حجية أحکام الأئمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
عندنا الشيعة کل ما يقرره الإمام
المعصوم حجة شرعي وهذا أعم من أن يكون قوله أو فعله أو تقريره عليه السلام.
حجّية الأحكام الصادرة عنهم عليهم السلام مفروغ عنه عند فقهائنا
؛ ويمكن إثباته بعدّة طرق.
كونهم عليهمالسلام معصومين كالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم، على ما دلّت عليه الأدلّة القطعية من الكتاب والسنة، كما هو مقرّر في كتبنا الكلامية، وذلك يقتضي عدم
الخطأ و
الكذب و
السهو في تبليغ الأحكام وإسنادها إلى
الشارع المقدّس. وهذا هو القدر المتيقّن من دائرة العصمة. إذن فكلّ ما يقرّره المعصوم بعنوان أنّه حكم شرعي أو ينقله بعنوان أنه نصّ ورد من الشارع يكون صادقاً فيما يقول، وحاش للّه أن ينسب الى الشريعة ما ليس منها. ولا فرق في الحجّية بين قوله وفعله وتقريره.
الأحاديث المتواترة الواردة في بيان مرجعية
العترة الطاهرة في الأحكام الشرعية وأعلميتهم بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى اللهعليه وآله وسلم، سيّما
الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام
.
فمّما ورد في تعيين مرجعية أهل البيت عليهمالسلام بصورة عامة فهو كثير، فقد حثّ
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الاُمّة على التمسك بعترته وجعلهم عدلاً للكتاب وأوجب عليهم الرجوع إلى أهل بيته، وأكّد على ذلك كراراً، ومن ذلك :
۱ ـ
حديث الثقلين المعروف الذي رواه ما يربو على بضع وعشرين صحابيّاً
، وقد ذكر بألفاظ مختلفة: فقد أخرج
الترمذي بإسناده عن
جابر ابن عبد اللّه قال: « رأيت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيّها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ». قال الترمذي: وفي الباب عن أبي سعيد وزيد بن أرقم و
حذيفة بن اُسيد .
وأخرج
مسلم في صحيحه بإسناده عن
زيد بن أرقم قال: « قام رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكة والمدينة فحمد اللّه وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: أمّا بعد ألا يا أيّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فاُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به ـ فحثّ على كتاب اللّه ورغّب فيه ثمّ قال ـ :.. . وأهل بيتي، اُذكّركم اللّه في أهل بيتي اُذكّركم اللّه في أهل بيتي اُذكّركم اللّه في أهل بيتي ! ! »
.
وأخرج
الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة: انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في مرض موته: « أيّها الناس يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً،
فينطلق بي، وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه عزّوجلّ وعترتي.. . »
.
قال
القاري في
شرح المشكاة: « الأظهر هو أنّ أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطّلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا مقابلاً لكتاب اللّه سبحانه، كما قال :{ ويعلّمهُمُ الكتابَ والحِكْمةَ }
»
.
وقال
السمهودي: « الذين وقع الحثّ على التمسّك بهم من
أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب اللّه عزّوجلّ، إذ لا يحثّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على التمسك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب إفتراق حتى يردا الحوض، ولهذا قال صلىاللهعليهوآلهوسلم: « لا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم »
.
وأخرج العلاّمة الشيخ
إبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي مناشدة أمير المؤمنين عليهالسلام في مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي ضمنها: قال عليهالسلام: « اُنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قام خطيباً لم يخطب بعد ذلك.. . فقال: يا أيّها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فقام
عمر بن الخطّاب شبه المغضب فقال: يا رسول اللّه أكلّ أهل بيتك؟ فقال: لا، ولكن أوصيائي منهم، أولهم أخي ووزيري وخليفتي في اُمّتي ووليّ كل مؤمن بعدي هو أوّلهم، ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليَّ الحوض، هم شهداء اللّه في أرضه وحجّته على
خلقه وخزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع اللّه ومن عصاهم عصى اللّه، فقالوا كلّهم: نشهد أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ذلك »
.
۲ ـ
حديث السفينة، الذي رواه عدد غفير يربو على المئة :
فقد أخرج
الحاكم النيسابوري بسنده عن حنش قال: سمعت
أبا ذر يقول وهو آخذ باب الكعبة: أيّها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول: « مثل أهل بيتي مثل سفينة
نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ». قال الحاكم: « هذا حديث صحيح على شرط مسلم »
.
أخرج الحمويني في
فرائد السمطين بسنده عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس ـ رضي اللّه عنهم ـ قال: قال رسول اللّه صلىالله عليه وآلهوسلم: « يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها.. . وأنت إمام اُمّتي ووصيي.. . إلى أن قال: فاز من لزمك وهلك من فارقك، مثلك ومثل
الأئمة من ولدك من بعدي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة »
.
روى
أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي: عن
أبي سعيد الخدري، قال: صلّى بنا رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الاُولى، ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: « يا معشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في
بني إسرائيل، فتمسكوا بأهل بيتي بعدي الأئمة الراشدين من ذريتي، فانكم لن تضلّوا أبداً » فقيل: يا رسول اللّه كم الأئمة بعدك؟ قال: « إثنا عشر من أهل بيتي ـ أو قال ـ من عترتي »
.
