المصاهرة بالزناء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأما
الزناء فلا تحرم الزانية ولا الزوجة وإن أصرت على الاشهر. وهل تنشر
حرمة المصاهرة؟ قيل: نعم إن كان سابقا، ولا تنشر إن كان لاحقا، والوجه: أنه لا ينشر ولو زنى بالعمة أو الخالة حرمت عليه بناتهما.
أمّا
الزناء فلا تحرم الزانية على الزاني بها وغيره بعد
التوبة إجماعاً، وقبلها أيضاً مع كراهة على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن
الخلاف والمبسوط في خصوص الحلّ على الزاني بها، ونسب توقّفه على التوبة إلى أحمد وقتادة
.
للأصل، وعموم
الكتاب و
السنّة، والتعليل بأنّه لا يحرّم
الحرام الحلال في الصحاح المستفيضة وغيرها
.
وخصوص المستفيضة، منها الخبران:
أحدهما: الصحيح: «أيّما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوّجها حلالاً، قال: «أوّله سفاح وآخره نكاح، فمثله كمثل
النخلة، أصاب الرجل من ثمرها حراماً، ثم اشتراها بعد، فكانت له حلالاً»
.
والصحيح المروي في
قرب الإسناد: عن المرأة الفاجرة يتزوّجها الرجل المسلم، قال: «نعم، وما يمنعه؟! ولكن إذا فعل فليحصن بابه»
.
والخبران، في أحدهما: «نساء أهل
المدينة فواسق» قلت: فأتزوّج منهن؟ قال: «نعم»
.
وفي الآخر: عن الرجل يتزوّج الفاجرة
متعة، قال: «نعم، لا بأس، وإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه»
.
وفي آخر: عن رجل أعجبته
امرأة، فسأل عنها، فإذا النثاء
عليها بشيء من الفجور، فقال: «لا بأس بأن يتزوّجها ويحصنها»
وقصور الأسانيد منجبر بالشهرة.
خلافاً للحلبي، فمنع منه مطلقاً
؛ لظاهر «حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»
.
ورُدّ بالنسخ بقوله «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ»
تارةً، وبالحمل على
الكراهة أُخرى
، وهو أقوى؛ للإجماع على عدم حرمة تزويج الزاني مع تحريمه في الآية، فهو قرينة على إرادته تعالى منه الكراهة، ووحدة السياق توجب جريانها في الزانية؛ مع أنّ المستفاد من المعتبرة ورود الآية في المشهورات بالزناء لا مطلق الزانية.
ففي الصحيح: عن قول
الله عزّ وجلّ «الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً»
فقال: «كنّ نسوة مشهورات بالزناء ورجال مشهورون بالزناء قد عرفوا بذلك، والناس اليوم بتلك المنزلة، فمن أُقيم عليه حدّ زناء أو شهر به لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة»
.
ونحوه خبران آخران
، إلاّ أنّ في أحدهما بدل: «لم ينبغ» «لا تزوّجوه» ولذا قيل باختصاص التحريم بالمشهورات
.
وهو ضعيف؛ لشهادة هذه الأخبار بالكراهة من وجهين: لفظة: «لم ينبغ» الظاهرة فيها، والتصريح فيها، والتصريح فيها باتّحاد حكم الزانية والزاني؛ مع أنّه فيه الكراهة بالإجماع، فكذا فيها.
ونحوها في هذه القرينة الصحيح: «لا تتزوّج المرأة المعلنة بالزناء، ولا يزوّج الرجل المعلن بالزناء، إلاّ أن يعرف منهما التوبة»
.
ولذا صحّ الحمل على الكراهة في
الصحيح: عن المرأة الحسناء الفاجرة، هل تحلّ للرجل أن يتمتّع منها؟ فقال: «إذا كانت مشهورة بالزناء فلا يتمتّع منها ولا ينكحها»
.
و
الصحيح المضمر: عن رجل فجر بامرأة، ثم أراد بَعدُ أن يتزوّجها، فقال: «إذا تابت حلّ له نكاحها» قلت: كيف يعرف توبتها؟ قال: «يدعوها إلى ما كانا عليه من الحرام، فإذا امتنعت واستغفرت ربّها عرف توبتها»
ونحو
الموثّق . وبمضمونهما أفتى
الشيخان .
