الإقرار التعليقي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يشترط في صيغة الإقرار التنجيز، وقد ادّعي نفي الخلاف فيه؛ لكونه
إخباراً عن حقٍّ ثابت، وهو لا يقبل التعليق المقتضي لعدم وقوع المعلّق قبل وقوع المعلّق عليه.
والعرف والعقلاء لا يرون الإقرار المعلّق إقراراً، ولمّا كان المدرك الرئيسي في حجّية
الإقرار هو البناء العقلائي والمتشرّعي يؤخذ بالقدر المتيقّن، وهو صورة التنجيز.
وعليه، فلو قال: (إن قدم زيد)، أو قال: (إن رضي فلان)، أو (إن شهد) أو نحو ذلك لم يقع؛
لاشتراك الجميع في التعليق المنافي للإخبار الجازم- على ما مرّ- وإن كان على صفة يتحقّق وقوعها.
ولو قال: (له عليّ ألف إن شئت) لم يلزمه؛ لأنّه تعليق.
ولو قال: (له عليّ ألف إن شاء اللَّه) فإن كان قصده التبرّك بذلك لزمه الإقرار، وإن لم يقصده فلا يصحّ الإقرار.
وبعضهم أطلق القول بعدم اللزوم للتعليق؛
ولعلّه
لاستظهار التعليق لا التبرّك.
ولو قال: (إن شهد لك فلان فهو صادق) فقد وقع الخلاف بين الفقهاء في أنّ هذه الصيغة تكون إقراراً أو لا؟
قال
الشيخ الطوسي : «ولو قال: (إن شهد لك عليّ شاهدان بألف فهما صادقان) لزمه الإقرار بالألف في الحال؛ لأنّ الشاهدين إذا (فرض أنّهما) صدقا في شهادتهما عليه بالألف إذا شهدا (كما هو مفروض المقام حيث أقرّ المقِرّ بصدقهما في ذلك)، فإنّ الحقّ واجب عليه؛(إذ إقراره بصدقهما في قوّة الإقرار بنفس المال)، شهدا أو لم يشهدا».
ووافقه جماعة فقالوا: يلزمه الإقرار وإن لم يشهد.
ومثله ما لو قال: (إن شهد بكذا فهو حقّ أو صحيح).
وكذا لو لم يعيّن الشاهد فقال: (إن شهد عليّ شاهد بكذا فهو صادق)، أو شهد عليه بالفعل فقال: (هو صادق)، بخلاف ما إذا قال: (إن شهد صدّقته) أو: (فهو عدل) أو: (لزمني) أو: (أدّيته) فإنّه لم يكن مقرّاً.
وخالف الشيخ الطوسي آخرون فقالوا: إنّه ليس بإقرار،
وقد نسب ذلك إلى أكثر المتأخّرين.
وفي
الدروس بعد أن علّل تحقّق الإقرار بهذه العبارة
بامتناع الصدق مع
البراءة ، قال: «ويضعّف بإمكان
اعتقاد المخبر أنّ شهادته محال، والمحال جاز أن يستلزم المحال. ويعارض بالإقرار المعلّق على شرط ممكن»، ثمّ نقل القول بلزوم إقرار من كان عارفاً دون غيره، ثمّ قال: «والأصحّ المنع في الموضعين».
وذكر
المحقّق النجفي أنّ لهذه العبارة (أي قول المقر: إن شهد لك فلان فهو صادق) مقامات، حيث قال: «لا يخفى عليك مقامات هذه العبارة، فقد تصدر ممّن يريد
الالتزام بالحقّ و
الاعتراف به، فيقول: إن شهد على ذلك فهو صادق، أي لأنّ الواقع كما شهد فهو في الحقيقة بمنزلة أن يقول لمن شهد عليه فعلًا: هو صادق...وقد تصدر هذه العبارة ممّن يعلم ببراءة ذمّته وأنّه لا يقبل فيها شهادة شاهد ولا خبر مخبر، فيريد من هذا التركيب شبه التعليق على محال، وهذا المقام غالباً يجري بين المتخاصمين.
وقد تصدر من الشاكّ فيريد بها بيان أنّي أعلم صدق ذلك بشهادة زيد. وغير ذلك من المقامات التي لا تخفى على من له أدنى خبرة بالمحاورات.
نعم، قد يقال: إنّها مع قطع النظر عن سائر المقامات تستلزم الإقرار بالحقّ باعتبار ظهور الحكم بالصدق في معلوميّة الواقع لديه، وهو لا يختلف بالشهادة وعدمها، وحينئذٍ يكون التعليق فيها بمعنى أنّه إن شهد كان متّصفاً بالصدق، وإن لم يشهد به لم يكن متّصفاً به؛ ضرورة تبعيّة الصدق للإخبار بالواقع لا للواقع نفسه وإن لم يخبر به، وحينئذٍ فالواقع واقع لا يتغيّر بشهادته وعدمها، ولكن
الاتّصاف بالصدق يدور مدار الشهادة وعدمها».
ومقصود المحقّق النجفي ممّا قاله أنّ هذا البحث لابدّ وأن يكون مع قطع النظر عن هذه المقامات، أمّا لو فرض ثبوت أحد هذه الفروض ببعض القرائن المقامية أو المقالية فلا محالة يجري عليه حكمه، من كونه إقراراً وعدمه.
والنتيجة: أنّ النزاع المتقدّم لابدّ أن يفرض بصرف النظر عن الشواهد الحافّة لهذه الفروض والمقامات.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۸۵- ۸۸.