الجامدات النجسة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأطعمة والأشربة (توضيح).
وهي التي تشمل الأعيان النجسة أصالة أو عرضاً كالمتنجّسات بالامتزاج بالنجاسات.
وتشمل الأعيان النجسة أصالة- كالعذرات- أو عرضاً كالمتنجّسات بالامتزاج بالنجاسات:
تحرم الأعيان النجسة أصالة- كالعذرات النجسة
- بلا خلاف،
بل
الإجماع المقطوع به من غير واحد،
والأخبار المتواترة قطعاً.
هذا، مع أنّ جملة منها- بل لعلّها كلّها- منصوص على تحريمها بخصوصها،
مضافاً إلى استخباث جملة منها،
فيشملها
قوله تعالى: «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ».
والتفصيل موكول إلى محلّه.
يحرم الطعام لو مزج
بالخمر أو
النبيذ المسكر أو
الفقاع وإن قلّ، وكذا يحرم لو وقعت فيه نجاسة وهو مائع- كالبول- أو باشره الكفّار بلا خلاف فيه،
بل
الإجماع بقسميه عليه.
ويدلّ عليه النصوص الواردة في اجتناب السمن الواقع فيه فأرة وغيره، وقد كادت تكون متواترة، بل هو من القطعيات إن لم يكن من الضروريات.
وكذا يجب اجتناب كلّ طعام امتزج بشيء من النجس أو المتنجّس إذا كان محصوراً؛ للمقدّمة، بل ولغيرها مع فرض عدم انفكاك المتناوَل عن جزءٍ من المحرّم، كما هو واضح.
نعم، لو كان المتنجّس قابلًا للتطهير حلّ أكله بعد تطهيره.
والتفصيل في ذلك موكول إلى محلّه.
يحرم
أكل الطين
بلا خلاف،
بل الإجماع عليه،
والنصوص الواردة فيه متواترة، مشتملة على كون أكله من مكائد الشيطان،
ومصائده الكبار، وأبوابه العظام،
ومن
الوسواس ،
وأنّه يورث السقم في الجسد، ويهيّج الداء،
ويورث النفاق،
ويوقع الحكّة في الجسد، ويورث البواسير، ويهيّج داء السوداء، ويذهب بالقوّة من الساقين والقدمين،
وأنّه مثل الميتة والدم ولحم الخنزير،
وأنّ اللَّه تعالى شأنه خلق آدم من طين، فحرّمه على ذرّيّته
».
فلا كلام ظاهراً بين الفقهاء في أصل الحكم، إنّما الكلام في المراد من الطين وهل هو خصوص التراب المختلط بالماء، أو ما يشمل التراب غير المختلط والمدر
؟
ذهب بعض الفقهاء إلى الأوّل،
بينما ذهب آخرون إلى الثاني.
قال
المحقّق النجفي : «هو لغة وعرفاً- كما اعترف به غير واحد- تراب مخلوط بالماء... وفي خبر
معمّر بن خلّاد عن
أبي الحسن عليه السلام قلت له: ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيته؟ قال: «إنّما ذلك المبلول، وذلك المدر».
نعم، هو ظاهر في عدم الفرق بين الرطب منه واليابس الذي هو المدر المشتمل عليه الخبر».
نعم، استثنى الفقهاء من الحكم المزبور أكل طين تربة
الحسين عليه السلام لغرض الاستشفاء، وقد نفى المحقّق النجفي الخلاف فيه، بل ادّعى
الإجماع بقسميه عليه، وأنّ النصوص فيه مستفيضة أو متواترة.
وأمّا ما يرتبط بالمقدار الجائز تناوله من تربة الحسين عليه السلام، والدعاء والقراءة حين تناوله، والموضع الذي تؤخذ منه التربة، وتناوله لغير الاستشفاء، وغير ذلك فموكول إلى محلّه من مصطلح (استشفاء).
كما أنّهم استثنوا
الطين الأرمني أيضاً لغرض دفع الهلاك والضرر،
وكذا صورة الاضطرار للتداوي،
وفي
الإيضاح نفى الخلاف عن جواز تناوله لدفع الهلاك؛ لأنّ الميتة والدم أفحش منه والهلاك يبيحهما، فهذا أولى.
