دور عوامل الاجتماعية والشرعية في إنسداد باب الإجتهاد ومناقشتها
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
دور عوامل الاجتماعية والشرعية في إنسداد باب الإجتهاد ومناقشتها: ذکرت عوامل وعلل مختلفة للاعتقاد ب
انسداد باب الاجتهاد، مهتا: عوامل اجتماعیّة، وعوامل شرعیّة:
أمّا عوامل الاجتماعية:
۱: ضعف القدرة السیاسیّة
للخلفاء العبّاسیین۲: ضعف الاعتماد علی النفس. فانّ عدم الجراة علی الاجتهاد وقلّة الاعتماد علی النفس کانت من عوامل تکریس الاعتقاد بانسداد باب الاجتهاد.
۳: الحسد والانانیة. فانّ شیوع الامراض الاخلاقیة بین بعضالعلماء، من الحسد والانانیة وامثالها، تعتبر عاملًا مهمّاً من عوامل الاعتقاد بالانسداد.
الرابع: فرض الافکار علی الفقهاء.
الخامس: عدم اعتماد الناس علی اجتهاد علماء عصرهم.
السادس:خوف الحکّام من بعض الاجتهادات.
السابع: الخوف من الفوضی فی
الفقه. فالمعروف بین
الفقهاء انّ السبب المهم لسد باب الاجتهاد هو انّ انفتاح هذا الباب یؤدّی الی الفوضی والتشویش والاضطراب فی الفقه.
الثامن: اشتغال العلماء بالسیاسة وشؤونها. انّ تقسیم
الدول الاسلامیة الی دویلات وممالک متعدّدة وتفاخر الملوک والوزراء فی هذه البلدان بسلطانهم.
التاسع: استهلاک شخصیة المجتهدین فی الاحزاب والتشکیلات السیاسیة فی ذلک الزمان.
العاشر. عدم وجود ضابطة مشخّصة للاجتهاد. فانّ ادّعاءات الفتوی والعمل فی القضاء من قِبل المبتدئین وعدم وجود ضابطة مشخّصة لاحراز الاجتهاد.
أنّ من اهمّ هذه العوامل العشرة المذکورة آنفاً، هی مسالة
الفوضی الفقهیة والتی یمکنها ان تمتدّ الی المجال الاجتماعیّ والسیاسیّ ایضاً وتخلق تداعیات خطیرة علی مستوی الامن والاستقرار، وکذلک ورود المبتدئین والمغرضین فی دائرة الاجتهاد کان سبباً لانسداد باب الاجتهاد.
والعوامل الشرعية:
۱: الخوف من تغییر الکثیر من
الاحکام الشرعیة، حیث یعتقد البعض انّه لولا الفتوی بالانسداد، فانّ الکثیر من الاحکام الشرعیة ستطالها ید التغییر.
۲: الخوف من مخالفة اجماع
الائمّة الاربعة.
وقد ناقش
الشیخ المراغی (وهو من دعاة حریة الفکر) هذا الاجماع من صغری وکبری.
امّا مناقشته من جهة صغرویة فقد شکّک فی امکان تحصیل هذا الاجماع، لانّ العلماء یرون استحالة الاجماع ونقله بعد القرن الثالث نظراً لتفرّق العلماء فی مشارق الارض ومغاربها، واستحالة الاحاطة بهم وبآرائهم عادة.
وامّا مناقشته من جهة کبرویة فقد انصبّت علی انکار الدلیل علی حجّیة مثل هذا الاجماع، یقول: «لیس لاجماع المحقّقین قیمة بین
الادلّة الشرعیة، فهی محصورة بکتاب اللَّه وسنّة رسوله، واجماع المجتهدین، والقیاس علی المنصوص، ولم یعد احد من الادلة الشرعیة اجماع المحقّقین، فکیف برز هذا الاجماع واخذ مکانته بین الادلّة، واصبح یقوی علی فسخ
اجماع المسلمین؟ فالاستدلال اذن بالاجماع فی غیر موضعه، لعدم قیام الدلیل علی حجّیة مثله، علی انّ الشکّ فی الحجّیة کافٍ للقطع بعدمها.