ولا ريب أنّ مراعاة التوبة مطلقاً
أحوط، وإن كان القول بإطلاق الجواز مع الكراهة الشديدة في المشهورات أظهر، إلاّ أنّه يجب تحصينهنّ قطعاً، وفي بعض الأخبار المتقدّمة دلالة عليه، وفيها الصحيح.
و كذا لا تحرم الزوجة الزانية وإن أصرّت على الأشبه وفاقاً للمشهور؛ للأصل، والنصوص، منها ما مرّ.
ومنها الموثّق: «لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني وإن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شيء»
.
خلافاً للمفيد و
الديلمي، فتحرم مع الإصرار؛ لفوات فائدة التناسل معه؛ لاختلاط
النسب .
ورُدّ بأنّ النسب لاحقٌ بالفراش، والزاني لا نسب له، ولا حرمة لمائه
.
وهو حسن، مع أنّه لو تمّ لوجب اطّراد الحكم في مطلق
الزناء من دون تخصيص بالإصرار.
وعلى القولين، فالزوجيّة باقية إجماعاً، كما عن المبسوط
.
وهل ينشر حرمة
المصاهرة فتحرم المزني بها على أبي الزاني وأولاده، وأُمّها وابنتها عيناً وأُختها جمعاً؟
قيل: نعم هو الشيخ و
القاضي و
ابن زهرة و
ابن حمزة . لصدق أُمّ النساء والربائب على أُمّها وابنتها؛ لصدق الإضافة بأدنى الملابسة.
وفيه: أنّ غايته صحّة الاستعمال، وهو أعمّ من الحقيقة، والعبرة بها لا بمطلقه. وللصحاح المستفيضة:
كالصحيح: في رجل كان بينه وبين امرأة فجور، هل يتزوّج ابنتها؟ قال: «إن كان قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها، وإن كان
جماع فلا يتزوّج ابنتها، وليتزوّج هي»
.
والصحيح: عن الرجل يفجر بالمرأة، يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمّها لم تحرم عليه التي عنده»
.
والصحيح: عن رجل باشر امرأة وقبّل، غير أنّه لم يفض إليها، ثم تزوّج ابنتها، فقال: «إذا لم يكن أفضى إلى
الأُمّ فلا بأس، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوّج ابنتها»
.
ونحوها الصحيحان
، لكن في الأُمّ والبنت الرضاعيّين للمزني بها. وليست نصّاً في الحرمة، فيحتمل الكراهة، أو الحمل على
التقيّة؛ لكونه المشهور بين
العامّة كما يفهم من التذكرة
ومنهم: أصحاب
أبي حنيفة، المشتهر رأيه في الأزمنة السابقة.
وبالأخير يجاب عمّا هو صريح في التحريم، كالصحيح
.
والخبر، وفيه محمّد بن الفضيل المشترك بين
الثقة وغيره، وفيه مع ذلك الاشتمال على ما ظاهر أكثر الأصحاب الاتّفاق على خلافه؛ ونحوه في قصور
السند رواية أُخرى لعليّ بن جعفر.
وفي الأوّل: «إذا فجر الرجل بالمرأة لم يحلّ له ابنتها»
.
وفي الثاني: عن رجل زنى بامرأة، هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال: «لا»
.
ونحوه الكلام في الحسن الآمر بالتفريق
، مع ما فيه من تكذيبه (علیهالسّلام) مَن ادّعى عدم الزناء بل مجرّد التقبيل.
وبالأول أيضاً يجاب عن الحسن: عن رجل اشترى
جارية ولم يمسّها، فأمرت امرأته ابنه وهو ابن عشرين سنة أن يقع عليها، فوقع عليها، فما ترى فيه؟ فقال: «أثم الغلام، وأثمت امّه، ولا أرى للأب إذا قربها
الابن أن يقع عليها»
.
