الدم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأطعمة والأشربة (توضيح).
وهو الذي يخرج عند قطع العرق والذبح.
وهو على قسمين:
صرّح
الفقهاء بحرمة الدم المسفوح،
وهو الذي يخرج بقوّة عند قطع العرق والذبح،
أو هو المصبوب السائل كالدم في العروق لا كالكبد والطحال،
بل قد نفى بعضهم
الخلاف في ذلك،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
ويدلّ عليه من الكتاب العزيز - مضافاً إلى شمول الأدلّة العامّة له؛ لكونه من الخبائث، ولكونه نجساً- قوله تعالى: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ»،
وقوله تعالى: «قُل لَاأَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً».
ومن السنّة: النصوص المستفيضة
منها: الأخبار الواردة في محرّمات الذبيحة،
وخصوص ما روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «وأمّا الدم فإنّه يورث أكله الماء الأصفر... ويورث الكَلَب (الكَلَب: داء يشبه الجنون يأخذه فيعقر الناس)،
والقسوة في القلب، وقلّة الرأفة والرحمة».
وأمّا غير المسفوح من ذي النفس السائلة الخارج بغير قوّة ولا انصباب- كالدم الخارج بسبب الشوكة أو الخدشة ونحوهما- فقد ادّعى بعضهم عدم الخلاف في نجاسته،
بل
الإجماع والاتّفاق
على ذلك، فشربه أيضاً حرام.
واستدلّ على حرمته بقوله تعالى: «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» بناءً على كون المراد من المسفوح مطلق الخارج من ذي النفس،
أو ما شأنه أن يكون مسفوحاً،
أو يقال بأنّه جميع دماء ذي النفس من العروق وإن كانت دقاقاً.
نعم، لو كان دم ما لا يحلّ أكله فحرمته مستندة إلى جهة اخرى، وهي أنّه جزء ممّا لا يحلّ.
وأمّا الدم المتخلّف في الذبيحة من ذي النفس السائلة فظاهر كثير من الفقهاء حلّيته مطلقاً من دون تقييد بما قد يعدّ جزءً من اللحم أو لا،
بل نسب
المحدّث البحراني إلى الفقهاء عدم
الخلاف في حلّيته،
بل ادّعى بعضهم
الإجماع عليه.
لكن
السيّد الخوئي يرى عدم صحّة نسبة عدم الخلاف إلى الفقهاء، فإنّه لا يمكنهم القول بحلّيته مطلقاً، والآية والنصوص تدلّ على حرمة الدم مطلقاً، وإنّما خرج ما يعدّ جزءً من اللحم، ولعلّ كلماتهم تحمل على ما يعدّ جزءً من اللحم فقط.
هذا، وقد صرّح جماعة بحرمة كلّ دم متخلّف في الذبيحة عدا ما يعدّ جزءً من اللحم، فإنّه حلال.
وكيف كان، فدليل الحلّ في خصوص ما يعدّ جزءً من اللحم الأصل، والسيرة المستمرّة على عدم الاجتناب،
ولاستلزام تحريمه العسر والحرج؛ لعدم خلوّ اللحم منه وإن غسل مرّات.
وأمّا حلّيته مطلقاً فاستدلّ عليها بوجوه:
منها: قوله تعالى: «أَودَمَاً مَسفُوحَاً»،
فإنّه يقتضي حلّية المتبقي مطلقاً؛ لكونه غير مسفوح.
واجيب عنه بأنّه إن كان نظر المستدلّ إلى صدر الآية والحصر الوارد فيها، ففيه: أنّ الحصر ليس حقيقيّاً؛ لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن؛ لوضوح أنّ المحرّمات غير منحصرة في تلك الامور، فلابدّ من تأويله، إمّا بحمله على الحصر الإضافي بدعوى أنّ المحرّمات بالإضافة إلى ما جعلته العرب محرّماً على نفسها في ذلك العصر منحصرة في تلك الامور، وإمّا بحمله على زمان نزول الآية وانحصار المحرّمات فيها في ذلك الزمان للتدرّج في بيان الأحكام.
وإن كان النظر إلى مفهوم الوصف فيرد عليه: أنّ مفاده ترتّب الحرمة على حصّة خاصّة، وهي المسفوح، ولكن لا دلالة له على أنّ فاقد الوصف غير محكوم بذلك الحكم ولو بسبب وصف آخر.
ثمّ إنّه من المحتمل أن يكون المراد من المسفوح المراق، فكلّ دم تجاوز عن محلّه فهو مسفوح، فيشمل المتخلّف أيضاً، وينحصر غير المسفوح حينئذٍ بما يعدّ جزءً من اللحم.
هذا، واستثني من الدم المتخلّف الدم الذي يجذبه الحيوان بالتنفّس إلى باطن الذبيحة،
فإنّه لا إشكال في حرمته؛ لأنّه من جملة الدم المسفوح وممّا يدفعه الحيوان، وإنّما تخلّف لعارض.
استحسن الشهيد في الروضة القول بتحريم الدم المتخلّف في القلب والكبد،
وذكر في
المسالك أنّه لو قيل بالتحريم كان وجهاً؛ وذلك لعموم تحريم الدم وكونه من الخبائث.
وعلّق عليه في
الجواهر بأنّه «اعترف سابقاً بتخصيص العموم بمفهوم المسفوح ومنع العلم بخباثته، خصوصاً بعد تعارف أكله معهما».