بل في الجواهر: «لا إشكال في جوازه لدفع ضرر لا يتحمّل عادة مع انحصار الدواء فيه على حسب غيره ممّا هو أفحش منه».
وأمّا جواز التداوي به مع عدم الانحصار واحتمال المنفعة على حسب غيره من الأدوية فتفصيل الكلام فيه يأتي في محلّه.
صرّح الفقهاء بحرمة تناول السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، مائعها وجامدها،
من دون خلاف في ذلك،
بل
الإجماع عليه.
واستدلّ له
بما ورد في الكتاب العزيز من النهي عن قتل النفس، كقوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»،
وبقوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ».
وبما ورد عن
الإمام الصادق عليه السلام: «كلّ شيء تكون فيه المضرّة على الإنسان في بدنه فحرام أكله إلّافي حال الضرورة...
وما كان من صنوف البقول ممّا فيه المضرّة على الإنسان في أكله، نظير بقول السموم القاتلة، ونظير الدفلي،
وغير ذلك من صنوف السمّ القاتل، فحرام أكله».
وأمّا تناول ما يضرّ
بالبدن من السموم لكن دون أن يبلغ حدّ التلف والهلكة، فالمعروف
حرمته إن أوجب الضرر علماً أو ظنّاً، بل خوفاً معتدّاً به،
وعليه دعوى
الإجماع .
قال
الشهيد الثاني : «إنّ مناط تحريم هذه الأشياء الإضرار بالبدن والمزاج، فما كان من السموم مضرّاً فتناول قليله وكثيره محرّم مطلقاً، سواء بلغ الضرر حدّ التلف أم لا، بل يكفي فيه سوء المزاج على وجه يظهر ضرره، وإن كان ممّا يضرّ كثيره دون قليله يقيّد تحريمه بالقدر الذي يحصل به الضرر، وذلك كالأفيون
والسقمونيا
والحنظل ونحوها...»».
نعم، ذهب بعض الفقهاء إلى عدم حرمة الإضرار بالنفس في جميع الموارد.
قال
السيّد الخوئي : «ذكر
شيخنا الأنصاري في رسالته المعمولة في قاعدة لا ضرر: أنّ الإضرار بالنفس كالإضرار بالغير محرّم بالأدلّة العقلية والنقلية. ولكنّ التحقيق عدم ثبوت ذلك على إطلاقه، أي في غير التهلكة، وما هو مبغوض في الشريعة المقدّسة، كقطع الأعضاء ونحوه».
وكيف كان، فقد استدلّ على تحريم الإضرار بالنفس بعدّة وجوه:
۱- ما دلّ على نفي الضرر والضرار.
واشكل عليه بأنّ قوله: (لا ضرر) لا يدلّ على حرمة الإضرار بالغير فضلًا عن الإضرار بالنفس، وأمّا قوله: (لا ضرار) فإنّه يدلّ على حرمة الإضرار بالغير فقط.
۲- التمسّك بالتعليل الوارد في المنع عن تناول الطين، بأنّ فيه إعانة على النفس.
واشكل عليه بأنّ هذا التعليل غير موجود في النصوص. نعم، ورد «أنّه يورث السقم، ويهيّج الداء»
من دون جعله علّة للتحريم.
۳- التمسّك
بما ورد في رواية المفضّل: «... وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه، وحرّمه عليهم».
ونوقش فيه بأنّ التأمّل فيها يشهد بعدم دلالتها على حرمة الإضرار بالنفس؛ لأنّ المستفاد منها أنّ الضرر حكمة في التحريم لا أنّه موضوع له، وإلّا للزم عدم حرمة الميتة من غير
الإدمان ، فإنّه ذكر فيها ترتّب الضرر على إدمانها.
وكذلك يستلزم القول بانتفاء الحرمة إذا قطعنا بانتفاء الضرر، كما في أكل القليل من الميتة بمقدار نقطع بعدم ترتّب الضرر عليه، مع أنّ ذلك خلاف الضرورة من الدين.
هذا، مضافاً إلى أنّنا نقطع بعدم كون الميتة بجميع أقسامها مضرّة، كما إذا ذبح حيوان إلى غير جهة القبلة، فهل يحتمل كونها مضرّة في حال تعمّد الذبح إلى غير جهة القبلة دون عدم تعمّد ذلك؟!.
