المائعات المتنجسة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأطعمة والأشربة (توضيح).
وهو جمع مائع وهو المتنجس بشيء من النجاسات
كالدم أو البول أو العذرة وغير ذلك.
يحرم تناول المائع المتنجّس بشيء من النجاسات كالدم أو البول أو العذرة وغير ذلك، سواء كان دهناً أو دبساً أو عسلًا أو غير ذلك،
وقد نفي عنه الخلاف،
بل ادّعي عليه الاتّفاق
تارة،
والإجماع فتوى ودليلًا اخرى.
ودليل التحريم الأخبار الكثيرة
المتضمّنة لوجوب إحراق بعض المائعات النجسة والنهي عن أكلها:
منها: ما رواه
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامداً فألقها وما يليها، وكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك».
ومنها: ما رواه
الحلبي ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الفأرة والدابّة تقع في الطعام والشراب، فتموت فيه، فقال: «... إن كان الصيف فارفعه حتّى تسرج به».
وغير ذلك من النصوص.
حكم وقوع النجاسة في المائع حالة جموده: ذهب الفقهاء إلى أنّ السمن والعسل الجامدين إذا تنجّسا القيت النجاسة عنهما وطرح ما حولها، وكذا الحال في غيرهما من المائعات إذا جمدت.
قال المحقّق: «إن كان له حالة جمود فوقعت النجاسة فيه جامداً- كالدبس الجامد والسمن والعسل- القيت النجاسة وكشط ما يكتنفها، والباقي حلّ»،
ونفي عنه الخلاف نصّاً وفتوى،
بل عليه دعوى
الإجماع .
والمستند فيه الصحاح المستفيضة
:
منها: ما رواه
الحلبي ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الفأرة والدابّة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه، فقال عليه السلام: «إن كان سمناً أو عسلًا أو زيتاً فإنّه ربّما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله وكله».
ونحوه من النصوص الاخرى.
فإنّ الأمر بطرح ما حوله إنّما هو من جهة علوق أجزاء منه بالميتة، وإلّا فلو فرض عدم ذلك فلا يجب ذلك، ويكفي طرح النجاسة.
وأمّا حلّية الباقي فلأنّ الاتّصال بما أنّه كذلك لا يكفي في الحكم بالنجاسة؛ إذ الموضوع المترتّب عليه التنجّس هو الإصابة والملاقاة، وهما مختصّتان بجزء من الجامد.
لو وقع دم في قدر يغلي على النار فإنّ مقتضى القواعد حرمة تناول ما فيه ونجاسته، كما هو مختار كثير من الفقهاء.
وفي
الرياض : أنّ عليه عامّة المتأخّرين،
ونسبه في
جامع المدارك إلى المشهور،
بينما اختار جماعة من المتقدّمين حلّه وطهارته.
قال
الشيخ المفيد : «إن وقع دم في قدر تغلي على النار جاز أكل ما فيها بعد زوال عين الدم وتفريقها بالنار...».
نعم، قيّده
الشيخ الطوسي وابن سعيد بالدم القليل،
ونسب إلى
الحلبي الحلّ أيضاً،
لكنّ الموجود في الكافي
إطلاق القول بتحريم كلّ ما شيب بشيء من المحرّمات أو النجاسات.
ومستند القول بالحلّ ما رواه سعيد الأعرج، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قِدْر فيها جزور وقع فيها قدر اوقية من دم، أيؤكل؟ قال عليه السلام: «نعم، فإنّ النار تأكل الدم».
وأيضاً ما رواه
عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن قدر فيها ألف رطل ماء، فطبخ فيها لحم وقع فيها وقية دم، هل يصلح أكله؟ فقال عليه السلام: «إذا طبخ فكل، فلا بأس».
وما رواه
زكريا بن آدم ، قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن قطرة
خمر أو
نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق، قال عليه السلام: «يهرق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب، واللحم فاغسله وكله»، قلت: فإن قطر فيها الدم؟ قال: «الدم تأكله النار إن شاء اللَّه».
لكنّ الفقهاء ضعّفوا رواية زكريا بن آدم
بمحمّد بن موسى وابن المبارك واختلفوا في سعيد الأعرج بين مضعّف
وموثّق أو مصحّح لروايته.
وفي
الرياض : أنّ التعليل في هذه النصوص مخالف
للإجماع المنعقد - ظاهراً- على عدم حصول التطهير بالنار إلّا
بالاستحالة ،
بل في
المستمسك أنّ العمدة في سقوط هذه النصوص عن الحجّية كون مضمونها من المنكرات الواضحة لدى المتشرّعة.
هذا، وقد حمل
السيّد الخوئي الدم في هذه الروايات على الدم الطاهر الذي يحرم تناوله، بقرينة أنّ السؤال لو كان عن طهارة الدم بالنار وعدمها لكان المتعيّن على الإمام عليه السلام أن يجيب بأنّ النار مطهّرة، أو ليست بمطهّرة.
وهذا ما احتمله
المحقّق الأردبيلي من قبل بالنسبة إلى رواية سعيد، واحتمل أيضاً حمله على غير الحرام من الدم، وعليه فيكون قوله عليه السلام: «تأكله النار» مسوق لعدم تنفّر الطباع، لا أنّ المراد الطهارة والحلّية.
ونسب إلى التقي إلحاق سائر النجاسات بالدم، والحكم بالحلّية فيما إذا وقع شيء منها في قدر يغلي.
ولعلّ وجهه فحوى التعليل المذكور في رواية سعيد الأعرج.
واجيب عنه بأنّ متعلّقه الدم خاصّة، فلا يتعدّى إلى غيره، ولذا فرّق خبر زكريّا بين الدم وغيره مع تضمّنه التعليل المذكور.
هذا، مضافاً إلى مخالفته للإجماع
وتصريح الفقهاء بالتحريم.
لو امتزج شيء من المائع المحرّم الطاهر بالمائع الحلال فقد ذكر الفقهاء حرمة ما غلب فيه الحرام أو ساواه بسبب الامتزاج،
بل حرمة ما علم أنّ الحرام فيه بحيث لم يضمحلّ.
وأمّا في صورة الاضمحلال بحيث يكون الامتزاج فيه على وجه لا يكون تناول بعضه موجباً للعلم بتناول الحرام بسبب الانتشار- مثل قطرة عرق أو بصاق حرام في حبّ ماء أو في كوز كبير- فقد ذكر المحقّق الأردبيلي
إمكان الحكم بالحلّية؛ للأصل والعمومات، وحصر المحرّمات، ولما رواه
عبد اللَّه بن سنان : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه».
ثمّ احتمل التحريم خصوصاً في المسكر؛ للروايات، نحو ما رواه
ابن الحجّاج : «أنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقال له الرجل: فأكسره بالماء؟
فقال له أبو عبد اللَّه عليه السلام: «لا، وما للماء يحلّ الحرام! اتّق اللَّه عزّوجلّ ولا تشربه».
ورواية عمر بن حنظلة: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال عليه السلام: «لا واللَّه، ولا قطرة قطرت في حبّ إلّااهريق ذلك الحبّ».
وقال
المحقّق النجفي : الظاهر التحريم؛ ضرورة عدم حلّية المحرّم بالمزج وعدم التمييز بين أجزاء المحلّل والمحرّم.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۱۷۷-۱۸۲.