الشك بين الاثنين والثلاث في الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأما حكم
الشك في أخيرتي الرباعية (فإن حصّل الأوليين من الرباعية عددا) وتيقنهما (وشك) بعد رفع الرأس من السجدة الثانية (في الزائد) عليهما هل أتى به أم لا (فإن غلب) على
ظنّه أحدهما بمعنى رجحانه وصيرورته عنده مظنونا (بنى على ظنّه) فيجعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط (وإن تساوى الاحتمالان فصوره) المشهورة الغالبة (أربع : أن يشك بين الاثنين والثلاث، أو بين الثلاث والأربع، أو بين الاثنين والأربع، أو بين الاثنين والثلاث والأربع ).
(ففي) القسم (الأول) من هذه الصور (يبني على الأكثر ويتم) الصلاة (ثمَّ) بعد الإتمام (يحتاط بركعتين) حال كونه فيهما (جالسا، أو بركعة قائما).
أما وجوب البناء على الأكثر هنا ـ بل في جميع الصور ـ فهو مذهب الأكثر، بل عليه الإجماع في صريح
الانتصار والخلاف وظاهر
السرائر وغيره،
وعن أمالي الصدوق أنه جعله من دين
الإمامية الذي يجب الإقرار به؛
وهو الحجّة.
مضافا إلى الموثقة العامة لجميع الصور
كالإجماعات المنقولة ، وفيها : «أجمع لك السهو في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك قد نقصت».
وقصور السند مجبور بالعمل والموافقة للصحاح المستفيضة وغيرها في باقي الصور، وخصوص الصحيح في هذه الصورة، وفيه : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا، قال : «إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى ولا شيء عليه ويسلّم».
والإنصاف عدم وضوح دلالته بحيث يصلح للحجية وإن أمكن تصحيحها بنوع ممّا ذكرته في الشرح مشروحا، لكنه غير خال عن شوب المناقشة، ولا حاجة لنا إليه بعد قيام الحجة ممّا قدّمنا إليه الإشارة، مضافا إلى ما يحكى عن العماني من
تواتر الأخبار في المسألة.
وأما الصحيح : عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا قال : «يعيد»، قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟! فقال : «إنما ذلك في الثلاث والأربع».
فشاذّ منقول على خلافه الإجماع عن الفاضلين،
وإن حكي الفتوى بمضمونه عن
المقنع والفقيه،
محمول على محامل أقربها الحمل على وقوع الشك قبل
إكمال السجدتين كما يفهم من الصحيحة الأولى المفصّلة بين الصورتين كالأصحاب فيما نقله عنهم جماعة،
معلّلين بوجوب المحافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأوليين.
ومقتضى الرواية اعتبار رفع الرأس عن السجدة. خلافا لبعضهم، فاكتفى بكمالها ولو لم يرفع الرأس منها.
وهو ضعيف. وأضعف منه
الاكتفاء بالركوع كما حكي في المسألة قولا.
ولا يختص هذا الحكم بما نحن فيه، بل يجري في كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين؛ لما مرّ {من حكاية تصريح الأصحاب، مضافا إلى عموم تعليل جماعة. منه رحمه الله }. وأمّا النصوص المتضمنة للبناء على الأقل مطلقا
فغير مكافئة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة وإن تضمنت الصحيح والموثق وغير هما، سيّما مع قوة احتمال ورودها مورد
التقية كما صرّح به جماعة،
مع عدم صراحتها في الدلالة :
فإنّ غاية ما تضمنه الأوّلان هو البناء على
اليقين ، وهو كما يحتمل البناء على الأقل كذا يحتمل البناء على الأكثر، بل لعلّ هذا أظهر كما يستفاد من الخبر المروي عن
قرب الإسناد وفيه : رجل صلّى ركعتين وشك في الثالثة، قال : «يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهد وقام وصلّى ركعة
بفاتحة القرآن»
فتدبر.
ووجه اليقين حينئذ ما أشار إليه جمع ومنهم
المرتضى رحمه الله في الانتصار حيث قال في توجيه مذهب الأصحاب زيادة على الإجماع : ولأن
الاحتياط أيضا فيه؛ لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته.
