دية قتل شبه العمد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في دية شبيه العمد روايتان اشهرهما: ثلاث وثلاثون بنت لبون، ثلاث وثلاثون حقة، أربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل؛ ويضمن هذه الجاني لا
العاقلة وقال
المفيد: تستأدى في سنتين.
واعلم أنّ
الخطأ وشبيه العمد يشاركان
العمد في هذه الخصال الستّة، كما سيأتي إليه الإشارة، وإنّما يفترقان عنه في أسنان الإبل خاصّة، فإنّها فيه ما مرّ، وفيهما دونه سنّاً، ويفترقان أحدهما عن الآخر بأنّ أسنانها في الخطاء دون أسنانها في شبيهه.
ولكن في تعيين الأسنان في كل منهما خلاف نصّاً وفتوى، ففي دية شبيه العمد منها روايتان.
إحداهما
الصحيح: «قال
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر، إنّ دية ذلك تغلظ، وهي مائة من الإبل، منها أربعون خَلِفة بين ثنيّة إلى بازل عامها، وثلاثون حِقّة، وثلاثون بنت لبون»
.
وعمل بها
الصدوق والإسكافي على ما حكي
، واختاره
الفاضل في
المختلف والتحرير وشيخنا في المسالك والروضة وجمع من المتأخّرين
، ولا بأس به؛ لصحة
السند، مع السلامة عما يصلح للمعارضة من
النص.
وثانيتهما
الخبر: «دية المغلظة التي تشبه العمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل: ثلاث وثلاثون حِقّة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنيّة، كلّها طروقة الفحل»
ونحوه آخر
.
وعمل بهما
المفيد والتقي والديلمي وغيرهم
.
وفي سندهما ضعف على المشهور بعلي بن أبي حمزة ومحمد بن سنان، فلا يتوجّه العمل بهما، سيّما وأن يطرح لأجلهما الرواية الاولى مع صحتها.
واعلم أنّ هنا قولاً ثالثاً أشار إليه بقوله: أشهرهما: أنّها ثلاث وثلاثون بنت لبون سنّها سنتان فصاعداً وثلاث وثلاثون حِقّة سنّها ثلاث سنين فصاعداً وأربع وثلاثون ثنيّة سنّها خمس سنين فصاعداً طروقة الفحل أي التي بلغت أن يضربها الفحل، قال به
الشيخ في النهاية وعن
ابن حمزة في
الوسيلة.
ومستند هذا القول غير واضح، وإن جعله الماتن أشهر الروايتين، فإنّا لم نقف عليها كما اعترف به جماعة من أصحابنا
، ويظهر من
شيخنا في
المسالك وبعض من تبعه
أنّها الرواية الثانية المتقدّمة، وهو غفلة واضحة فإنّه ليس فيها ذكر بنت لبون، بل فيها بدلها جذعة.
ونحو هذا القول: القول بهذه الأسنان أيضاً لكن مبدلاً فيه الأربع والثلاثين ثنيّة طروقة الفحل بأربع وثلاثين خَلِفة بفتح الخاء وكسر اللام، أي الحامل، كما عن
الخلاف والمهذّب.
وربما يجمع بين هذين القولين بأن يراد من طروقة الفحل في الأوّل ما طرقها الفحل فحملت بقرينة أنّ الحقّة ما بلغت أن يضربها الفحل.
وعن النهاية
والإصباح وفي الغنية
أنّه روي: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وأربعون خَلِفة، قال في النهاية: كلّها طروقة الفحل. ولم نقف عليها.
ويضمن هذه الدية أيضاً الجاني خاصّة لا العاقلة للأصل المتقدّم إليه الإشارة؛ مضافاً إلى
الإجماع عليه في ظاهر السرائر
بل صريحه، وصريح التحرير والغنية
.
خلافاً للمحكي عن الحلبي
، فجعلها على العاقلة. وهو شاذّ.
وللنهاية والمهذّب والغنية
فيما لو مات أو هرب، فيؤخذ بها حينئذٍ أولى الناس به، وإن لم يكن له أحد ففي
بيت المال.
ولعلّه غير بعيد؛ لثبوت مثله في العمد كما مرّ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في
الغنية.
وأنكره الحلّي
، فقال: إنّه خلاف الإجماع، فإنّه لا
ضمان عليهما إلاّ في الخطأ المحض. وهو معارَض بمثله بل وأجود، فتأمّل.
واعلم أنّا لم نقف على رواية تدل على مقدار زمان تأديتها فيه، إلاّ أنّه قال
المفيد: تستأدى في سنتين
وتبعه أكثر الجماعة، بل عامّتهم كما في ظاهر
الروضة مشعراً بالإجماع عليه، كما في ظاهر السرائر
، حيث قال: عندنا تستأدى في سنتين من مال القاتل خاصّة. ونحوه ظاهر
المبسوط، ونفى الخلاف عنه في الغنية
.
وهو الحجة المؤيّدة بما احتجَّ عليه في
المختلف: من أنّه كما ظهر التفاوت بين العمد والخطأ في الأجل لتفاوت الجناية فيهما، وجب أن يظهر بالنسبة إليهما وإلى شبيه العمد؛ لوجود المقتضي عملاً بالمناسبة
.
فلا وجه للتردّد المستفاد من العبارة وما ضاهاها من عبائر جماعة كالمهذّب
والشرائع والنهاية، ولا لما يحكى عن ابن حمزة من أنّه تستأدى في سنتين إن كان معسراً، وإلاّ ففي سنة
، ولا لما عن الخلاف من أنّها تستأدى في سنة، ودية العمد حالّة
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج، ص۳۵۲-۳۵۶.