الاستصلاح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
استنباط الحكم في واقعة لا
نصّ فيها ولا
إجماع بناءً على
مصلحة عامّة لا دليل على
اعتبارها ولا إلغائها.
الاستصلاح
لغة :
نقيض الاستفساد ،
استصلح فلان، أي طلب
الصلاح والمصلحة، فإنّ السين والتاء
للطلب ، واستصلح الشيء، أي عدّه صالحاً وأصلحه وطلب إصلاحه.
وللاستصلاح اصطلاح خاصّ عند
علماء الاصول من الجمهور، وهم
الأصل في ذلك. وبعضهم قد اعتبره مرادفاً للمصالح المرسلة.
ولكن هناك من عرّفه بأنّه بناء الحكم على المصلحة المرسلة،
أو أنّه
استنباط الحكم في واقعة لا
نصّ فيها ولا
إجماع بناءً على مصلحة عامّة لا دليل على اعتبارها ولا إلغائها، ويعبّر عنه أيضاً بالمصلحة المرسلة.
والمصلحة المرسلة هي المصلحة التي لا دليل على اعتبارها ولا إلغائها من
الشرع ، وهي قسم من أقسام المصالح، فإنّ لها قسمين آخرين: أحدهما: المصلحة التي اعتبرها
الشارع ولو بالحكم العقلي القطعي من جهة
إدراك مصلحة خالية عن
المفسدة كحفظ
الدين والنفس والعقل والمال والنسل ، فقد اعتبر الشارع
صيانتها وترك ما يؤدّي إلى فسادها. والآخر: المصلحة التي ألغاها الشارع كإيجاب
صيام الشهرين لأجل
الكفّارة على
الغني ؛ لكونه أزجر.
اختلف الجمهور في
حجّية الاستصلاح واعتباره، فذهب جماعة منهم إلى حجّيته واعتباره، فإنّه عندهم طريق لاستنباط الحكم فيما لا نصّ فيه ولا إجماع، وذلك على أساس المصلحة المرسلة، بينما نفى ذلك جماعة آخرون منهم.
والطائفة
الإماميّة وفقهاء أهل البيت عليهم السلام قد نفوا حجّيته أيضاً، كما نفوا حجّية
القياس والاستحسان .
واستدلّ على ذلك بأنّه لا
دليل هناك يدلّ على الحجّية،
فالشكّ في الحجّية باقٍ غير زائل في المقام، والشكّ في الحجّية مساوق
للقطع بعدمها؛ لأنّها متقوّمة
بالعلم وهو مفقود هنا.
والدليل العمدة الذي ذكر لحجّية الاستصلاح هو: أنّ
الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد، وأنّ هذه المصالح والمفاسد ممّا يدرك العقل
حسنها أو
قبحها ، فإذا استنبط
المجتهد الحكم في واقعة لا نصّ فيها على أساس ما أدركه عقله من
نفع أو
ضرر كان حكمه هذا على أساس صحيح معتبر من الشرع.
وهذا الاستدلال مردود؛ إذ لا
ملازمة في المقام بين إدراك العقل وحكم الشرع؛ لأنّ الملازمة إنّما تكون فيما إذا أدرك العقل مصلحة ملزمة غير مزاحمة في فعل أو مفسدة كذلك كما في
العدل والظلم ، والمصلحة المرسلة التي يدركها العقل ليست مصلحة ملزمة غير مزاحمة؛ إذ يحتمل وجود مزاحم لها يمنع من
جعل الحكم، أو يحتمل أنّها فاقدة لبعض شرائط جعل الحكم، وعليه فلا يستكشف من إدراك العقل هنا للمصلحة الحكم الشرعي أبداً. نعم، إن كانت المصلحة مستفادة من
النصوص والقواعد العامة بحيث تكون من
صغرياتها ، فتكون هذه المصلحة مستفادة من
السنّة ومصداقاً من مصاديقها، فلا وجه لعدّها دليلًا آخر في مقابل السنّة.
وكذلك يمكن استنباط الحكم على أساس المصلحة إذا أدرك العقل أنّ تلك المصلحة تكون مصلحة ملزمة غير مزاحمة في فعل أو مفسدة كذلك، فتلك المصلحة حجّة للقطع بالحكم الشرعي على طبقها بحكم الملازمة.
إلّا أنّ من الواضح أنّ المصلحة حينئذٍ لم تكن مرسلة، بل هي مصلحة معتبرة في الشرع، كما أنّ المصلحة إذا كانت مستفادة من النصوص والقواعد العامّة تكون معتبرة في الشرع لا مرسلة لا دليل على اعتبارها ولا إلغائها من الشارع. وتفصيل الكلام في حجّية الاستصلاح واعتبار المصالح المرسلة موكول إلى علم الاصول في مبحث الأدلّة والحجج.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۲۷۲-۲۷۳.