وقد ذکروا عوامل وعلل مختلفة للاعتقاد ب
انسداد باب الاجتهاد، وتدور هذه العوامل حول محورین: عوامل سیاسیّة واجتماعیّة، وعوامل شرعیّة:
ذكرت عوامل متعددة منها:
الاوّل: ضعف القدرة السیاسیّة للخلفاء العبّاسیین. یقول مؤلّف کتاب «ارشاد النقاد» فی الاشارة الی هذا العامل: «انّ ضعف السلطة السیاسیّة للخلفاء العبّاسیین کان من الامور التی اثرت تاثیراً سیّئاً فی حیاة الفقه والفقهاء، فالفقهاء فی بحوثهم الفقهیّة لم یجدوا الشجاعة الكليني، محمد بن يعقوب، الکافیة لتدوین المذاهب وترتیب وتبویب
المسائل الفقهیّة، بل اکتفوا بالاعتماد علی ما ذکره الفقهاء السابقون وراوا انفسهم فی غنی عن البحث والاستنباط».
الثانی: ضعف الاعتماد علی النفس. فانّ عدم الجراة علی الاجتهاد وقلّة الاعتماد علی النفس کانت من عوامل تکریس الاعتقاد بانسداد باب الاجتهاد.
الثالث: الحسد والانانیة. فانّ شیوع
الامراض الاخلاقیة بین بعضالعلماء، من الحسد والانانیة وامثالها، تعتبر عاملًا مهمّاً من عوامل الاعتقاد بالانسداد.
الرابع: فرض الافکار علی الفقهاء. فانّ تکلیف القضاة وفرض الفتاوی علی الفقهاء لبیانها واصدارها للناس وفقاً لمذهب خاصّ کانت من الامور المساعدة علی ایصاد باب الاجتهاد واماتة الدافع للاجتهاد والتحقیق فی المسائل الشرعیة لدی الفقهاء.
الخامس: عدم اعتماد الناس علی اجتهاد علماء عصرهم. فانّ
جمهور الناس لم یکونوا یعتمدون علی آراء واجتهادات علمائهم وفقهائهم الاحیاء وانّما یعتمدون علی آراء القدماء فقط.
السادس: خوف الحکّام من بعض الاجتهادات. فانّ الحکّام کانوا یعیشون الهاجس الدائم من حرکة الاجتهاد؛ لانّ اجتهادات بعض المجتهدین تثیر احیاناً القلق والفوضی والمشاکل.
السابع: الخوف من الفوضی فی
الفقه. فالمعروف بین الفقهاء انّ السبب المهم لسد باب الاجتهاد هو انّ انفتاح هذا الباب یؤدّی الی الفوضی والتشویش والاضطراب فی الفقه الی درجة انّه ربّما یدّعی الطالب المبتدیء والاشخاص الذین لیست لهم لیاقة الافتاء، ملکة الاجتهاد، بحیث انّه یمکن ان یدّعی الاجتهاد کلّ مبتدیء فی هذه المسائل.
وقد جاء فی کتاب «الموسوعة الفقهیة» ایضاً: وخشیة ان یتعرّض للاجتهاد من لیس اهلًا له، امّا رهبة او رغبة، فسدّاً للذرائع افتوا باقفال باب الاجتهاد.
الثامن: اشتغال العلماء بالسیاسة وشؤونها. انّ تقسیم
الدول الاسلامیة الی دویلات وممالک متعدّدة وتفاخر الملوک والوزراء فی هذه البلدان بسلطانهم، کان من العوامل التی ادّت الی تهمیش النشاط الدینی، وقد تحرّک بعض العلماء ایضاً من هذا الموقع واشتغلوا بهذه الامور تبعاً للاوضاع السیاسیة وما تفرضه السیاسة من شؤون علی بعض رجال الدین.
التاسع: استهلاک شخصیة المجتهدین فی الاحزاب والتشکیلات السیاسیة فی ذلک الزمان. ان تقسیم المجتهدین الی طوائف واحزاب وکلّ حزب یتحرّک من موقع تشکیل مدرسة وتیّار دینیّ ویتحرّک علی مستوی جمع الاتباع والتلامیذ، ادّی الی تکریس التعصّب الفکریّ فی کلّ دائرة فقهیة بالنسبة لمبانیها الخاصّة، والسعی الی دحر المدارس والاحزاب الاخری، وهذا العمل بلغ الی حدّ انّ احداً لم یکن یراجع نصوص القرآن او الحدیث الّااذا اراد تایید مذهبه بهذه النصوص، حتّی مع اعمال التاویل والتصرّف فی المراد منها، وبهذه الطریقة نری ذوبان شخصیات کبیرة من العلماء فی هذه التیارات والمدارس الفقهیة، وفقدان الاستقلال العقلیّ لدیهم، بحیث صار الخواصّ کالعوامّ تابعین ومقلّدین
وهکذا تمّ ایصاد باب الاجتهاد.
