حكم الاحتكار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(
والاحتكار ) وهو افتعال من الحُكرة بالضم (وهو حبس) الطعام، كما عن الجوهري،
أو مطلق (الأقوات) يتربّص به الغلاء؛ للنهي عنه في المستفيضة، منها الصحيح : «إياك أن تحتكر».
والمعتبر بوجود فضالة المجمع على تصحيح رواياته في سنده، فلا يضرّ
اشتراك راويه وهو إسماعيل بن أبي زياد. بين الثقة والضعيف، وعلى تقدير تعيّنه فقد ادّعى الطوسي
الإجماع على قبول روايته
ولذا عد : موثّقاً، وربما قيل بوثاقته ونقله الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل عن المحقق في المسائل العزّية.
وفيه : «لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ».
(و) لذا (قيل يحرم) كما عن
المقنع والقاضي والحلّي وأحد قولي
الحلبي والمنتهى،
وبه قال في المسالك والروضة.
ولا يخلو عن قوّة، سيّما بملاحظة عمل الحلّي، والأخبار الأُخر الصريحة في الحرمة، منها : «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون».
ونحوه في لعنة غيره.
ومنها الخبران المروي أحدهما عن المجالس : «أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع».
وثانيهما عن قرب الإسناد : «إنّ
علياً عليه السلام كان ينهى عن الحكرة في الأمصار وقال : ليس الحكرة إلاّ في
الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن».
ونحوهما في المنع خاصّة المروي عن
نهج البلاغة عنه عليه السلام.
وعن كتاب ورام بن أبي فراس عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن
جبرئيل عليه السلام قال : «اطّلعت في النار فرأيت وادياً في جهنّم يغلي، فقلت : يا مالك لمن هذا؟قال : لثلاثة : المحتكرين، والمدمنين للخمر، والقوّادين».
مضافاً إلى التأيّد
باستلزامه الضرر على المسلمين المنفي،
وبإجبار المحتكر على البيع بالإجماع كما يأتي .
خلافاً للشيخين،
فيكره، وتبعهما المصنف والفاضل في قوله الآخر؛
للأصل ، وعموم السلطنة على المال، وقصور الروايات الأخيرة سنداً والأوّلة دلالة. أمّا الصحيح فلاحتمال
اختصاص المنع بالمخاطب، وأمّا تاليه فلعدم معلوميّة استلزام الخطأ التحريم.
مضافاً إلى إشعار بعض الصحاح بالجواز على كراهية، وفيه : عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به هل يجوز ذلك؟ فقال : «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس، وإن كان قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم طعام».
ووجه
الإشعار واضح إن قلنا بثبوت كون الكراهة حقيقة في المعنى المصطلح في ذلك الزمان، وكذا إن قلنا بالعدم وكونها فيه منه ومن التحريم أعمّ، بناءً على وجود القرينة
بإرادة الأوّل من حيث العدول عن «لا يجوز» الذي سل عنه الراوي إلى «يكره». والمسألة محلّ تردّد.
(وإنّما يكون) الاحتكار الممنوع منه (في) خمسة : (الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن) على الأشهر؛ للموثق،
ونحوه الخبر الذي عن قرب الإسناد مرّ .خلافاً للصدوق في المقنع والخصال،
فزاد الزيت؛ لما رواه في الأخير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «الحكرة في ستّة أشياء» وعدّ الخمسة المتقدّمة معه.
ولا يخلو عن قوة، لا للرواية، لقصور السند، بل للموثّق المتقدّم، فإنّه كالرواية في الفقيه مروي،
مضافاً إلى مفهوم الصحيح : عن الزيت فقال : «إن كان عند غيرك فلا بأس
بإمساكه ».
(وقيل :) كما عن
المبسوط وابن حمزة،
إنّه يكون (في الملح) أيضاً، وقوّاه في المسالك،
وأفتى به صريحاً في الروضة تبعاً للّمعة والقواعد.
