الإلحاد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الإنحراف أو الميل والعدول عن
الاستقامة.
الإلحاد: الميل عن الاستقامة، يقال:ألحد في دين اللَّه، أي حاد عنه وعدل إلى غيره،
ومنه: قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَايَخْفَوْنَ عَلَيْنَا».
وألحد فلان: إذا ترك القصد ومال إلى الظلم.
ويقال: لحد القبر وإلحاده، أي جعل الشقّ في جانبه لا في وسطه، وألحدت
الميّت ولحدته: جعلته في اللحد، أو عملت له لحداً.
والملتحد: الملجأ؛ سمّي بذلك لأنّ اللاجئ يميل إليه،
ومنه: قوله تعالى: «وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً».
ويستعمل
الفقهاء الإلحاد في عدّة موارد ترجع جميعها إلى المعنى اللغوي، وهي:
بمعنى العدول عن الدين الحقّ إلى غيره.
وقد ذكروا له تفسيرات عدّة.
الرجوع عن الشيء، ومنه
الردّة عن
الإسلام .
هي
الكفر بعد الإسلام.
والنسبة بينها وبين الإلحاد بمعناه العام هي
العموم والخصوص المطلق ؛ لاختصاصها بالإلحاد المتعقّب للإسلام.
ذكرت
للزنديق معانٍ متعددة، منها:
الدهري ، ومنها: الثنوي، ومنها: المنافق.
قال
الطريحي : «المشهور عند الناس أنّ الزنديق هو الذي لا يتمسّك بشريعة، ويقول بدوام الدهر، والعرب تعبّر عنه بقولهم: ملحد، والجمع زنادقة.
وفي الحديث: الزنادقة هم الدهرية الذين يقولون: لا ربّ (لنا)، ولا جنّة ولا نار، وما يهلكنا إلّاالدهر».
ولعلّ أظهر معانيه: أنّه من يدّعي الإسلام ويظهر الشهادتين إلّاأنّه يظهر منه ما يخالف الإسلام، كالاستهانة
بكتاب اللَّه تعالى
وسنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وبفرائض الإسلام.
وعليه فإذا قصد من الإلحاد مطلق الظلم أو الميل عن الحقّ كانت النسبة بينه وبين الزندقة هي العموم والخصوص المطلق؛ لأنّها نوعٌ من هذا الإلحاد، أمّا إذا قصد الإلحاد بمعنى لحد الميّت كانت النسبة هي التباين.
وأصله في اللغة: النفوذ الخفي، وفي الاصطلاح: إظهار الإسلام وإبطان الكفر.
وهو من أشكال الإلحاد بمعناه العام.
الدهري هو الملحد الذي يقول بقدم الدهر، ولا يؤمن
بالبعث ، وينكر
حشر الأجساد، كما ورد في قوله تعالى: «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلَّاالدَّهْرُ»،
مع إنكاره إسناد الحوادث إلى اللَّه سبحانه وتعالى.
وبهذا يتبيّن أنّ الإلحاد أعم إجمالًا من الجميع؛ لعدم أخذ قيد فيه إلّاالميل والخروج عن الدين.
كما يتّضح من خلال ما تقدّم أنّ الفرق بين
الزنديق والمنافق والدّهري والملحد- مع الاشتراك في إبطانهم للكفر- أنّ المنافق يظهر الإيمان وهو لا يؤمن به واقعاً، والدهري من ينكر إسناد الحوادث إلى اللَّه سبحانه وتعالى بل إلى الدهر.
والملحد بأحد معانيه هو
الكافر باللَّه، ولا يعتبر في الملحد سبق الإسلام وبه فارق المرتدّ، ولا إظهار ما لا يؤمن به في قلبه كالمنافق.
بالإضافة إلى أنّ الإلحاد يستعمل في الكفر وغيره، والردّة لا تستعمل إلّافي الكفر، فتبيّن أنّ الملحد أعم إجمالًا من الكلّ.
ورد الحديث عن الإلحاد عند الفقهاء في مواضع متعدّدة وبمعاني مختلفة بعض الشيء، وأهمّها ما يلي:
وقد فسّره
الشيخ الطوسي بالعدول عن الحقّ فيه.
