الدعاء بالمأثور في الاستنجاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يستحبّ الدعاء بالمأثور في مواضع متعددة من
الاستنجاء :
ذكر غير واحد من الفقهاء استحباب
الدعاء عند رؤية الماء
بأن يقول: (الحمد للَّهالذي جعل الماء طهوراً، ولم يجعله نجساً)
واستدلّوا عليه
برواية
عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن
الصادق عليه السلام التي ورد فيها: «بينا
أميرالمؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع محمّد ابن الحنفية إذ قال له: يا محمّد إيتني بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة، فأتاه محمّد بالماء، فأكفاه، فصبّه بيده اليسرى على يده اليمنى، ثمّ قال: بسم اللَّه وباللَّه، والحمد للَّه الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً».
إلّاأنّ هناك من رفض
الاستدلال بهذه الرواية مؤكّداً عدم وجود ما يدلّ فيها على رؤية الماء،
ولعلّه لذلك عدل
الشيخ الصدوق عن الحكم باستحباب الدعاء عند الرؤية إلى استحباب الدعاء عند صبّ الماء على اليد.
بينما أكّد بعضهم على
إمكان استفادة ذلك من قوله عليه السلام: «... فأكفأ (الماء) بيده اليمنى على يده اليسرى».
صرّح كثير من الأعلام باستحباب الدعاء عند الاستنجاء،
بأن يقول: (اللهمّ حصّن فرجي، وأعفّه، واستر عورتي، وحرّمني على النار).
وممّا يدلّ على ذلك رواية
ابن كثير المتقدّمة المشتملة على الدعاء المذكور.
ومن الفقهاء من أضاف: (يا ذا الجلال والإكرام) بعد قوله: (وحرّمني على النار).
ومنهم من أضاف: (ووفّقني لما يقرّبني منك يا ذا الجلال والإكرام) بعد قوله:(وحرّمني على النار).
إلّاأنّه أورد عليه بأنّ الرواية غير مشتملة على قوله: (ووفّقني) وما بعده.
وهناك صيغ أخرى للدعاء عند الاستنجاء، كالتي ذكرها
الشيخ في
الاقتصاد ، وهي: «اللهمّ حصّن فرجي، واستر عورتي، ووفّقني لما يرضيك عنّي، ياذا الجلال والإكرام».
وكالصيغة التي ذكرها
ابن البرّاج ، وهي:«الحمد للَّهالذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً، اللهمّ حصّن فرجي وفروج أوليائي وذرّيتي، وفروج المؤمنين من ارتكاب معاصيك حتى لا نعصيك أبداً ما أبقيتنا، إنّك تعصم من تشاء من عبادك».
وكذا الصيغة المستفادة من استدلال بعضهم
بمرسلة الصدوق عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه إذا استوى جالساً للوضوء قال: «اللهمّ أذهب عنّي القذى والأذى، واجعلني من المتطهّرين».
والمقصود بالوضوء هنا التطهير بعد
قضاء الحاجة، كما يشعر به كلام [[|العلّامة]] في
النهاية ،
خصوصاً مع ملاحظة ما ذكره البعض من أنّ الوضوء يطلق أحياناً في الأخبار على ما يغسل به سائر البدن.
ذكر الفقهاء من آداب الاستنجاء الدعاء عند الفراغ منه، إلّاأنّ عباراتهم اختلفت في تحديد موضعه، وفي الأدعية الواردة فيه:
فمنهم من أطلق ذلك من دون تقييده بحال القيام أو بمسح البطن، ومن دون تحديده بصيغة معيّنة،
وإن كان الظاهر الدعاء المذكور عند مسح البطن الذي سوف نشير إليه قريباً؛ لأنّه الأقرب إلى التخلّي كما قيل.
وتدلّ
عليه رواية
أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام، قال: «... وإذا فرغت فقل:الحمد للَّهالذي عافاني من البلاء، وأماط عنّي الأذى».