بينما صرّح بحلّه بعض الفقهاء،
قال في جامع المدارك: «نعم، الدم في الكبد أو في اللحم حيث لا يكون ظاهراً، لكنّه بعد إلقاء اللحم في الماء يتلوّن الماء بلون الدم، لا إشكال فيه؛ لقيام السيرة على عدم الاجتناب عنه».
وتردّد
المحقّق السبزواري فيه، ثمّ قال: «ولا يبعد ترجيح عدم التحريم».
هذا كلّه في الدم المتخلّف في الذبيحة إن كانت ممّا يحلّ أكله، وأمّا الدم المتخلّف في ذبيحة ما لا يحلّ أكله فقد صرّح جماعة بحرمة المتخلّف فيها من الدم،
ويمكن استظهار ذلك ممّن حكم بحلّ المتخلّف في لحم الحيوان المأكول خاصة، ولم يتعرّض لحكم غير المأكول.
ومستنده كما في
الحدائق ظواهر الأدلّة الدالّة على تحريم ما لا يؤكل لحمه الشاملة للدم وغيره، ونسب المحقّق السبزواري إلى بعض المتأخّرين،
والفاضل النراقي إلى بعض الأصحاب
التوقّف في الحكم بتحريمه.
الحيوان الذي ليس له نفس سائلة تارة يكون ممّا يحرم أكله، واخرى ممّا يحلّ أكله:
أمّا دم ما يحرم أكله فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى حرمته،
ونسبه في
الرياض إلى الأكثر،
ثمّ صرّح بأنّه لم يقف على مخالف صريح عدا من استدلّ على طهارة ما عدا المسفوح بقوله تعالى: «قُل لَاأَجِدُ...» كالحلّي في
السرائر والعلّامة في
المختلف ،
ومن قيّد المحرّم من الدم بالمسفوح ولم يذكر تحريم غيره
كالغنية ،
ونفى
الخلاف عنه أيضاً
المحقّق النجفي وغيره،
بل قال بأنّه يمكن دعوى
الإجماع عليه.
واستدلّ له تارة بعموم قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ»،
لكنّه أشكل عليه
بأنّ
إطلاقه مقيّد بقوله تعالى: «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً».
واجيب عنه بأنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما هو على تقدير المنافاة، ولا منافاة بين الآيتين إلا باعتبار المفهوم، ومفهوم الوصف غير حجّة. على أنّ في تخصيص العامّ بالمفهوم كلام.
واخرى استدلّ له بكونه من الخبائث،
لكن منعه بعضهم.
وثالثة بكونه تابعاً لحرمة الحيوان؛ لأنّه من أجزائه.
وأمّا دم ما يحلّ أكله- كالسمك- فلا خلاف في حلّيته،
بل ادّعي الإجماع عليه،
وقد أطلق جماعة حلّه
من دون تفصيل بين ما يؤكل منه مع السمك وبين ما يؤكل بمفرده.
واستدلّ له بقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ».
قال ابن زهرة: «لأنّه يقتضي إباحة أكل السمك بجميع أجزائه».
وبقوله تعالى: «قُل لَاأَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ...»،
ودم السمك ليس بمسفوح، فيجب أن لا يكون محرّماً.
لكن في
الكفاية : أنّ «ظاهر كثير من عباراتهم تخصيص التحليل بالدم المتخلّف في الذبيحة، وتعميم التحريم في غيره من الدماء»، ثمّ نسب إلى بعضهم التصريح بالتحريم في دم السمك، وقال: «والظاهر أنّه لا حجّة له سوى دعوى الاستخباث، وهو موضع نظر، وإذا لم يثبت ذلك كانت الآية حجّة قويّة على الحلّ».
وفصّل جماعة من الفقهاء فجعلوا الحلال منه ما يؤكل معه فقط؛
للسيرة القطعيّة على أكله كذلك، ولأنّ ما دلّ على حلّ أكله يتناول دمه معه.
وأمّا أكله منفرداً فيبقى تحت إطلاق ما دلّ على حرمة الدم كتاباً وسنّة.
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّ التبعية وإن كانت مسلّمة مع عدم الاستثناء وقد استثني الدم في الذبيحة ولم يستثنى في مثل السمك، إلّاأنّ عموم دليل حرمة الدم يكفي في حرمته.
حكم العَلَقة: صرّح المحقّق والعلّامة وجماعة بتحريم العلقة،
ونفى عنه في الجواهر الخلاف والإشكال،
بل في
الرياض : أنّه لا شبهة في ذلك،
وهو مختار كلّ من ذهب إلى نجاستها،
فإنّ مقتضى القول بالنجاسة التحريم.
واستدلّ عليه بالاستخباث،
وبصدق الدم.
ويظهر من صاحب المعالم الميل إلى الحلّ،
واستقربه
المحدّث البحراني .
واستدلّ له في
المعالم بقوله تعالى: «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً»،
حيث إنّه دالّ على حلّ غير المسفوح مطلقاً، خرج عن ذلك ما وقع الاتّفاق على تحريمه فيبقى الباقي.
وكذا صرّح المحقّق والعلّامة وجماعة من الفقهاء بتحريم العلقة في البيضة،
واستدلّ عليه بعضهم بالنجاسة والخباثة.
بينما مال في المعالم إلى القول بحلّها في البيضة،
واستقربه في
الحدائق أيضاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۱۷۱-۱۷۷.