العاشر. عدم وجود ضابطة مشخّصة للاجتهاد. فانّ ادّعاءات الفتوی والعمل فی القضاء من قِبل المبتدئین وعدم وجود ضابطة مشخّصة لاحراز الاجتهاد، کانت من عوامل الفتوی بانسداد باب الاجتهاد.
ما ذکر آنفاً کان من جملة العوامل المذکورة لانسداد باب الاجتهاد، وربّما لا تنحصر العوامل بهذه الامور وان کانت العوامل المذکورة تمثّل الاسباب والعوامل المهمّة لهذه المسالة.
انّ من اهمّ هذه العوامل العشرة المذکورة آنفاً، هی مسالة
الفوضی الفقهیة والتی یمکنها ان تمتدّ الی المجال الاجتماعیّ والسیاسیّ ایضاً وتخلق تداعیات خطیرة علی مستوی الامن والاستقرار، وکذلک ورود المبتدئین والمغرضین فی دائرة الاجتهاد کان سبباً لانسداد باب الاجتهاد. فهذان العاملان، اللذان سیاتی الحدیث عنهما فی البحوث الآتیة، یمثّلان نتیجة مباشرة للاعتماد علی
القیاس و
الاستحسان و
المصالح المرسلة و
رای الصحابة التی لا تعرف الحدّ فی دائرة الرای والتقنین ولا تتوفّر فیها ضابطة دقیقة ومعیار واضح للفتوی، ومن هنا فانّها تدفع الفقیه باتّجاهات مختلفة، الیس من الجدیر تجدید النظر فی هذه الادلّة الظنّیة لمنع وقوع الهرج والمرج والفوضی الفقهیة؟
وهناک عاملان آخران، ای خوف الحکّام من الفتاوی الجدیدة، وذوبان شخصیة الفقهاء فی المسائل السیاسیة، یمکن اجتنابهما، لانّه اذا حفظ العلماء استقلالهم العلمیّ والاجتماعیّ وتخلّصوا من الارتباط والتبعیة للحکومات، فانّهم سوف لا یقعون فی شباک هذه المشاکل بحیث تمنعهم من الاجتهاد. ولکن للاسف فانّ هذه الاشتباهات ادّت الی رکود حرکة الفقه الاسلامی لدی بعض الفرق الاسلامیة، فلو لم یوصد باب الاجتهاد بسبب هذه الامور، فانّ الفقه الاسلامی وفی جمیع المذاهب سیتحرّک فی خطّ التقدّم والتکامل قطعاً.
ذكرت بعض العوامل الشرعية لتبرير لذلك منها:
الاوّل: الخوف من تغییر الکثیر من
الاحکام الشرعیة، حیث یعتقد البعض انّه لولا الفتوی بالانسداد، فانّ الکثیر من الاحکام الشرعیة ستطالها ید التغییر، ویقول صاحب کتاب «العاملي، السيد محسن، اعیان الشیعة: » «لو بقی باب الاجتهاد مفتوحاً عندهم علی مصراعیه، مع القول بالقیاس والاستحسان والمصالح المرسلة، لتغیّر الکثیر او الاکثر من احکام الشرع».
الثانی: الخوف من مخالفة اجماع الائمّة الاربعة. فقد ذکر صاحب کتاب «الاصول العامة للفقه المقارن» فی هذا المجال ما یلی: یقول صاحب کتاب «الاشباه: » «الخامس ممّا لا ینفذ القضاة به، ما اذا قضی بشیء مخالف للاجماع وهو ظاهر، وما خالف الائمّة الاربعة مخالف للاجماع، وان کان منه خلاف لغیره فقد صرّح فی التحریر انّ
الاجماع انعقد علی عدم العمل بمذهب مخالف للاربعة، لانضباط مذاهبهم وکثرة اتباعهم».