مع معارضته كالخبر: في الرجل يكون له الجارية، فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها
الجدّ، أو الرجل يزني بالمرأة، فهل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟ قال: «لا، إنّما ذلك إذا تزوّجها الرجل فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضرّه؛ لأنّ الحرام لا يفسد الحلال؛ وكذلك الجارية»
بما سيأتي.
وبالجملة: تخصيص ما سيأتي من الأدلّة بمثل هذه الأخبار لعلّه لا يخلو عن مناقشة، وصحّة دعوى
الشهرة على ذلك غير معلومة.
كلّ ذلك إن كان الزناء سابقاً على
العقد ولا ينشر إذا كان لاحقاً للعقد والدخول إجماعاً ؛ للأصل، واختصاص المحرّم على تقديره بالسبق، وللنصوص المستفيضة، منها: بعض الصحاح المتقدّمة.
والصحيح: في رجل تزوّج جارية، فدخل بها، ثم ابتلي ففجر بأمّها، أتحرم عليه امرأته؟ قال: «لا؛ لأنّه لا يحرّم الحلال الحرام»
.
والصحيح: في رجل زنى بأمّ امرأته أو بنتها أو أُختها، فقال: «لا يحرّم ذلك عليه امرأته» ثم قال: «ما حرّم حرامٌ قط حلالاً»
.
والحسن: الرجل يصيب من أُخت امرأته حراماً، أيحرّم ذلك عليه امرأته؟ فقال: «إنّ الحرام لا يفسد الحلال، (والحلال) يصلح به الحرام»
.
ونحوها أخبار كثيرة، متضمّنة للحكم مع التعليل المذكور
، ومقتضاه كإطلاق أكثرها عدم الفرق بين الدخول بالزوجة وعدمه، كما هو الأشهر الأظهر.
خلافاً للإسكافي، فخصّ عدم النشر بالأوّل
؛ لظاهر الخبر: «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها؛ وإن كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه، وإن هو تزوّج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأُمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأُمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها، وهو قوله: لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا»
.
وهو
ضعيف؛ لشذوذه، وقد ادّعى جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه
، وهو الأصحّ.
بل و لا يبعد أن يكون الوجه: أنّه لا ينشر مطلقاً، حتى إذا كان سابقاً، وفاقاً لشيخنا
المفيد و
المرتضى و
الصدوق في
المقنع و
الشيخ في
التبيان في خصوص تحريم أُمّ المزني بها وابنتها و
سلاّر و
العلاّمة في
الإرشاد .
بل ظاهر التذكرة: كون القول به مشهوراً بين الأصحاب، فإنّه نسب الأول إلى البعض، وهذا إلى جماعة
. وعن صريح المرتضى في
الطبريّات: الإجماع عليه
، وهو ظاهر
السرائر في حرمة الأُمّ و
البنت وإن خصّ موردها؛ لكون العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل. وأمّا في حرمة المزني بها على أبي الزاني وابنه، فظاهره كونه مذهب الأكثر، وأنّ المخالف هو الشيخ في كتبه
.
وفي التذكرة: نَسبَته العامّة إلى
عليّ (علیهالسّلام) و
ابن عبّاس ويدلّ عليه مضافاً الى التعليل بأنّ الحرام لا يحرّم الحلال في الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدّمة العمومات من
الكتاب و
السنّة، و
استصحاب حلّية العقد السابقة، وخصوص المعتبرة المستفيضة، منها الصحاح المستفيضة.
في أحدها: رجل فجر بامرأة، يتزوّج بابنتها؟ قال: «نعم يا سعيد، إنّ الحرام لا يفسد الحلال». وفي الثاني: عن رجل يفجر بالمرأة ( وهي ) جارية قوم آخرين، ثم اشترى ابنتها، أيحلّ له ذلك؟ قال: «لا يحرّم الحرام الحلال» ورجل فجر بامرأة حراماً، أيتزوّج ابنتها؟ قال: «لا يحرّم الحرام الحلال»
. وفي الثالث: عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه، فوقع، فقال: «أثمت وأثم ابنها، وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له: أمسكها، فإنّ الحلال لا يفسده الحرام»
. وفي الرابع: رجل فجر بامرأة، أتحلّ له ابنتها؟ قال: «نعم»
. ونحوها الصحيح إلى ابن أبي عمير، عن
هشام بن عيسى .