ولعلّه لفحوى الأخبار المتقدّمة، لأنّ
احتياج الناس إليه أشدّ، مع توقّف أغلب المآكل عليه.وفيه مناقشة، مع استلزامه الزيادة على السبعة، فإنّ الأشياء المحتاج إليها الناس فيها غير منحصرة. ولكن لا بأس به على القول بالكراهة.
(و) إنّما (يتحقق الكراهة إذا) اشتراه و (
استبقاه لزيادة الثمن) مع فقده في البلد واحتياج الناس إليه (ولم يوجد بائع) ولا باذل مطلقاً (غيره) فلو لم يشتره بل كان من غلّته لم يكره، كما عن العلاّمة؛
للصحيح : «الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره».
ونحوه الخبر المتقدّم عن المجالس.
لكنّه ضعيف السند، ومع ذلك الشرط فيه كالأوّل يحتمل الورود مورد الغالب : فالتعميم أجود، وفاقاً للمسالك؛
عملاً
بالإطلاق ، والتفاتاً إلى مفهوم التعليل في الصحيح المتقدّم «يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم طعام».ومنه ومن الصحيح هنا يظهر وجه التقييد بالفقد وعدم وجود الباذل.
وأمّا اشتراط استبقائه لزيادة الثمن فواضح إن أُريد نفي الحكرة إن استبقاه للقوت، ومحل إشكال إن أُريد الظاهر والإطلاق ولو لغير القوت. بل المنع فيه مع عدم احتياجه إليه محتمل؛ للإطلاقات، وإشعار التعليل المتقدّم به.ثم إنّه ليس له حدّ وغاية غير ما قدّمناه من احتياج الناس إليه وعدم باذل لهم، وحيثما حصل ثبت الحكرة من دون اشتراط زمان آخر ومدّة، كما في الصحيحين، وفاقاً للمفيد والفاضلين وجماعة،
بل ادّعي عليه الشهرة.
(وقيل) كما عن
الطوسي والقاضي خاصّة
: ويشترط زيادةً على ما مرّ من الشرائط (إن يستبقيه في زمان الرخص أربعين يوماً وفي الغلاء ثلاثة) أيّام، فلا حكرة قبل الزمانين في الموضعين؛ لرواية ضعيفة
وعن المقاومة لما مرّ وتقييده قاصرة.
(ويُجبر المحتكر على البيع) مع الحاجة إجماعاً، كما في المهذب والتنقيح وكلام جماعة؛
وهو الحجة، مضافاً إلى الخبرين، في أحدهما أنّه صلى الله عليه وآله وسلم بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن تخرج في بطون الأسواق وحيث ينطلق الناس إليها».
(وهل يسعّر) الحاكم السعر (عليه) حينئذٍ؟ (الأصحّ) الأشهر (لا) مطلقاً، وفاقاً للطوسي والقاضي والحلّي والشهيد الثاني؛
للأصل، وعموم السلطنة في المال، وخصوص الخبر : «لو قوّمتَ عليهم، فغضب صلى الله عليه وآله وسلم حتى عرف الغضب في وجهه، فقال : أنا أُقوّم عليهم؟! إنّما السعر إلى الله تعالى، يرفعه إذا شاء ويضعه إذا شاء» .خلافاً للمفيد والديلمي،
فيسعّر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة؛
لانتفاء فائدة
الإجبار لا معه، لجواز
الإجحاف في القيمة.
وفيه : منع انحصار الفائدة فيما ذكره، مع
اندفاع الإجحاف بما يأتي.ولابن حمزة والفاضل واللمعة،
فالتفصيل بين إجحاف المالك فالثاني، وعدمه فالأوّل؛ تحصيلاً لفائدة الإجبار، ودفعاً لضرر الإجحاف.وفيهما نظر، فقد يحصلان
بالأمر بالنزول عن المجحف، وهو وإن كان في معنى التسعير إلاّ أنّه لا يُحصَر في قدر خاصّ.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۸۲-۲۸۸.