ضمان صاحب الدابة وراكبها للدية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها، ولم يضمن صاحب المدخول عليها؛ والوجه اعتبار التفريط في الأول؛ ولو دخل دارا فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل بإذنهم وإلا فلا
ضمان؛ ويضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها؛ وكذا القائد؛ ولو وقف بها ضمن جنايتها ولو برجليها؛ وكذا لو ضربها فجنت؛ ولو ضربها غيره ضمن الضارب؛ وكذا السائق يضمن جنايتها؛ ولو ركبها اثنان تساويا في الضمان؛ ولو كان معها صاحبها ضمن دون الراكب؛ ولو ألقت الراكب لم يضمن المالك إلا أن يكون بتنفيره؛ ولو أركب المملوك دابته ضمن المولى؛ ومن
الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك.
واعلم أنّ هذا كلّه في الطرق النافذة، أمّا المرفوعة فلا يجوز فعل ذلك فيها إلاّ بإذن أربابها أجمع؛ لأنّها ملك لهم، وإن كان الواضع أحدهم فبدون
الإذن يضمن مطلقاً إلاّ القدر الداخل في ملكه؛ لأنّه سائغ لا يتعقّبه
ضمان.
ولو هجمت دابة على اخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها، ولم يضمن صاحب المدخول عليها بلا خلاف في الأخير مطلقا؛ للأصل وما سيأتي من
النص.
وأمّا الأوّل: فقد أطلقه
الشيخ والقاضي أيضاً، بل نسبه في
المسالك والروضة بعد الشيخ إلى جماعة؛ لإطلاق النص بذلك في قضاء علي (علیهالسّلام) في جناية ثور على حمار: «فقال: إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور، وإن كان الحمار قد دخل على الثور في مراحه فلا ضمان عليهم»
ونحوه آخر في هذه الواقعة
لكن مع اختلافات يسيرة.
وضعف سندهما يمنع عن العمل بهما، مع مخالفة إطلاقهما
الأصل والقاعدة، وكونهما قضية في واقعة.
والوجه وفاقاً للمتأخّرين كافّة اعتبار التفريط في جناية الدابّة الاولى فلو لم يفرّط في حفظها بأن انفلتت من الإصطبل الموثق، أو حلّها غيره، فلا ضمان عليه؛ للأصل، وعدم تقصير يوجب الضمان.
مضافاً إلى فحوى المرسل: «بعث
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) عليّاً (علیهالسّلام) إلى
اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومرّ يعدو، فمرّ برجل فنفحه
برجله فقتله، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى
علي (علیهالسّلام)، فأقام صاحب الفرس البيّنة عند عليّ (علیهالسّلام) أنّ فرسه أفلت من داره فنفح الرجل، فأبطل علي (علیهالسّلام) دم صاحبهم» الحديث
.
وضعف
السند مجبور بما مر، ويمكن تنزيل الخبرين على هذا، وكذا كلام القائل بهما، سيّما مع أنّه ذكر في
النهاية ما يوافقه، فقال: إذا اغتلم البعير على صاحبه وجب عليه حبسه وحفظه، فإن جنى قبل أن يعلم به لم يكن عليه شيء، فإن علم به وفرّط في حفظه كان ضامناً لجميع ما يصيبه من قتل نفس وغيرها
، إلى آخر ما قال.
وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرناه، بل بإطلاقه يشمل محل البحث، فليس بمخالف لما عليه أصحابنا.
ولو دخل أحد داراً لغيره فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل بإذنهم، وإلاّ يدخلها بإذنهم فلا ضمان عليهم، بغير خلاف ظاهر مستفاد من كثير من العبائر
، بل عن ظاهر
المبسوط الإجماع عليه، وهو
الحجة؛ مضافاً إلى النصوص الكثيرة، وفيها القويّ وغيره.
وإطلاقها كالفتاوي يقتضي عدم الفرق في الكلب بين كونه حاضراً في الدار وعدمه، ولا بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه.