۴- مرسل
تحف العقول : «كلّ شيء يكون فيه المضرّة... فحرام أكله».
واشكل عليه بأنّ المستفاد منه أنّ الحكمة في حرمة بعض الأشياء كونها مضرّة بحسب النوع، ولا دلالة له على دوران الحرمة مدار الضرر، مضافاً إلى ضعف الرواية سنداً.
وأجاب عنه
السيّد الخوانساري بأنّ لازم ذلك لزوم الاحتراز عن مثل شرب الماء، وأكل الطعام زائداً على اللازم إذا أضرّ، والظاهر أنّ السيرة قائمة على خلاف ذلك.
ثمّ إنّه قال المحقّق: «ما لا يقتل القليل منها كالأفيون والسقمونيا في تناول القيراط والقيراطين إلى ربع الدينار في جملة حوائج المسهل، فهذا لا بأس به؛ لغلبة الظنّ بالسلامة».
وأشكل عليه
الشهيد الثاني بأنّ المرجع في القدر المضرّ إلى ما يعلم بالتجربة أو يخبر به عارف يفيد قوله الظن، وحينئذٍ فالمرجع فيه هو الظنّ، ولا يتقدّر بما ذكره المحقّق من القيراط والقيراطين؛ لأنّ الطبيب قد يرى المصلحة فيما هو أزيد من ذلك على وجه لا ضرر فيه، حتّى لو فرض شخص لا يضرّه السمّ لم يحرم عليه تناوله.
جوّز بعض الفقهاء تناول السموم للتداوي عن داء وإن جازف في ذلك وخاطر إذا كان جارياً مجرى العقلاء.
واستدلّ عليه- مضافاً إلى السيرة المستمرّة-
بإطلاق بعض النصوص
:
منها: ما رواه
إسماعيل بن الحسن المتطبّب، قال:... قلت له: إنّا نبطّ الجرح ونكوي بالنار؟ قال عليه السلام: «لا بأس»، قلت: ونسقي هذه السموم الاسمحيقون
والغاريقون
؟ قال: «لا بأس»، قلت: إنّه ربما مات، قال: «وإن مات».
ومنها: ما رواه
يونس بن يعقوب ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يشرب الدواء، ويقطع العرق، وربّما انتفع به، وربّما قتله؟ قال: «يقطع ويشرب».
ومنها: ما في خبر
إبراهيم بن محمّد ، عن
أبي الحسن العسكري عن آبائه عليهم السلام قال: «قيل
للصادق عليه السلام: الرجل يكتوي بالنار، وربما قتل، وربما تخلّص؟ قال: قد اكتوى رجل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو قائم على رأسه».
ومنها: ما رواه
محمّد بن مسلم ، قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام: هل يعالج بالكي؟
فقال عليه السلام: «نعم، إنّ اللَّه جعل في الدواء بركة وشفاء وخيراً كثيراً، وما على الرجل أن يتداوى، ولا بأس به».
ومنها: ما عن
يونس بن يعقوب ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يشرب الدواء، وربما قتل، وربما سلم منه، وما يسلم أكثر، فقال عليه السلام: «أنزل اللَّه الدواء، وأنزل الشفاء، وما خلق اللَّه تعالى داءً إلّاوجعل له دواءً، فاشرب وسمِّ اللَّه تعالى».
فإنّ المستفاد من هذه الأخبار جواز المعالجة مع احتمال الضرر والموت مع رجحانها عند العقلاء، وأمّا مع عدم الرجحان- بأن كان المظنون هو الضرر أو الموت بسبب المعالجة- فلا يجوز، ولذا نرى أنّ الأطبّاء المحتاطين لا يقدمون على ذلك.
يحرم تناول المسكرات
كالخمر وما يلحق به حقيقة أو حكماً- والذي يأتي تفصيله في المائعات-
والحشيشة وما يتّخذ من الحنطة
والبنج
ونحوها من المعاجين المسكرة؛
وذلك لأنّ كلّ مسكر حرام
إجماعاً ، فتوى
ونصّاً.
ولقول
أبي الحسن الماضي عليه السلام: «إنّ اللَّه عزّوجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»،
وغيره من النصوص الواردة في حرمة الخمر لفعلها وعاقبتها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۱۲۴-۱۳۱.