والاستدلال بها إنّما يتمّ بناءً على كون المراد بالفراغ في الرواية الفراغ عن الاستنجاء لا التخلّي.
ومنهم من ذكر أنّ الدعاء يكون بعد الفراغ والقيام من الاستنجاء، بأن يمسح بطنه بيده اليمنى
إلّاأنّه ليس فيه: «اليمنى».
ويقول: (الحمد للَّهالذي أماط عنّي الأذى، وهنّأني طعامي وشرابي، وعافاني من البلوى)،
ولم يذكر فيه: «وشرابي». وقد روي ذلك عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال:«... فإذا فرغت فقل: الحمد للَّهالذي أماط عنّي الأذى وهنّأني طعامي وشرابي»،
لكن مع أنّه لم يذكر فيه (وعافاني من البلوى) غير مقيّد بحالة القيام من الموضع،
وبه ورد ما في المرسلة
أنّ عليّاً عليه السلام كان إذا خرج من الخلاء مسح بطنه، وقال: «الحمد للَّهالذي أخرج عنّي أذاه، وأبقى فيّ قوّته، فيا لها من نعمة لا يقدّر القادرون قدرها»،
لكن متنها لا يوافق صيغة الدعاء المذكور.
ولابدّ من
الإشارة إلى إمكان أن يكون مراد من قيّد الدعاء المذكور بمسح البطن هو أن يكون حال القيام،
بقرينة تقييد البعض للدعاء عند مسح البطن بحال القيام،
خصوصاً مع عدم تقييد أحدٍ له بحال الجلوس.
ومنهم من اكتفى بالدعاء المأثور عند مسح بطنه إذا قام من موضعه.
بينما لم يقيّد الصدوق ذلك بحال القيام،
ولا بمسح البطن، حيث قال: «وإذا فرغت من حاجتك فقل: الحمد للَّهالذي أماط عنّي...»،
إلّاأنّ ظاهره- كما قيل
- الدعاء قبل الاستنجاء لا حينه.
ومنهم من أضاف إلى الدعاء المذكور بعد (وعافاني من البلوى) : (الحمد للَّه الذي رزقني ما اغتذيت به، وعرّفني لذّته، وأبقى في جسدي قوّته، وأخرج عنّي أذاه، يا لها نعمة، يا لها نعمة، يا لها نعمة لا يقدّر القادرون قدرها).
وفيها «يا لها نعمة» مرّتين.
وفيه: «يا لها نعمة» مرّة واحدة.
وقد وردت هذه
الإضافة في المرسلة السابقة ورواية القدّاح
المستدلّ بهما على
استحباب قراءة ذلك الدعاء عند الخروج من الخلاء.
ومنهم من اعتبر الدعاء مستحبّاً في موضعين:
الأوّل: عند الفراغ من الاستنجاء، بأن يقول: (الحمد للَّهالذي عافاني من البلاء، وأماط عنّي الأذى).
الثاني: عند القيام عن محلّ الاستنجاء، بأن يمسح يده اليمنى على بطنه ويقول:(الحمد للَّهالذي أماط عنّي الأذى، وهنّأني طعامي وشرابي، وعافاني من البلوى).
عموم الحكم للتطهير بغير الماء:
لم نعثر في كلمات الأعلام على تصريح بعدم جريان الأدعية في مورد الاستنجاء بغير الماء، بل صرّح بعضهم بشمول استحباب الدعاء لموارد الاستنجاء بغير الماء،
ويمكن استفادة ذلك من كلّ من أطلق الاستحباب من دون تقييد بالماء.
نعم، هناك كلام للشيخ الطوسي قد يستفاد منه التقييد، وذلك عندما قال:«يستحبّ الدعاء عند غسل الفرجين، وعند الفراغ من
الاستنجاء ...»،
ولعلّ ذلك بالنسبة إلى بعض الروايات الواردة في الاستنجاء بالماء دون الأحجار.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۳۳۶-۳۴۰.