وهو صادق على مَن يخرج من الدّين الحقّ إلى غيره من الديانات الاخرى، وعلى مَن يطعن فيه ولا يستجيب لأوامره ونواهيه.
وعليه، فالملحد إمّا أن يكون من الأصل على
الشرك أو الكفر، فتلحقه جميع أحكام الكافر أو المشرك الواردة في الفقه، والتي تراجع في مصطلحاتها المتفرّقة، ومنها: (إشراك، كفر).
أو يكون
مسلماً من أوّل الأمر فيلحد، وهذا ما يسمّى بالمرتدّ، وتترتّب عليه أحكام الردّة من العقوبات وما شابه ذلك، وتراجع في مصطلح (ارتداد، ردّة،
زندقة ).
أو يكون ذمّياً فيلحد، أي يطعن في الدّين جهاراً، فينتقض بذلك عهده، فينظر حكمه في مصطلح (ذمّي).
ويقصد به الميل بظلم فيها، قال تعالى: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ».
واختلف في المراد منه على أقوال، منها:
أ- إنّه الشرك وعبادة غير اللَّه سبحانه وتعالى فيها، بأن يعبد غيره ظلماً وعدواناً.
ب- إنّه استحلال الحرم وركوب الآثام فيه، والمراد باستحلال الحرم اعتقاد جواز تخريبه، وعدم كونه حرماً ذا حرمةٍ يجب تعظيمه وترتيب أحكامه عليه من تحريم
الصيد وغيره.
ج- إنّه دخول مكّة بغير إحرام.
د- إنّه ارتكاب كلّ شيء نُهي عنه حتى شتم الخادم فيه؛ لأنّ ارتكاب الذنوب هناك أعظم.
وقيل غير ذلك.
وظاهر بعض الروايات هو المعنى الرابع: منها: رواية
الحلبي ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»،
فقال: «كلّ الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلماً خشيت أن يكون إلحاداً».
ومنها: ما رواه
أبو الصباح الكناني ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قوله عزّوجلّ: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»، فقال: «كلّ ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكّة من سرقة أو ظلم أحدٍ أو شيء من الظلم فإنّي أراه إلحاداً؛ ولذلك كان يتّقى أن يسكن الحرم».
ومنها: رواية معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ»، قال: «كلّ ظلم إلحاد، وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الإلحاد».
ولم يتعرّض أكثر
الفقهاء لاختصاص هذا الحكم بمكّة أو شموله للحرم كلّه.
نعم، استظهر بعض من الروايات اختصاصه بمكّة.
ولا إشكال في حرمته، بل عدّه بعض من الكبائر؛
لأنّ اللَّه سبحانه توعّد من يرتكبه بالعذاب الأليم.
قال تعالى: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ».
وربما لذلك رجّح بعض الفقهاء عدم مجاورة مكّة المكرمة، خوفاً من الإلحاد فيها بالمعنى الرابع المتقدّم.
قال
السيّد العاملي : «المعروف من مذهب الأصحاب كراهة المجاورة بمكّة؛ وعلّل بخوف الملالة وقلّة الاحترام، أو بالخوف من ملابسة الذنب، فإنّ الذنب فيها أعظم...».
ذكر بعض الفقهاء أنّ هناك كيفيتين في حفر القبر، هما: الإلحاد والشقّ.
ومعنى اللحد: أنّه إذا بلغ أرض القبر حفر في جانبيه ممّا يلي القبلة مكاناً يوضع الميت فيه.
ومعنى الشقّ: أن يحفر في أرض القبر شقاً يوضع
الميّت فيه ويسقف عليه.
قال
المحقّق النجفي : «والمراد باللحد أنّه إذا انتهى إلى أرض القبر حفر في جانبه مكاناً يوضع فيه الميّت، والشقّ أن يحفر في قعره شبه النهر يوضع فيه الميّت ثمّ يسقف عليه».
وذكر بعض الفقهاء أنّ اللحد أفضل من الشقّ في غير الأرض الرخوة.
قال
الشهيد الأوّل : «اللحد أفضل من الشقّ عندنا في غير الأرض الرخوة؛ لما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ا
للحد لنا والشقّ لغيرنا»،
ولرواية الحلبي عن
الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لحّد له
أبو طلحة الأنصاري »
».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۴۵-۳۴۹.