ثمّ اضاف:«وقد راینا فی المتاخّرین من یوافقه علی هذا الحکم کالشیخ
محمّد عبد الفتاح الغنائی، رئیس لجنة الفتیا فی الازهر الشریف وزملائه فی اللجنة».
ثمّ اضاف قائلًا: «والادلّة التی ذکرها صاحب کتاب «الاشباه» هی:
۱. الاجماع ۲. انضباط المذاهب الاربعة وکثرة اتباعهم»
ثمّ کتب هذا المؤلّف بعد بیان الاشکالات علی استدلال صاحب کتاب «الاشباه: » «وقد نسب ابن الصلاح هذا الاجماع الی المحقّقین لا الی المجتهدین، وهذا طبیعیّ، لانّ هذا الاجماع بعد انسداد باب الاجتهاد.
وقد ناقش الشیخ المراغی (وهو من دعاة حریة الفکر) هذا الاجماع من صغری وکبری.
امّا مناقشته من جهة صغرویة فقد شکّک فی امکان تحصیل هذا الاجماع، لانّ العلماء یرون استحالة الاجماع ونقله بعد القرن الثالث نظراً لتفرّق العلماء فی مشارق الارض ومغاربها، واستحالة الاحاطة بهم وبآرائهم عادة.
وامّا مناقشته من جهة کبرویة فقد انصبّت علی انکار الدلیل علی حجّیة مثل هذا الاجماع، یقول: «لیس لاجماع المحقّقین قیمة بین الادلّة الشرعیة، فهی محصورة بکتاب اللَّه وسنّة رسوله، واجماع المجتهدین، والقیاس علی المنصوص، ولم یعد احد من الادلة الشرعیة اجماع المحقّقین، فکیف برز هذا الاجماع واخذ مکانته بین الادلّة، واصبح یقوی علی فسخ اجماع المسلمین؟ فالاستدلال اذن بالاجماع فی غیر موضعه، لعدم قیام الدلیل علی حجّیة مثله، علی انّ الشکّ فی الحجّیة کافٍ للقطع بعدمها».
ثمّ اضاف صاحب کتاب «الاصول العامة):
«وهاتان العلّتان- سواء اراد بهما التعلیل لاصل الحکمام الاجماع- غریبتان عن الادلّة جدّاً، اذ متی کانت کثرة الاتّباع وانضباط المذاهب من الحجج المانعة عن الاخذ بقول الغیر، وربّما کان الغیر اعلم واوصل الی الحکم الواقعی، وفتواه موجودة محرّرة یمکن الحصول علیها، کما اذا کان معاصراً للمستفتی یمکنه الرجوع الیه بسهولة.
علی انّی لا اکاد افهم- کیف تکون القابلیات المبدعة- وقفاً علی فئة من الناس عاشوا فی عصر معیّن (ولم یتمیّزوا فی عصرهم بظاهرات غیر طبیعیة) مع انّ طبیعة التلاقح الفکریّ توجب خلق تجارب جدیدة فی مجالات الاستنباط، والعقول لا تقف عند حدّ، فکیف یمکن ان یقال لاصحاب هذه التجارب الذین ملکوا تجارب القدماء ودرسوها وناقشوا واضافوا علیها من تجاربهم الخاصّة: انّ هؤلاء القدماء اوصل منکم واعلم، وعلیکم طرح عقولکم والاخذ بما یقولون وان بدت لکم مفارقات فی ما جاءوا به من آراء.ثمّ اضاف: «ومن احسن ما قاله الاستاذ المراغی، وهو ینعی علی دعاة الجمود موقفهم من حریّة الفکر: «لیس ممّا یلائم المعاهد الدینیة فی مصر ان یقال عنها انّ ما یدرس فیها من علوم اللغة والمنطق والکلام والاصول لا یکفی لفهم خطاب العرب، ولا لمعرفة الادلّة وشروطها، واذا صحّ هذا فیالضیعة الاعمار والاموال التی تنفق فی سبیلها» ثمّ یقول: وانّی مع احترامی لرای القائلین باستحالة الاجتهاد، اخالفهم فی رایهم، واقول انّ فی علماء المعاهد الدینیة فی مصر من توافرت فیه شروط الاجتهاد وحرم علیه التقلید».
موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المأخوذ من عنوان «دور عوامل الاجتماعية والشرعية في إنسداد باب الإجتهاد ومناقشتها» ج۱، ص۲۱۹-۲۲۴.