انفساخ الإجارة بتعذر الانتفاع بالعين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قد يتعذّر على
المستأجر الانتفاع بالعين المستأجرة في عدّة موارد.
لو استأجر جملًا
للحج فمرض أو حانوتاً لبيع البزّ فيه فاحترق بزّه أو سُرق ففي
بطلان الإجارة أو صحتها وثبوت
الخيار أقوال، ذهب أكثر الفقهاء
إلى لزوم الإجارة وعدم بطلانها بالعذر، بل صرح
المحقق الثاني وبعض محشي
العروة بأنّ الحكم يعمّ صورة اشتراط المباشرة في الاستيفاء أيضاً.
والدليل على عدم بطلان الإجارة في فرض عدم اشتراط المباشرة هو أنّ المستأجر متمكّن من استيفاء المنفعة بفعل غيره، أمّا الصحة واللزوم فيما إذا اشترط المباشرة فلأنّ المصحح للإجارة هي الحيثية القائمة بالعين التي يملكها المؤجر.
وأمّا الحيثية القائمة بالمستأجر والمنتزعة من فعله الخارجي كالساكنية فلا مساس لها بالمؤجر حيث لم تقع مورداً للإجارة، والمتعذّر في المقام هو الحيثية الثانية دون الاولى.
وهناك قولان آخران في قبال المشهور:
التفصيل بين صورة اشتراط المباشرة في الاستيفاء بنحو التقييد فتبطل الإجارة بعذر المستأجر وبين غيرها فتصح من غير خيار كما ذهب إلى ذلك
القاضي والعلّامة في المختلف
واختاره
السيد اليزدي أيضاً،
وتبعه عليه بعض المحشين.
قال في
العروة لدى بيان ضابطة البطلان بسبب العذر الشخصي: «لا يبعد أن يقال: إنّه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصح معه العقد».
هذا، ولكن عمدة الوجه في البطلان هو أنّ هذه الحصة المقيّدة بالمباشرة غير قابلة للفعلية؛ لعدم قابلية الحصة المضايفة لها، فلا يعقل تمليكها.
ولا يجري هذا البيان- كما هو معلوم- في فرض اشتراط المباشرة في العقد لكن لا على وجه القيدية؛ إذ غاية ما يمكن قوله في المقام هو أنّ الشرط المزبور إن كان من ناحية المستأجر فله الخيار مع التخلّف،
وإن كان من ناحية المؤجر تخيّر المستأجر بين فسخ العقد واسقاط شرطه.
هذا، وقد ذكر
المحقق الخوئي بأنّ المقام يدخل تحت كبرى الشرط الفاسد»، فإنّ نتيجة الشرط بقاء العين المستأجرة فارغة وهو خلاف الغرض المعاملي.
القول بصحة الإجارة مع ثبوت خيار الفسخ للمستأجر فيما لو اشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، وهو المنسوب إلى الشهيد.
هذا وقد تردد
المحقق النجفي في الحكم بثبوت التخيير للمستأجر وبين الحكم بالانفساخ.
امّا إذا كان
العذر عاماً بالنسبة إلى نوع المستوفين فقط مع عدم وجود ما يمنع المؤجر من التسليم، وذلك كما لو استأجر داراً للسكنى فحدث ما يمنع من الاقامة في ذلك البلد ففي لزوم الإجارة أو تخيّر المستأجر أو بطلان الإجارة أقوال:
فظاهر كلام العلّامة في
التحرير والقواعد لزوم الإجارة،
حيث استشكل في ثبوت الخيار للمستأجر.
وأمّا الحكم بتخيّر المستأجر فقد نسبه الشهيد في حواشيه
إلى العلّامة لكن فيما إذا كان عروض المانع قبل
القبض لا بعده تنزيلًا له منزلة غصب العين.
وذهب
فخر المحققين والمحقق الثاني والنجفي
إلى تخيّر المستأجر مطلقاً، استناداً إلى قاعدة لا ضرر بعد عموم العذر في الاستيفاء.
وأمّا القول ببطلان الإجارة فهو اختيار السيد في العروة وعليه بعض المحشين؛
لعدم مالية مثل هذه المنفعة المحفوفة بهذا المانع
بحيث لا تعدّ من المنافع المملوكة للمؤجر ليملّكها المستأجر.
