التفرقة بين الأطفال واُمهاتهم في البيع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الرابعة : يكره التفرقة بين الأطفال وأُمّهاتهم حتى يستغنوا) عنهنّ، بلا خلاف، بل سيأتي عن جماعة التصريح بالحرمة؛ وهو الحجة، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة، العاميّة والخاصيّة. ففي النبوي : «من فرّق بين والدة وولدها فرّق الله تعالى بينه وبين أحبّته».
وفي الصحيح : أنّه اشتريت لمولانا
الصادق عليه السلام جارية من
الكوفة .فذهبت تقوم في بعض الحاجة، فقالت : يا أُمّاه، فقال عليه السلام لها : «ألكِ أُمّ؟» قالت : نعم، فأمر بها فردّت، وقال : «ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره».
وفي الخبر : الجارية الصغيرة يشتريها الرجل، فقال : «إن كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس».
(و) اختلف الأصحاب في (حدّه) أي
الاستغناء ، فقيل : (سبع سنين) مطلقاً
(وقيل : أن يستغني عن الرضاع) كذلك،
وقيل بالتفصيل بين الأُنثى فالأوّل، والذكر فالثاني،
وقيل فيه أقوال أُخر مختلفة مبنيّة عند جماعة
على
الاختلاف في مدّة الحضانة، وسيأتي إن شاء الله تعالى ترجيح الثالث ثمة.إلاّ أنّه لا
إشعار في شيء من نصوص المسألة بشيء من الأقوال المزبورة، بل هي بخلاف بعضها كالثاني ظاهرة الدلالة.
ولا يترك
الاحتياط في المسألة، سيّما على القول بالحرمة، وقد أشار إليه بقوله : (ومنهم من حرّم) التفرقة، كالإسكافي والمفيد والقاضي والديلمي وأحد قولي
الطوسي والشهيدين والمحقق الثاني،
وعن
التذكرة عليه الشهرة.
ولا يخلو عن قوّة؛ لظواهر كثير من المعتبرة، بل صريح بعضها، ففي الصحيح : في الرجل يشتري الغلام والجارية وله
أخ أو أُخت أو
أب أو أُمّ بمصر من الأمصار، قال : «لا يخرجه إلى مصر آخر
كان صغيراً ولا تشتره، وإن كان له أُمّ فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت».
وفيه : «بيعوهما جميعاً أو أمسكوهما جميعاً».
وفي الموثق كالصحيح : عن أخوين مملوكين هل يفرّق بينهما وبين المرأة وولدها؟ فقال : «لا، هو حرام إلاّ أن يريدوا ذلك».
وهذه النصوص مع وضوح أسانيدها وقوّة دلالتها ظهوراً في الأوّلين من حيث النهي
والأمر ، وصراحة في الثالث من حيث التصريح بلفظ التحريم الناصّ على المنع معتضدة بفتوى عظماء الطائفة، والشهرة المحكية، بل المتحققة، مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة عدا
الأصل والعمومات المثبتين للمالك السلطنة. ويخصّصان بما مرّ من الأدلّة.وليس في النبوي وتاليه مع قصور سند الأوّل ما ينافيه أيضاً نصّاً، بل ولا ظهوراً، بل ربما كان فيهما سيّما الأوّل إشعار بالتحريم جدّاً.
فالقول بالكراهة كما هنا وفي الشرائع والقواعد والإرشاد والمختلف والسرائر
ضعيف، كتخصيص الحكم كراهةً أو تحريماً في العبارة وغيرها بالأُمّ وولدها، وتعميمه لصورتي المراضاة بالفرقة وعدمها.بل الأصلح
التعدية إلى غير الأم من الأرحام المشاركة لها في
الاستيناس والشفقة كالأب
والأخ والأُخت والعمّة والخالة، وفاقاً للإسكافي وجماعة؛
لتصريح الصحيح الأوّل والموثّق بمن عدا الأخيرين، وظهور الحكم فيهما بعدم القائل بالفرق، مع قوّة
احتمال قطعيّة المناط في المنع هنا.وتخصيص -عطف على التعدية- المنع بصورة عدم
المراضاة ؛ لتصريح الخبرين بالجواز فيما عداها، مضافاً إلى الأصل،
واختصاص النصوص المانعة غيرهما بحكم
التبادر وغيره بالصورة الأُولى.
ومنه يظهر الوجه في عدم تعدية الحكم إلى البهيمة، بل يجوز التفرقة بينهما بعد الاستغناء عن اللبن مطلقاً، وقبله إن كان ممّا يقع عليه
الزكاة ، أو كان له ما يمونه من غير لبن أمّه. قيل : وموضع الخلاف بعد سقي
الأُمّ اللبأ، أمّا قبله فلا يجوز مطلقاً؛ لما فيه من التسبيب إلى هلاك
الولد ، فإنّه لا يعيش بدونه، على ما صرّح به جماعة.
رياض المسائل، ج۹، ص۸۴-۸۸.