وممّا ورد في
النصّ على المرجعية العلمية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام :
۱ ـ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث المعروف: « أنا دار الحكمة وعليّ بابها »
.
۲ ـقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم: « قسّمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي علي تسعة أجزاء والناس جزء واحداً »
.
۳ ـوقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم: « أقضى اُمّتي علي بن أبي طالب »
.
۴ ـوقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم: « ليهنئك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شرباً ونهلته نهلاً »
.
۵ ـوقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة قدسسره: « زوجك سيّد في الدنيا والآخرة، وانّه أوّل أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً »
.
۶ ـوما صحّ من قول أمير المؤمنين عليهالسلام عن نفسه: بعثني رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول اللّه تبعثني إلى اليمن ويسألوني عن القضاء ولا علم لي به؟ قال: ادن، فدنوت، فضرب بيده على صدري ثمّ قال: اللهمّ ثبّت لسانه واهد قلبه، فلا والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين بعد »
.
۷ ـوقوله عليهالسلام: « سلوني، واللّه لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ أخبرتكم، وسلوني عن كتاب اللّه، فواللّه ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار »
.
وورد في
حديث آخر: « واللّه ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ وعلى من نزلت؟ إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً صادقاً ناطقاً »
.
۸ ـ وروى ابن سعد باسناده عن
جبلّة بنت المصفّح عن أبيها قال: قال لي علي عليهالسلام: « يا أخا
بني عامر، سلني عمّا قال اللّه ورسوله، فإنّا نحن أهل البيت أعلم بما قال اللّه ورسوله.. . » قال: والحديث طويل
.
۹ ـ وقيل لعلي عليهالسلام: مالك أكثر الصحابة علماً ـ وفي بعض الطرق: حديثاً
ـ؟ فقال: « كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكتّ ابتدأني »
، ولم يكن أحد من الصحابة يقول: « سلوني » إلاّ علي عليهالسلام
.
وقد أقرّ الصحابة بأعلميته بالأحكام :
فقد روى
ابن عبد البر باسناده: أتى
اُذينة بن سلمة العبدي عمر بن الخطاب فسأله من أين أعتمر؟ فقال: « ائت عليّاً فسأله.. . »
. وسأل
شريح بن هاني عائشة اُمّ المؤمنين عن المسح على الخفّين فقالت: « ائت عليّاً فسله »
. وعن عمر أيضاً: « أقضانا علي بن أبي طالب »
، وفي لفظ آخر: « وعليّ أقضانا »
. وعن عائشة: « انّه أعلم من بقي بالسنة »
. وعن ابن عباس: « إذا حدّثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها »
. وورد في لفظ آخر: « كنّا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به »
. وفي آخر: « كنّا إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل عنه إلى غيره »
. وعن
عبد اللّه بن مسعود أنّه قال: « أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب »
. وفي لفظ آخر « أفرض أهل المدينة وأقضاها علي بن أبي طالب ». وفي آخر عنه: « إنّ علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن »
. وأيضاً قد روي عن ابن عمر انّه قال: « علي أعلم الناس بما اُنزل على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم »
. وسأل رجل معاوية عن مسألة فقال: اسأل عنها عليّاً فهو أعلم، فقال: يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ، قال: « بئس ما قلت، لقد كرهت رجلاً كان رسول اللّه صلىاللهعليه وآلهوسلم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة
هارون من
موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه »
.
أنّنا لو قطعنا النظر عن مسألة عصمة الأئمة عليهمالسلام فمع ذلك يمكن إثبات حجيّة ما ينسبونه الى الشريعة من الأحكام والبيانات ؛ وذلك من باب حجّية ما يرويه
الثقة والعدل من الأحاديث، إذ لا شكّ أيضاً بأن الأئمة الطاهرين عليهمالسلام في منتهى الصدق وفي غاية الوثاقة وفي أعلى درجات الاستقامة و
العدالة، فكلّ ما يروونه من الأحاديث يكون حجّة قطعاً، بل هو في أقوى مراتب الحجيّة، سيما إذا لوحظ مدى إحاطتهم عليهمالسلام بعلوم الشريعة وعلى الأخصّ مصدريها الأساسيين أي
القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وأيضاً مع الأخذ بنظر الاعتبار إسنادهم الأعلائي، وأخذهم الروايات كابراً عن كابر وأباً عن جدّ، فطريقهم الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في غاية الاطمئنان. وهذا ما يعطي الروايات التي يرويها الأئمة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قيمة فذّة ويضفي عليها قوّة ومتانة ويمنحها امتيازاً لا يتوفّر في سائر الطرق والأسانيد، فانّهم ورثوا الروايات وعلوم الشريعة من جدّهم
رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وراثة حسّية كابراً عن كابر ؛ فإنّ السنّة الشريفة علّمها رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام، وأخذ الأئمة ذلك من أبيهم علي بن أبي طالب عليهالسلام.
وسنبيّن مفصّلاً كيفية انتقال هذه الأحاديث ضمن النقاط التالية
.
۱-
توارث الأئمة كتب العلم.
۲-
كتاب علي عليه السلام.
۳-
كتب علم الأئمة.
۴-
كيف تداول الأئمة كتب العلم.
۵-
رجوع الأئمة إلى الكتب التي توارثوها.
الموسوعة الفقهيةج۱، ص۱۴۶-۱۵۳.