البر بالأم واحترامها
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على
الولد برّ الوالدين وصحبتهما بالمعروف، مؤمنين كانا أو كافرين أو فاسقين، قال اللَّه تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلًا كَرِيماً• وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً».
فإنّ قوله: «وَقَضَى رَبُّكَ» هو القضاء التشريعي المتعلّق بالأحكام والقضايا التشريعية، ويفيد معنى الفصل والحكم القاطع المولوي، والمعنى: وقضى ربّك بأن تحسنوا إلى الوالدين إحساناً، وهو بعد
التوحيد للَّهمن أوجب الواجبات، كما أنّ عقوقهما من أكبر الكبائر بعد الشرك باللَّه،
فإنّ اقتران
الإحسان بالوالدين بالتوحيد في العبادة يدلّ على مدى أهمّيته.فالترغيب والتحريك
والأمر والوصيّة
باحترام الوالدين في الكتاب العزيز بهذه المثابة دليل على ثبوت حقّ عظيم للوالدين على الولد لا سيّما
الأم .
وتدلّ عليه أيضاً الروايات والأخبار المستفيضة، بل المتواترة:
منها: ما رواه
أبو ولّاد الحنّاط ، قال:سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه:«وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» ما هذا الإحسان؟فقال: «الإحسان أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين، أليس يقول اللَّه: «لَن تَنَالُوا البِّرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ».
ومنها: رواية
جابر ، قال: أتى
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال: إنّي رجل شابّ نشيط واحبّ
الجهاد ولي والدة تكره ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ارجع فكن مع والدتك، فوالذي بعثني بالحقّ، لُانسها بك ليلة خير من جهاد في سبيل اللَّه سنة».
والامّ أولى بالبرّ من الأب؛ وذلك لما رواه
هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:يا رسول اللَّه، من أبرّ؟ قال: امّك، قال: ثمّ من؟ قال: امّك، قال: ثمّ من؟ قال: امّك، قال: ثمّ من؟ قال: أباك».
وفي الحديث أنّه أتى رجل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أنبئني بأحقّ الناس بحسن الصحبة؟ قال: «امّك»، قال: ثمّ من؟ قال:«امّك»، قال: ثمّ من؟ قال: «امّك» قال:ثمّ من؟ قال: «أبوك...».
وقد ذكر
الشهيد الأوّل - بعد إيراد هاتين الروايتين- أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبّه السائل على أنّه لم يفرغ من برّ الامّ؛ لأنّ قوله: (ثمّ من؟) صريح في أنّه إذا فرغ من حقّها في البرّ لمن يبرّ؟ فنبّه على أنّك لم تفرغ من برّها بعد، فإنّها الحقيقة بالبرّ،
فأفاده الكلام الثاني الأمر ببرّها كما أفاده الكلام الأوّل، وأنّها حقيقة بالبرّ مرّتين.
هذا، ولكنّ الإحسان والبرّ
والاحترام للُامّ إنّما يجب في غير المعصية، وفيما إذا لم تقدم الأمّ على معصية، وإلّا جاز لولدها نهيها وأمرها بالمعروف بمراتبهما؛
لقوله
تعالى: «وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً».
ولا يخفى أنّ التوصية بالإحسان إلى الوالدين لا تنافي مخالفتهما في الرأي والعقيدة، فيجب أن لا تكون علاقة
الإنسان بامّه
وأبيه مقدّمة على علاقته باللَّه مطلقاً، ويجب على الأولاد أن لا يستسلموا أبداً أمام هذه الضغوط ويحافظوا على
استقلالهم الفكري، ولا يساوموا على عقيدة التوحيد، وهذه هي نقطة
الاعتدال الأصليّة التي تجتمع فيها حقوق اللَّه والوالدين معاً.
ولخبر عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ امّي لا تدفع يد لامس، فقال: فاحبسها، قال: قد فعلت، قال:فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال: قيّدها، فإنّك لا تبرّها بشيء أفضل من أن تمنعها من محارم اللَّه عزّوجلّ».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۴۱۹-۴۲۱.