الكلب والخنزير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الكلب والخنزير) البرّيان بإجماعنا، ووافقنا عليه أكثر من خالفنا، واستفاض حكايته في كلام جماعة من أصحابنا كالخلاف والمعتبر والتذكرة والمنتهى وغيرها.
وقد استفاض بالأوّل صحاح أخبارنا، بل قد صرّح بلفظ النجاسة في بعضها كالصحيح : «إنه رجس نجس».
وفي الخبر : أليس هو بسبع؟ قال : «لا والله إنه نجس، لا والله إنه نجس».
والمراد منه المعنى المصطلح قطعا
بالإجماع وشهادة السياق.وبنجاسة الثاني نطق
القرآن الكريم (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)
وهو هنا النجس بلا خلاف كما في
التهذيب ،
مضافا إلى النصوص كالصحيح : عن خنزير شرب ماء من
إناء كيف يصنع به؟ قال : «يغسل سبع مرّات».
والنصوص الواردة بخلافها في المقامين
شاذة مطروحة، أو مؤوّلة، أو محمولة على
التقية ، فتأمل.
ثمَّ إنّ مقتضى
الأصل واختصاص ما مرّ من النص ـ بحكم
التبادر والغلبة ـ بالبري : الطهارة في البحري إن قلنا بكون اللفظ حقيقة في جنسه كما هو الأشهر. وإلّا فالإشكال مرتفع من أصله إلّا على القول بجواز
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه في إطلاق واحد إن كان المقام منه كما عن
التحرير ونهاية الإحكام،
أو معنييه المشترك بينهما لفظا إن كان منه كما عن المنتهى.
وكلاهما غير مرضي عند المحقّقين، ومع ذلك يتوقف على وجود القرينة الصارفة أو المعيّنة، وكلّ منهما مفقود في مفروض المسألة.فالقول بنجاسة البحري كما عن الحلّي تبعا للاسم
ضعيف غايته.
كالقول بطهارة ما لا تحلّه الحياة منهما ومن
الكافر كما عن المرتضى،
بناء منه على الأصل، لوجوب تخصيصه بما مرّ لعمومه، بل كون ذلك أغلب أفراده. ودعواه الإجماع ممنوعة، كيف؟! وهو منفرد من بين الطائفة بالقول بالطهارة.نعم : في الخبرين أحدهما الصحيح : عن الحبل يكون من شعر الخنزير، يستقى به الماء من البئر التي يشرب منها، أيتوضأ من ذلك الماء؟ قال : «لا بأس».
وربما أشعر بالطهارة، إلّا أنه مبني على رجوع
الإشارة إلى الماء المستقى دون ماء البئر، ومع ذلك يتوقف على قلّته، وليس بمتعيّن، فيحتمل الرجوع إلى الثاني، أو الأوّل بشرط كثرته، ويتصور في الدلاء العظيمة المحتملة لمقدار الكرّ. ولا ريب في نفي البأس عنه على الاحتمال الثاني، وكذا على الأوّل بناء على المختار من عدم الانفعال.وعلى تقدير التسليم فحملهما على التقية لازم، لحكاية القائل به منّا ذلك عن أبي حنيفة المشتهر رأيه في زمان صدورهما.هذا مع معارضتهما بالمستفيضة الصريحة بالنجاسة، منها : عن شعر
الخنزير يخرز به، قال : «لا بأس ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي».
ومنها : «خذوه ـ أي شعر الخنزير ـ فاغسلوه، فما له دسم فلا تعملوا به، وما لم يكن له دسم فاعملوا به، واغسلوا أيديكم منه».
ومنها فيمن يعمل الحبائل بشعر الخنزير، قال : «إذا فرغ فليغسل يده».
ومنها : «فاعمل به، واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة» قلت : ووضوء؟ قال : «لا، اغسل يدك كما تمس الكلب».
وهي ـ مع استفاضتها
واعتبار أسانيد بعضها واعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون بالغة حدّ الإجماع ـ ظاهرة الدلالة من جهة
الأمر بغسل الملاقي الظاهر هنا في النجاسة بإجماع الطائفة، مع كونه عند الخصم من الأمور المسلّمة. فرجحانها على الخبرين ليس محل ريبة بالضرورة.
رياض المسائل، ج۲، ص۷۶-۷۹.