ثمَّ قال : فإذا قيل : وإذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا ينفع ما فعله من الجبران، لأنه منفصل من الصلاة وبعد
التسليم . قلنا : ما ذهبنا إليه أحوط على كل حال؛ لأن
الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه.
وقريب منه كلام الفاضلين في
المعتبر والمنتهى،
وكلاهما ـ كغيرهما ـ كالصريح بل صريح في أنّ البناء على اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر لا الأقل.
ومن هنا ينقدح فساد نسبة جماعة
القول بالبناء على الأقل إلى المرتضى رحمه الله في الناصرية، لقوله فيها : إنّ من شك في الأخيرتين يبني على اليقين، قائلا : إنّ هذا مذهبنا، وهو الصحيح عندنا، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
وفي قوله «هذا» إشارة أخرى إلى ما ذكرنا أيضا كما لا يخفى، فتأمل.
وأما غيرهما فهو وإن تضمّن لفظ البناء على النقص لكنه مطلق بالنسبة إلى وقت البناء، فيحتمل كونه بعد السلام والخروج عن الصلاة، كما وجّه به الحلّي كلام المرتضى، زعما منه كون البناء في كلامه رحمه الله هو البناء على الأقل، قال في جملة كلام له : فقبل سلامه يبني على الأكثر، لأجل التسليم، وبعده يبني على الأقل كأنه ما صلّى إلاّ ما تيقنه، وما شك فيه يأتي به ليقطع على
براءة ذمته.
وبالجملة : فمعارضة هذه النصوص لما قدّمنا غير معلومة، وعلى تقديرها فهي لها غير مكافئة، لما عرفته. فلا وجه للقول بها، كما لا وجه لنسبته إلى المرتضى رحمه الله.
وأضعف منهما حملها على
التخيير ، جمعا بينها وبين ما مضى؛ لفقد التكافؤ أوّلا، وعدم شاهد على الجمع ثانيا، مع ندرة القائل به، إذ لم يحك إلاّ عن الصدوق
وقد مرّ دعواه الإجماع على البناء على الأكثر. هذا حكم البناء.
وأما وجوب الاحتياط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام مخيّرا بينهما فلم نقف فيه (على رواية) بالخصوص، نعم وردت بذلك في الصورة الثانية، وقد أجرى هذه الصورة مجراها معظم الأصحاب كما في الذكرى،
بل عامتهم، كما يستفاد من
روض الجنان ،
ونقلا عن
العماني تواتر الأخبار بذلك.
وبورود الرواية بكل من الأمرين هنا صرّح الحلّي في السرائر بعد أن أفتى بهما مخيّرا بينهما،
وعليه الإجماع في
الانتصار والخلاف
هنا وفي الصورة الثانية، هو الأشهر الأقوى فيهما.
خلافا للمحكي عن
المفيد والقاضي
فعيّنا الأخير مطلقا؛ لظاهر البدلية في الموثقة
وغيرها.
ويردّه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من النصوص بالأول أيضا في الصورة الثانية، فكذا في هذه الصورة، لعدم القول بالفرق بينهما منهما، بل ولا من أحد من الطائفة كا عرفته.
وعكس العماني
والجعفي ،
فعيّنا الأول مطلقا، لظاهر الصحاح الآتية الآمرة به في الثانية، فكذا في هذه الصورة، لما عرفته.
ويردّه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من المرسل المنجبر بالعمل المصرّح بالتخيير بين الأمرين، هذا.
والقول الأول أحوط هنا كالثاني فيما يأتي، عملا في كل منهما بظواهر الأخبار، ولو لا
الإجماعات المنقولة ، والروايات المرسلة المنجبرة بالشهرة، وشبهة عدم القول بالفرق بين الصورتين لكان الاحتياط بكل منهما متعينا، لكن بعدها لا تأمل في التخيير ولا شبهة.
رياض المسائل، ج۴، ص۱۳۶-۱۴۲.