هذا، وخالف بعض الفقهاء في ذلك، فقال بأنّ حدوث العذر في الاستيفاء مطلقاً لا يوجب البطلان إلّا فيما إذا سقطت العين عن قابلية الاستيفاء
كبرودة الهواء التي تؤثر على الأرض وتسقطها من قابلية
الإنبات .
أمّا العذر العام بالنسبة إلى المستأجر في الاستيفاء وإلى المؤجر في التسليم، وذلك كما لو استأجر جملًا للحج فانقطعت السابلة أو الطريق لخوف الناس أو لعذر آخر كسقوط الثلج، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
فظاهر
الشرائع والارشاد والمسالك
بطلان الإجارة مع العذر الذي يوجب تعذّر الانتفاع، وقد اختاره السيد اليزدي في العروة وبعض المحشين.
والدليل عليه أنّ المنفعة إن لم تكن قابلة للتحقق خارجاً فهي من الأوّل لم تكن مملوكة للمؤجر ليملّكها المستأجر.
هذا ولكن اختار العلّامة
في غير
الارشاد ثبوت التخيير لكلّ من المؤجر والمستأجر في الفسخ أو الإمضاء، وتبعه على ذلك فخر المحققين والمحقق الثاني والشهيدان
والمحقق النجفي .
واستدل عليه بأنّ وجود أمارات
الخوف يوجب الاحتراز على كلّ منهما بحيث يقتضي ذلك تحريم السفر، وحينئذٍ يجري مجرى تعذر استيفاء المنفعة، فلو لم يجبر بالخيار لزم الضرر.
إذا لم يمكن استيفاء المنفعة المقصودة من العين لسقوطها عن قابلية الانتفاع- كما إذا انقطع الماء عن الأرض المستأجرة
للزراعة - ففي انفساخ الإجارة أو صحتها قولان:
انفساخ الإجارة بالنسبة إلى الباقي مع عدم إمكان الانتفاع الذي تضمّنه عقد الإجارة كما هو ظاهر كلمات المحقق،
بل صريح
ابن سعيد والعلّامة في بعض عباراته
والمحقق الثاني
وغيرهم.
والوجه فيه أنّ المعقود عليه في الإجارة أمر معيّن متصرّم الوجود، فيمتنع الحكم بصحة الإجارة في فرض عدم المنفعة المقصودة تمام المدة أو بعضها،
ولا عبرة بامكان الانتفاع بغير المعيّن.
صحة الإجارة، لكن مع ثبوت الخيار للمستأجر بين الفسخ والإمضاء بجميع الاجرة أو بعد حطّ الأرش.
هذا فيما إذا أمكن الانتفاع بغير المعيّن بناءً على جوازه، أمّا إذا لم يبق في العين منفعة أصلًا فالإجارة تنفسخ، وبه صرّح العلّامة في مواضع اخر.
إذا استأجر دابة فهربت فإن كانت العين المستأجرة كلّية كان على المستأجر إبدالها بغيرها؛ لعدم انحصار حق المستأجر في تلك العين.
أمّا إذا كانت العين شخصية لم تنفسخ الإجارة بمجرد
الإباق والهروب، بل ذهب جمع من الفقهاء
إلى ثبوت الخيار للمستأجر؛ لتعذّر تسليم المنفعة في الأثناء، فإن فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ انفسخت الإجارة بمضي المدة يوماً فيوماً، بمعنى سقوط الاجرة بمقدار تلك الأيّام.
ولو رجع قبل الانقضاء انفسخ فيما مضى حال الإباق ولا ينفسخ في الباقي،
وإن انقضت المدة حال الإباق والهروب انفسخت الإجارة؛ لفوات المعقود عليه
أو لتعذّر استيفاء المنفعة المعقود عليها.
هذا، ولكن ذكر السيد اليزدي في موضع
بأنّ مقتضى القاعدة هو عدم جواز الفسخ بمجرد الإباق
والهروب بعد
الإقباض ، إلّا إذا كان ذلك عادة للعبد والدابة فيكون للمستأجر الخيار لوجود العيب.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۹۹-۴۰۳.