حكم استدانة المملوك
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ولو أذن له المولى) في
الاستدانة (لزمه) الدين (دون المملوك) بلا خلاف فيما لو كانت للمولى مطلقاً، أو للعبد وكانت لما يتعلّق بنفقته اللازمة على مولاه، وقد حكي في المختلف والمهذب والروضة وغيرها.
وكذا (إن استبقاه أو باعه) يلزم المولى مطلقاً، ولو كانت للعبد في غير ما يتعلق بنفقته، بلا خلاف، كما قيل،
بل عليه
الإجماع في
المهذب ؛
للخبرين، في أحدهما : عن غلام كنت أذنت له في الشراء
والبيع ، فوقع عليه مال للناس وقد أعطيت به مالاً كثيراً، فقال
أبو عبد الله عليه السلام : «إن بعته لزمك ما عليه، وإن أعتقته فالمال على الغلام وهو مولاك»
ونحوه الثاني.
وقصور السند فيهما بالجهالة منجبر في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة، ووجود عثمان بن عيسى الذي
أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه
العصابة . وهما وإن اختصّا بصورة البيع خاصّة إلاّ أن ثبوت الحكم فيها يستلزم الثبوت في الأُولى بطريق أولى، لكن يرد عليهما ما سيأتي
الإشارة إليه قريباً إن شاء الله تعالى. فإذاً العمدة في الحجّة هو عدم الخلاف
والإجماع المدّعى.
(و) أمّا (لو أعتقه) وكانت الاستدانة للعبد فيما لا يتعلّق بنفقته، بل كانت لغيرها من مصالحة (فروايتان):
(إحداهما) أنه (يسعى في الدين) ويؤخذ به، رواها عجلان عن مولانا الصادق عليه السلام : في رجل أعتق عبداً له وعليه دين، قال : «دينه عليه لم يزده
العتق إلاّ خيراً»
وقد عمل بها
النهاية وتبعه القاضي
وجماعة.
وفيها قصور سنداً بالضعف والجهالة. له أن يستدين فالدين على مولاه، وإن لم يكن أذن له» إلى آخره، وقد مضى . وعمومه الناشئ عن ترك
الاستفصال يشمل صور العتق والبيع
والاستبقاء .
وهو وإن احتمل التخصيص بالأخيرتين
جمعاً بينه وبين المعتبرين المتقدمين وغيرهما بحمله عليهما، لوقوع تقييد الحكم بهما بالبيع فيهما مع التصريح فيهما بلزوم الدين على العبد في صورة العتق دون المولى. إلاّ أنّه ليس بأولى من
الجمع بينهما بحمل الخبرين على صورة عدم
الإذن في الاستدانة جدّاً. بل هذا من حيث
الاعتضاد بالشهرة المحكية في كلام
جماعة، بل ربما كانت متحقّقة، مضافاً إلى مخالفة الأوّل للقاعدة الشرعية، فإنّ العبد بمنزلة الوكيل
وإنفاقه على نفسه وتجارته بإذن المولى إنفاق لمال المولى كما لو لم يعتق أولى ثم أولى.
فالعمل بهذه الرواية أقوى، وفاقاً للإستبصار والحلّي
وجماعة من المتأخّرين،
سيما مع اعتضاده
باستصحاب الحكم بالضمان على المولى الثابت في حال عدم العتق للاستبقاء وجريانه إلى صورته جدّاً.
(ولو مات المولى كان الدين) أي دين العبد الذي لزم ذمّته (في تركته، ولو كان له غرماء كان غريم المملوك كأحدهم) لا يقدّم أحدهم على الآخر، بلا خلاف يظهر. للموثق : عن رجل مات وترك عليه ديناً وترك عبداً له مال في التجارة وولداً، وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دين استدانه العبد في حياة سيّده في مضافاً إلى القصور في الدلالة، لاحتمالها أوّلاً : الحمل على
إرادة المولى من الضمير المجرور بعلى الثانية، وليست نصّاً في دفعه الذيل والتتمّة. وثانياً : الحمل على ما إذا لم يقع بإذن المولى الاستدانة.وبه يجاب عن المعتبرين السابقين لو تمسّك بهما في البين، فإنّ الإذن في
التجارة فيهما غير ملازم للإذن في الاستدانة جدّاً.
