زمان النفر من منى وشرائطه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وإذا بات بمنى ليلتين جاز له النفر في الثاني عشر بعد الزوال.
(ويجوز) للحاج إذا فرغ من رميه الجمار في اليومين الأوّلين من
أيام التشريق (النفر في الأول، وهو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتّقى الصيد) بأن ترك قتله وأخذه (والنساء) بأن ترك وطأهنّ، وربما قيل :
الاستمتاع بهنّ مطلقاً.
وهو أحوط وأولى في إحرامه في الحج، وربما الحق به
عمرة التمتع ، لارتباطها به،
وهو أحوط. ويسقط عنه
رمي الجمار في اليوم الثالث حينئذ بلا خلاف، كما عن المنتهى.
(وإن شاء) نفر (في الثاني وهو الثالث عشر) من الشهر. بالكتاب
والسنّة،
و
الإجماع الظاهر، المصرَّح به في جملة من العبائر،
وعن المنتهى إنه مذهب العلماء كافة.
ولكن اختلف الفتاوي والنصوص في المراد بالمتّقي : أهو من الصيد والنساء خاصة، كما هو الأشهر، أو سائر ما يوجب
الكفارة كذلك، كما عن الحلّي وغيره،
أو كلّ ما حرم عليه في إحرامه، كما عن ابن سعيد
؟
والأظهر : الأول؛ للخبرين في أحدهما : «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس، وهو قول الله عزّ وجلّ : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.... لِمَنِ اتَّقى)
اتّقى الصيد».
ومفهومه وإن دلّ على جواز نفر المتّقي للصيد في النفر الأول مطلقاً ولو لم يتّق النساء، لكنه مقيّد بما إذا اتّقاهن أيضاً بالإجماع.
وفي الثاني : «ومن أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في
النفر الأول ».
وضعف سندهما منجبر بالعمل. ولا دليل على الأخيرين عدا الخبر للأخير، وفيه : «لمن اتّقى الرَّفَث و
الفسوق والجدال، وما حرّم الله تعالى في إحرامه».
وفي سنده ضعف، مضافاً إلى عدم مقاومته لما مرّ من وجوه. وهو وإن وافقه ظاهر إطلاق الآية، إلاّ أنها كما قيل
مجملة محتملة لمعان متعددة رويت في تفسيرها. وفيه نظر.
وكيف كان، فلا ريب أن هذا القول أحوط، فلا يترك العمل به مهما أمكن.
(ولو لم يتّقِ تعيّن عليه
الإقامة إلى النفر الأخير) إجماعاً؛ لما مرّ قريباً.
(وكذا) يتعيّن عليه الإقامة إلى النفر الأخير (لو غربت الشمس) وهو بمنى (ليلة الثالث عشر) وإن اتّقى، بالإجماع والمعتبرة المستفيضة :
ففي الصحيح : «إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبِت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح».
وفيه : «فإن أدركه
المساء بات ولم ينفر».
(ومن نفر في الأوّل لا) يجوز أن (ينفر إلاّ بعد الزوال) إلاّ لضرورة.
(و) من نفر (في الأخير يجوز) له (قبله) بلا خلاف هنا حتى من القائل بأن وقت
الرمي بعد الزوال، بل في الغنية والتذكرة عليه الإجماع،
وعن المنتهى بلا خلاف.
ولا في الأول؛ إلاّ ما يحكى عن
التذكرة ، فقرّب فيها أن التأخير مستحب.
ووجّهه بعض بأن الواجب إنما هو الرمي والبيتوتة، والإقامة في اليوم مستحبة كما مرّ، فإذا رمى جاز النفر متى شاء. قال : ويمكن حمل كثير من العبارات عليه، ويؤيده الخبر : «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال»
وإن حمل على الضرورة والحاجة.
انتهى.
وفيه : أنه
اجتهاد صِرف في مقابلة الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :
ففي الصحيح : «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، وإن أخّرت إلى آخر أيام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت، من قبل الزوال أو بعده».
وفيه : «أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، فأما اليوم الثالث فإذا ابيضّت الشمس فانفر على كتاب الله تعالى» الخبر.
وفيه : عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس، فقال : «لا، ولكن يخرج ثقله، ولا يخرج هو حتى تزول الشمس».
مع أن الخبر الذي ذكره ضعيف السند بالجهالة والدلالة؛ باحتماله التقييد بما ذكره، وهو أقوى من حمل الصحاح على
الاستحباب أو الكراهة من وجوه عديدة.
ودعوى
انحصار الواجب في الرمي والبيتوتة أوّل النزاع والمشاجرة، واستحباب الإقامة في اليوم كلّه لا يستلزم استحبابها في أجزائه، وبعبارة اخرى : الموصوف بالاستحباب إنما هو الإقامة بعد الزوال إلى الليل، لا الإقامة إلى الزوال، وأحدهما غير الآخر، والمؤيد هو الثاني دون الأوّل.
ثم اعلم أن إطلاق الأدلة كالعبارة ونحوها بجواز النفر في الثاني قبل الزوال أو بعده مخيراً بينهما يعمّ
الإمام وغيره.خلافاً للمحكي عن النهاية والمبسوط والمهذّب والسرائر والغنية
و
الإصباح ، فخصّوه بغير الإمام، وقالوا : عليه أن يصلّي الظهر بمكة. وعن المنتهى و
التحرير والتذكرة استحباب ذلك له.
ولا بأس به؛ للصحيح : «يصلّي الإمام الظهر يوم النفر بمكة».
وفي الخبر : إنّ أصحابنا قد اختلفوا علينا، فقال بعضهم : إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل، وقال بعضهم : قبل الزوال، فكتب : «أما علمت أن
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر بمكة؟ فلا يكون ذلك إلاّ وقد نفر قبل الزوال».
وربما يفهم منه رجحانه لغير الإمام أيضاً.
رياض المسائل، ج۷، ص۱۶۵- ۱۷۰.