الكتب المؤلفة في آيات الأحكام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لقد اهتمّ علماء
الشيعة بالبحث في آيات الأحكام؛ فإنّ جملة من الأحاديث الصادرة عن
أهل البيت عليهم السلام مرتبطة بتفسير القرآن وآيات أحكامه.والذي وقع في أيدينا من الكتب في هذا الفنّ، وتحت هذا الإسم أو ما يشبهه في طول التاريخ عشرات المؤلّفات، جمع منها صاحب
الذريعة ما يقرب الثلاثين
وننبّه على أنّا قد أعددنا فهرسة بالكتب والرسائل والبحوث للتعريف بالتراث الضخم الذي خلّفه علماؤنا الأبرار في آيات الأحكام، وهو يقرب من مائة كتاب، ومائة رسالة ومقالة، وقد وضعناها في آخر هذا المجلّد، فليلاحظ الملحق
حيث بحث قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»
وقوله: «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ»
أيضاً: البحث حول قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»
وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»
ومن الواضح عدم
انحصار الكتب المؤلّفة من الشيعة في البحث عن
آيات الأحكام في ذلك العدد؛ لأنّ عدداً كثيراً من مؤلّفي هذا الفنّ لم يُسمّ كتابه بآيات الأحكام، بل اختار لكتابه اسماً آخر وإن كان الكتاب تفسيراً لتلك الآيات والبحث حول مضامينها، بل إنّ جملة كبيرة من الأبحاث التي تدور حول آيات الأحكام قد أودعوها في غضون تفاسيرهم،
تفسير قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ»
وكتبهم،
ورسائلهم الفقهيّة؛
نظير آية الوضوء، لذا فقد يعثر المتتبّع على دراسات قيّمة بهذا الصدد وردت ضمناً ولم تفرد بمؤلَّف مستقلّ، بل إنّ كثيراً من عمليّات
الاستدلال الفقهيّة التي تبدو في ظاهرها أنّها استدلال بالروايات، هي في واقعها استدلال بآيات الأحكام؛ لأنّ قسطاً وافراً من هذه الروايات ورد بشأن تفسير آيات الأحكام، وبيان تطبيقاتها.
ومهما يكن من أمر فلقد كان لعلماء الشيعة قصب السبق في التأليف في هذا المجال، قال في الذريعة: «آيات الأحكام الموسوم بكتاب (أحكام القرآن) لأبي النضر محمّد بن السائب بن بشر الكلبي (ت/ ۱۴۶ ه) من أصحاب
أبي جعفر الباقر وأبي عبد اللَّه الصادق عليهما السلام، وهو والد
هشام الكلبي النسّابة الشهير، وصاحب التفسير الكبير الذي هو أبسط التفاسير، كما أذعن به العلّامة
السيوطي في
الاتقان . قال ابن النديم في الفهرست- عند ذكره للكتب المؤلَّفة في علم أحكام القرآن- ما لفظه: كتاب أحكام القرآن للكلبي، رواه عن ابن عبّاس».
إذن فهو أوّل من صنّف في هذا الفنّ كما يظهر من تاريخه، لا [[|محمد بن إدريس الشافعي]] (ت/ ۲۰۴ ه)، كما ذكره السيوطي، وكذا صرّح به في
كشف الظنون في عنوان أحكام القرآن؛ لأنّ ولادة الشافعي بعد وفاة
الكلبي بتسع سنين، فإنّه ولد(سنة ۱۵۵ ه)، ولا القاسم بن أصبغ ابن محمّد بن يوسف البياني القرطبي الأندلسي الأخباري اللغوي (ت/ ۳۴۰ ه) والمولود بعد وفاة الشافعي بثلاث وأربعين سنة.
ومن جملة الكتب المؤلَّفة في آيات الأحكام (فقه القرآن) للفقيه
قطب الدين الراوندي (ت/ ۵۷۳ ه)، وكذلك كتاب (متشابه القرآن ومختلفه) تأليف الشيخ الجليل رشيد الدين محمّد بن عليّ
بن شهرآشوب المازندراني (ت/ ۵۸۸ ه)، وهو وإن لم يخصِّص جميع كتابه لبحث آيات الأحكام إلّا أنّه خصّص فصلًا تحت عنوان «باب فيما يحكم عليه الفقهاء»، وحاول
استيعاب آيات الأحكام. وأيضاً كتاب (النهاية في تفسير خمسمائة آية) لفخر الدين بن المتوّج (ت/ أواخر القرن الثامن).وفي القرن السابع والثامن استثمر علماء الشيعة الفرص المتاحة لهم، وألّفوا في ذلك العديد من الكتب.وفي القرن التاسع- وبعد أن كانت الكتابة في التفسير منحصرة فيمن تمخّض في العلوم القرآنية
كالطبرسي في القرن السادس- تناول الفقهاء الجانب التفسيري بالبحث حيث نرى (منهاج الهداية في تفسير خمسمائة آية) لجمال الدين ابن المتوّج (ت/ ۸۲۰ ه)، و (آيات الأحكام) لناصر بن أحمد بن المتوّج.
و (كنز العرفان) للفاضل المقداد السيوري (ت/ ۸۲۶ ه) و (زبدة البيان)
للمقدّس الأردبيلي (ت/ ۹۹۳ ه)، وأضراب هؤلاء من الفقهاء الذين ألّفوا في هذا المجال؛ ولهذا نرى تصاعد نسبة كتب التفسير الفقهي للقرآن الكريم ونموّه في القرنين التاسع والعاشر الهجريّين بشكل ملموس أكثر ممّا كان في القرون السالفة.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۵۳-۵۶.