ولعلّ الوجه في تضمين المولى للدين في صورة البيع فيهما هو حيلولته بين أصحاب الدين وبين العبد بالبيع، لا من حيث إنّ المال لازم بأصل الإذن في التجارة والحال أنّ الإذن لم
يحصل في الاستدانة. وعلى الوجه يحمل إطلاق النص : في عبدٍ بيع وعليه دين، قال : «دينه على من أذن له في التجارة وأكل ثمنه»
مع احتماله الحمل على صورة الإذن في الاستدانة، وليس فيه ما ينافيه بالمرّة.
(و) في (الأُخرى :) أنّه (لا يسقط عن ذمّة المولى، وهي) مع كونها (أشهر) كما هنا وفي
الشرائع وغيرهما،
أصحّ سنداً ظاهراً وفيها : قلت له : رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين، قال : «إن كان أذن تجارة، وإنّ الورثة وغرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد، فقال : «أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، ولا على ما في يده من المتاع والمال إلاّ أن يضمنوا دين الغرماء
جميعاً فيكون العبد وما في يده للورثة، فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء، يقوّم العبد وما في يده من المال، ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد وما في يده عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئاً»
الحديث.
وفي القاصر سنداً بالضعيف وعدّة من المجاهيل جدّاً : الرجل يموت وعليه دين، وقد أذن لعبده في التجارة، وعلى العبد دين، فقال : «يبدأ بدين السيد».
وهو كما ترى منافٍ لما مضى، فليطرح أو يؤوّل بما يؤول إلى الأوّل بتعميم دين السيّد لدين عبده، ويجعل صدق
الابتداء بالإضافة إلى
الإرث والوصايا.ويحتمل الحمل على صورة الإذن في التجارة دون الاستدانة، ويخصّ حينئذٍ دين السيد بدين نفسه دون عبده، ويجعل
الأمر بأداء دين العبد المفهوم من الأمر بالابتداء بدين السيّد
للاستحباب ، فلا منافاة.
(ولو كان مأذوناً في التجارة) خاصّة دون الاستدانة (فاستدان لم يلزم المولى) دينه مطلقاً،
إجماعاً في الظاهر؛
للأصل .(وهل يسعى العبد فيه؟) أي في الدين (قيل : نعم) مطلقاً، كما عن النهاية؛
للصحيحة المتقدّمة. (وقيل :) كما عن الحلّي
وجماعة (يتبع به إذا أُعتق) كذلك (وهو أشبه) وأشهر، وفي الخلاف
الإجماع ،
وهو مع ذلك أوفق بالأصل.
ويجاب عن الصحيحة بما مرّ من الحمل على علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها، الظاهر في
حصول الإذن منه له بالفحوى، ولا كلام فيه جدّاً؛ أو على
الاستسعاء برضاء المولى، كما أفصح عنه الخبر الذي مضى؛ أو على تقييد الاستسعاء بما بعد العتق. واختار
جماعة التفصيل وإن اختلفوا فيه، فبين من أورده على صورتي علم المدين بعدم الإذن في
الاستدانة فالثاني، وإلاّ فالأوّل، كما عن ابن حمزة.
وبين من أورده على صورتي الدين لمتعلّق التجارة فالأول، ولغيره فالثاني، كما عليه الفاضل والمحقق الثاني
وجماعة.
ولا يخلو عن قوّة إن
حصل الإذن بالفحوى في الاستدانة في الصورة الأُولى بمجرّد التعلّق بالتجارة، وإلاّ فما في المتن أقوى.
رياض المسائل، ج۹، ص۱۴۷-۱۵۲.