تصرفات المريض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
عطايا المريض المنجزة كالعتق والهبة مع
الإقباض و
الإبراء والمحاباة في البيع إذا وقعت في مرض الموت، ولعلمائنا فيه قولان : أشبههما أنها من الثلث.
(الثامنة : تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة) ويعبّر عنها بالوصية (فهي من الثلث) خاصّة مع عدم
إجازة الورثة، كما مرّ إليه وإلى دليله
الإشارة .
(وإن كانت منجّزة) غير معلّقة عليها (وكان فيها محاباة) في المعاوضة : من البيع بأقل من ثمن المثل والشراء بأزيد منه (أو عطيّة محضة) أو
الوقف والعتق و
الصدقة .
(فقولان، أشبههما) وأشهرهما بين المتأخّرين (أنها) تخرج (من الثلث) وفاقاً للإسكافي والصدوق كما حكي،
ولعلّه قال به في غير الفقيه، لما يأتي من مصيره فيه إلى القول الآتي، وهو ظاهر الخلاف وصريح المبسوط على ما قيل،
وعبارته المحكية في
السرائر لا تساعد ذلك، فإنّه قال : العتق في المرض المخوف يعتبر عند بعض أصحابنا في
الأصل ، وعند الباقين في الثلث، وهو مذهب المخالفين، ثم قال : فإذا ثبت ذلك فأعتق بعضاً نظرت.
إلى آخر ما ذكره.
وهو كما ترى غير صريح في
اختيار هذا القول، بل ولا ظاهر، بل ربما أشعر بالتردّد فيه.
للنصوص المستفيضة،
وهي ما بين ظاهرة وصريحة، وفيها الصحاح والموثقات وغيرها، وقصورها سنداً في بعض ودلالةً في آخر منجبر بالشهرة المتأخّرة.
خلافاً للنهاية والمقنعة والقاضي، والصدوق في الفقيه والكليني في الكافي
فإنهما قالا : باب أن صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّاً، ثم ساقا الأحاديث الدالّة عليه خاصّة، ولم يذكرا فيه شيئاً من روايات القول الآخر، وجميع ذلك كالصريح في أن مذهبهما ذلك والحلّي والمرتضى وابن زهرة،
فأخرجوه من الأصل.
وهو المشهور بين القدماء ظاهراً، بل لعلّه لا شبهة فيه جدّاً، بل ادّعى السيدان في بحث الهبة أن عليه إجماع
الإمامية ، وجعله في السرائر الأظهر في المذهب، مشعراً بالشهرة عليه لا أقلّ.
للنصوص المستفيضة الأُخر
التي فيها أيضاً الصحيح والموثق وغيرهما، وهي أيضاً ما بين ظاهرة وصريحة.
والمسألة محل إشكال وريبة؛ لاختلاف النصوص، وقبول جلّ منهما التأويل بما يؤول إلى الآخر، مع غموض المرجّحات، وتعارض الوجوه الاعتبارية من الطرفين.
إلاّ أن الترجيح للأخبار الأخيرة؛ من حيث اعتضادها بالأُصول القطعية، والشهرة القديمة المترجّحة على الشهرة المتأخّرة، حيث حصل بينهما معارضة كما في المسألة.
مضافاً إلى الإجماعات المحكية، وعدم قبول كثير منها التأويل بما يؤول إلى الأخبار الأوّلة.
ومخالفتها للعامّة؛ فإن القول بمضمون الأخبار الأوّلة مذهب فقهائهم كافّة، كما يستفاد من صريح
الانتصار والمبسوط والسرائر وظاهر الغنية والتذكرة،
فلتحمل تلك الأخبار على التقية، لذلك، مع اعتضاده بمصير
الإسكافي إليه كما عرفته غير مرّة.
أو يؤوّل ما يقبل منها التأويل إلى ما يؤول إلى الأخيرة بحملها على
الوصية خاصة، كما يشعر به بعضها، كالخبرين، في أحدهما : «للرجل عند موته ثلث ماله، وإن لم يوص فليس للورثة إمضاؤه».
