله في قوته، كما قد يكون مستحباً لكونه معروفاً أو بعنوان مستحب طارئ عليه كالتصدق
والاعانة للفقير وغير ذلك.
هذا، وقد ذكر بعض الفقهاء موارد خاصة عبّروا في بعضها بوجوب الإبراء، وفي بعض آخر باستحبابه.
أمّا الموارد التي عبّروا عنها بالوجوب فمنها الإبراء في السلف والنسيئة والدين والحق المالي إذا حلّ وقتها فأدّاه من عليه كما هو، قيل: يجب على من له الحق الأخذ والقبول أو إبراء ذمته منه، فإن امتنع عن ذلك أجبره الحاكم على أحدهما أو قبض ماله نيابة عنه،
ومثله إبراء ذمّة الراهن من العين المرهونة إذا أراد بيعها للوفاء من ثمنها بالدين الذي عليه.
لكن تعبيرهم بالوجوب هنا قد لا يراد منه الوجوب التكليفي بل اللزوم الحقي، وأنّه ليس له الحق في أن لا يبرئه ولا يقبض ما يؤديه المدين.
وكيف كان فتفصيل الكلام في هذه الموارد متروك إلى محالّها.
وأمّا الموارد الخاصّة التي حكم بعض الفقهاء باستحباب الإبراء فيها بالخصوص فهي:
ذكر بعض الفقهاء استحباب إبراء المدين المعسر وإن كان فاسقاً، بل وكافراً استناداً إلى قوله تعالى: «وَ إِنْ كانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ...»
حيث عبّر عنه بالتصدّق.
قال
المقدّس الأردبيلي في تفسير الآية: «إنّ في الآية دلالة... على أنّ الإبراء حسن وخير... وإن كان بالنسبة إلى فاسق، بل كافر وغاصب... وبالجملة يدلّ على أنّ الاحسان حسن وإن لم يكن المحسن إليه من أهله. ويدل عليه ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «اصنع المعروف إلى كل أحد، فإن لم يكن أهلًا له فأنت أهل لذلك»، وعموم قوله عليه السلام أيضاً: «من أنظر معسراً ووضع عنه أظلَّه اللَّه في عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلُّه»».
ذكر بعضهم استحبابه استناداً إلى قوله تعالى: «وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ».
قال المقدس الأردبيلي في تفسير الآية: «دلت... على استحباب العفو
مطلقا من غير شرط الاستغناء، وعلى استحباب التفضل والاحسان، وعلى استحباب العفو للولي».
وأفتى الشهيدان الأول والثاني بالاستحباب: قال الأول: «ويستحب لها العفو عن الجميع، ولوليها الاجباري العفو عن البعض».
وقال الثاني: «ويستحبّ لها العفو عن الجميع؛ لقوله تعالى: «وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى»، والمراد بالعفو إسقاط المهر بالهبة إن كان عينا، والإبراء وما في معناه من العفو
والإسقاط إن كان دينا... ولوليها الاجباري الذي بيده عقدة
النكاح أصالة وهو
الأب والجد له بالنسبة إلى الصغيرة العفو عن البعض».
وقال
المحدث البحراني : «ثمّ ان الظاهر من الآية وأكثر الأخبار أن عفوها من النصف الذي لها إنما هو على جهة الفضل والاستحباب».
قد يفهم من كلمات بعض الفقهاء استحباب إبراء الغاصب إذا كان مؤمنا.
قال
المحقق الكركي : «مسألة: ما القول في من غصب له أموال، فهل الأحسن إبراء ذمة الغاصب أم تركه؟ الجواب: لا ريب إن كان الغاصب مؤمنا فالأحسن الإبراء».
ذكر بعض الفقهاء استحباب إبراء
الزوجة ذمة زوجها عما زاد على مهر السنة من مهرها، فقد احتمل
العلامة الحلي أن يكون هو المراد من رواية المفضل بن عمر قال: «دخلت على
أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه؟ قال: فقال عليه السلام: السنة المحمدية خمسمائة درهم، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة، ولا شيء عليه أكثر من الخمسمائة درهم».
قال
العلامة الحلي : «أقول: ويحتمل أن يكون المراد بذلك الاستحباب ومع الزيادة يستحب الرد- بالإبراء- إلى مهر السنة، وبعد الرد بالإبراء لا يلزمه أكثر».
واستحسنه المحقق الكركي،
وكذلك
السيد العاملي ،
كما ونفى عنه البأس
المحدث البحراني .
ذكر جمع من الفقهاء استحباب إبراء السيد ذمة مملوكه المكاتب وحط قسم من مال الكتابة عنه، استنادا إلى قوله تعالى: «وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ»
بعد حمله على الاستحباب ولو لعطفه على الأمر بالكتابة في قوله تعالى: «فَكاتِبُوهُمْ» الذي هو للندب والتمسك،
باطلاق الايتاء للحط
والإبراء ، وباطلاق المال لغير
الزكاة الواجبة، وبظهوره في كونه خطاباً للمأمورين بالكتابة وهم الموالي، وأيضاً استناداً إلى النصوص العامّة الواردة في مطلق التعاون على البرّ وإعانة المحتاجين، وفي خصوص تخليص النفس من ذلّ الرقّية وإعانة المكاتب على فكاك رقبته، والنصوص الخاصّة الواردة في خصوص حطّ شيء من مال الكتابة أو سدسه عنه بعد حملها على الاستحباب.
وهناك من الفقهاء من أوجب ذلك حملًا للأمر في الآية الشريفة على ظاهره.
للإبراء أحكام وضعية عديدة من أبرزها وأهمّها: الصحّة واللزوم والإجزاء.
ومعنى صحّه الإبراء تحقق مضمونه وترتب الأثر المتوخّى منه عليه، وهو براءة ذمّة المدين ومن عليه الحق.
ومعنى لزومه عدم صحة الرجوع فيه.
ومعنى إجزائه كفايته في مقام امتثال واجب كالزكاة الواجبة
والصدقة المنذورة، أو مستحب كالزكاة المستحبة والصدقة المندوبة.
وسوف تتّضح هذه الأحكام من خلال البحوث المقبلة إن شاء اللَّه تعالى.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۳۲۹-۳۳۳.