ومنها: الموثّقان
، في أحدهما: عن رجل تزوّج امرأة سفاحاً، هل تحلّ له ابنتها؟ قال: «نعم، إنّ الحرام لا يحرّم الحلال». ومنها: الأخبار المنجبر قصور أسانيدها بالأُصول، والعمومات، وفتوى معظم الأخيار، ومخالفة ما عليه أكثر الفجّار.
في أحدها: عن الرجل يأتي المرأة حراماً، أيتزوّجها؟ قال: «نعم، وأُمّها وابنتها»
. والجواب عنها تارةً بحمل الفجور والإتيان فيها على نحو القبلة و
اللمس دون الدخول
. وأُخرى بحمل المسئول على حلّيتهنّ على زوجات له قبل الدخول بأمّهاتهنّ مثلاً
مدفوعٌ أوّلاً: بمخالفتهما الظاهر، ولا سيّما الأول، وقد وقع مثله في أكثر الأخبار المتقدّمة وفهموا منه الدخول ؛ مع منافاة الثاني لأكثرها المتضمّن للفظ التزويج، الظاهر في المستقبل.
وثانياً: بمنافاتهما التعليل المصرّح به فيها، مع تأيّده بالحصر المستفاد من بعض الأخبار، كرواية
زرارة الضعيفة بموسى بن بكر على الأشهر، والحسنة عند بعض
قال: قال
أبو جعفر (علیهالسّلام): «إن زنى رجل بامرأة أبيه، أو جارية أبيه، فإنّ ذلك لا يحرّمها على زوجها، ولا يحرّم الجارية على سيّدها، إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي حلال، فلا تحلّ بذلك الجارية أبداً لابنه ولا لأبيه، وإذا تزوّج رجل امرأة تزويجاً حلالاً فلا تحلّ تلك المرأة لأبيه ولا لابنه»
والضعف لو كان لانجبر بما تقدّم.
وبالجملة:
العدول عن ظواهر هذه الأخبار المعتضدة بالأصل، والعمومات من الكتاب والسنّة، وعمل أكثر القدماء الذين هم أساطين العلماء، و
الإجماع المنقول، ومخالفة العامّة بمثل ظواهر الأخبار المتقدّمة مشكل. مع أنّ تلك الأخبار صحاحها غير ناصٍ على
التحريم، والناصّة منها ليست بصحاح، عدا واحد منها، ولا يكافئ ما قدّمناه من الصحاح وغيرها.
ودعوى الانجبار بالشهرة في الضعاف مدفوعةٌ بما عرفت من أنّ الشهرة عن القدماء في الخلاف، والشهرة المتأخّرة على تقديرها لا تعارضها. مع أنّ عمدة من نسب إليه القول الأول هو الشيخ في
النهاية و
الخلاف ، وقد صرّح
ابن إدريس برجوعه عنه في
التبيان .
هذا، والعمل على القول الأوّل؛ احتياطاً في الفروج.
و على المختار يستثني منه ما لو زنى بالعمّة والخالة له، فإنّه حرمت عليه بناتهما في المشهور بين الأصحاب، بل عليه الإجماع في التذكرة وعن المرتضى
؛ وهو
الحجّة.
لا الخبران، أحدهما: الحسن: عن رجل نال من خالته في شبابه، ثم ارتدع، أيتزوّج ابنتها؟ فقال: «لا» فقال: إنّه لم يكن أفضى إليها شيئاً، إنّما كان شيءٌ دون شيء، فقال: «لا يصدّق، ولا كرامة»
ونحوه الموثّق
.
لاختصاصه بالخالة، وما في متنه من الرداءة؛ لتصريح السائل بعدم
المواقعة، وردّه (علیهالسّلام) بأنّه: «لا يصدّق ولا كرامة» ومثله غير لائق بالأئمّة: ولعلّه لذا توقّف فيه في المختلف العلاّمة تبعاً للحلّي
؛ ولكن استناده إلى عموم أدلّة
الإباحة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۱۸۹-۲۰۲.