وفي الثاني : «إن أعتق رجل عند موته خادماً ثم أوصى بوصية أُخرى، أُلغيت الوصية وأُعتقت الخادم من ثلثه إلاّ أن يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية».
ونحوهما بعض الصحاح المتقدمة في بحث من أعتق وعليه دين، حيث وقع إطلاق
الإعتاق على الوصية به.
وقد مرّ ثمة أن احتمال جعل ذلك قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي للإعتاق وهو المنجّز إلى الأعمّ منه ومن الوصية معارض باحتمال جعلها صارفة عنه إلى المجاز الأخصّ، وهو الوصية خاصة، والأصل المتأيّد بظاهر هذين الخبرين المطلقين لما ظاهره المنجّز على خصوص الوصية يرجّح الثاني.
وبه يذبّ عما عيّنّا ثمة به
الاحتمال الأوّل من
اتّفاق فهم الفقهاء على ذلك، مع أنه ليس بواضح، لعدم ظهوره إلاّ من حيث استدلالهم لحكم المنجّز في تلك المسألة بهذه الرواية، وهو لا يوجب فهمهم المنجّز من تلك الرواية، فلعلّهم فهموا منها الوصية خاصّة وألحقوا بها المنجّز من باب الإجماع المركب، فإنّ كل من قال بذلك الحكم في الوصية قال به في المنجّز، وإن كان لا عكس، لمصير الماتن إلى ثبوته في المنجّز دونها.
وحيث ثبت الحكم بالرواية فيها ثبت في المنجّز أيضاً اتفاقاً.
ويعضد هذا الحمل فهم المشايخ كالكليني من لفظ «العند» خصوص الوصية، ولذا عنونوا الباب بها ثم ساقوا فيه من الأخبار ما يتضمن ذكر كون التصرف عند الموت الظاهر في المنجّز على الظاهر.
ويحتمل الحمل أيضاً على
الاستحباب والفضيلة، كما وقع التصريح به في بعض الأخبار الأخيرة، وإلى هذا القول مال من متأخّري المتأخّرين جماعة، كصاحب الكفاية وغيره.
ولقد كتبت في المسألة رسالة منفردة رجّحت فيها خلاف ما هنا، لغفلتي عن الشهرة القديمة والإجماعين المتقدم إلى ذكرهما
الإشارة ، وعن كون الأخبار الأوّلة موافقة للعامّة، فشيّدتها زعماً منّي اعتضادها بالشهرة، وطرحت ما خالفها، وهو كما ترى. فالمصير إلى القول الثاني أقوى ثم أقوى.
ثم إن
إطلاق المرض في العبارة وما ضاهاها من عبائر جماعة
وصريح آخرين
عدم الفرق فيه بين المخوف منه وغيره؛ لإطلاق النصوص، بل عموم بعضها.
خلافاً للمحكي عن المبسوط
فخصّه بالأوّل، تمسّكاً بما زعمه من ظاهر بعضها، ولم نجد له دلالة.
نعم، يضعف الإطلاقات عن الشمول للثاني؛ لوقوع التعبير فيها بالتصرفات عند الموت كما في بعض، أو وقت حضوره كما في آخر، ولا ريب في ظهورهما فيما ذكره، فلا يبعد المصير إلى ما اختاره، لا لما ذكر، بل لقصر الحكم المخالف للأُصول على المتيقن منها، وليس بمقتضى الفرض إلاّ الشقّ الأوّل.
واعلم أن محل الخلاف في أصل المسألة إنما هو إذا مات المريض في مرضه ذلك، أمّا لو برئ منه حسب من الأصل مطلقاً ولو مات في مرض آخر، بلا خلاف، كما في التنقيح و
المسالك وغيرهما،
وهذا مما يؤيّد به ما اخترناه هنا.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۸۷- ۳۹۲.