الاحتياط الشرعي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الذي يصدر من الشارع المقدس.
وهو الذي
يحكم به
الشارع وقد ادّعى
الأخباريون وجوبه في
الشبهة الحكميّة التحريميّة حتى بعد الفحص
واليأس عن الظفر بالدليل، خلافاً
للُاصوليين.
وهناك أيضاً مواضع خاصّة قد استفيد اهتمام
الشارع بها ولزوم
الاحتياط التامّ فيها
كالدّماء والفروج وسيجيء الكلام عنها فيما يأتي.
وقد استُدل لِلزوم
الاحتياط في
الشبهات التحريميّة بالخصوص دون الوجوبيّة بالآيات والأخبار،
نشير إليها على نحو الاختصار:
وهي
الناهية بغير
العلم مثل قوله تعالى: «قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ»
وقوله تعالى: «وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ».
وهي الناهية في
التهلكة مثل قوله تعالى: «وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»،
أو الآمرة بحفظ النفس كقوله تعالى: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ».
وهي الظاهرة في لزوم الاحتياط
والاتّقاء والتورّع مثل قوله تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ»
وقوله: «وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ»
وقوله: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
وهي
الآمرة بردّ
النزاع إلى اللَّه
ورسوله وهي قوله تعالى: «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ».
وهي ما دلّة على
حرمة القول والعمل بغير
علم، وهي كثيرة:
منها: ما رواه
علي بن رئاب عن
أبي عبيدة قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: «من أفتى الناس بغير علم ولا
هدى من اللَّه لعنته
ملائكة الرحمة وملائكة
العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه».
ورواية
زرارة بن أعين: قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام ما حقّ اللَّه على
العباد؟
قال: «أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند ما لا يعلمون»،
وغيرها من الروايات،
من صفات القاضي.
ما دلّ على
وجوب التوقّف عند الشبهة
وعدم العلم، وهي- على ما في
فرائد الاصول للشيخ الأنصاري- لا تحصى كثرة.
منها: مقبولة
عمر بن حنظلة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام حيث قال بعد ذكر المرجّحات: «قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فارجه حتّى تلقى
إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من
الاقتحام في الهلكات».
ومنها: رواية
المسمعي الواردة في اختلاف الحديثين: «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه، فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم
البيان من عندنا».
ما دلّ على وجوب الاحتياط، وهي كثيرة أيضاً:
منها: قول
أبي الحسن عليه السلام في صحيحة
عبد الرحمن بن الحجّاج عنه «إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».
ومنها: رواية
عبد اللَّه بن وضّاح أنّه كتب إلى
العبد الصالح عليه السلام يسأله عن وقت
المغرب والإفطار فكتب إليه: «أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك».
ومنها: رواية
عنوان البصري عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «وخُذ بالاحتياط في جميع امورك ما تجد إليه
سبيلًا، واهرب من الفُتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك عتبة للناس».
.
مثل قول
أبي عبد اللَّه عليه السلام في مقبولة
عمر بن حنظلة- بعد الأمر بأخذ المشهور من الحديثين وترك
الشّاذ النّادر-: «وإنّما الامور ثلاثة: أمر بيّن
رشده فيتّبع، وأمر بيّن
غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى اللَّه ورسوله، قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:
حلال بيّن
وحرام بيّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من
المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات
وهلك من حيث لا يعلم».
وقد ناقش الاصوليون في هذه الاستدلالات كلّها بما يثبت عدم دلالة شيء من هذه الآيات والروايات على الاحتياط
الشرعي بالمعنى الذي
يقصده الأخباريون.
وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى
علم الاصول.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۱۶۹-۱۷۱