ولو أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممّن يجوز الدخول بإذنه اختصّ الضمان به، وإلاّ فكما لو لم يأذن إن لم يتضمّن إذنه تغريراً للداخل، وإلاّ فيضمن مع جهله بحال الآذن وأنّه ممّن لا يجوز الدخول بإذنه.
ولو اختلفا في
الإذن قدّم المنكر؛ للأصل.
ويضمن راكب الدابّة ما تجنيه بيديها دون رجليها وكذا القائد لها يضمن ما تجنيه باليدين خاصّة، هذا إذا سارا بها وأما لو وقف أحدهما بها ضمن كل منهما جنايتها مطلقا ولو برجليها، وكذا لو ضربها أحدهما فجنت ضمنا جنايتها مطلقاً ولو ضربها غيرهما ضمن الضارب مطلقا وكذا السائق لها يضمن جنايتها مطلقا.
بلا خلاف في شيء من ذلك أجده، بل عليه الإجماع في
الغنية وشرح الشرائع للصيمري، لكن في الجملة.
وهذا التفصيل وإن لم يستفد من رواية واحدة إلاّ أنّه مستفاد من الجمع بين المعتبرة المستفيضة، ففي الصحيحين: عن الرجل يمرّ على طريق من طرق
المسلمين فتصيب دابّته إنساناً برجلها؟ قال: «ليس عليه ما أصابته برجلها، ولكن عليه ما أصابته بيدها؛ لأنّ رجلها خلفه إن ركب، فإن كان قاد بها فإنّه يملك بإذن الله تعالى يدها يضعها حيث يشاء»
.
والتعليل ظاهر في أنّ الضمان حالة الركوب خاصّة، وكذا هو مع قوله في القائد: «فإنّه يملك يدها» ظاهر في اختصاص ضمانه بما تجنيه بيديها خاصّة دون رجليها.
وأظهر منهما
القوي: أنّه (علیهالسّلام) ضمّن القائد والسائق والراكب، فقال: «ما أصاب الرِّجل فعلى السائق، وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب»
.
وظاهره في السائق وإن كان اختصاص ضمانه بما تجنيه بالرجل خاصّة بقرينة المقابلة، إلاّ أنّه محمول على إرادة بيان الفرق بينه وبين الأخيرين بعدم ضمانهما ما تجنيه بالرجل، بخلافه فيضمنه أيضاً، والشاهد عليه بعد
فتوى الأصحاب التعليل المتقدم في الصحيحين للحكم بضمان ما تجنيه باليدين من كونهما قدّامه يضعهما حيث يشاء، وهو جارٍ في الرجلين أيضاً بالنسبة إلى السائق جدّاً.
مضافاً إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه
بابن سنان على المشهور بالعمل: عن رجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها؟ قال: «ليس عليه ما أصابت برجلها، وعليه ما أصابت بيدها، وإذا وقف فعليه ما أصابت بيدها ورجلها، وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها»
.
وفيه الدلالة على الضمان مع الوقوف بالدابة لما تجنيه مطلقا، وعليه يحمل إطلاق ما مرّ، مع ظهوره في حالة السير خاصّة.
وكذا يحمل عليه
إطلاق ما دلّ على ضمان الراكب لما تجنيه ولو بالرجلين مطلقاً، كالخبر: «أنّ عليّاً (علیهالسّلام) كان يضمن الراكب ما وطأت بيدها أو رجلها، إلاّ أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها»
بحمله على ما إذا ساقها خاصّة.
وفيه الدلالة على ضمان الضارب مطلقا، مالكاً كان أو غيره؛ للإطلاق مضافاً إلى الاعتبار، والصحيح: عن الرجل ينفر بالرجل فيعقره وتعقر دابّته رجلاً (في
الكافي والوسائل: رجلٌ.) آخر؟ فقال: «هو ضامن لما كان من شيء»
.
وفي آخر: «أيّما رجل فزع رجلاً عن الجدار أو نفر به دابة فخرّ فمات فهو ضامن لديته، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه»
.
ونحوه في ذلك
الموثق كالصحيح وغيره: في صاحب الدابة: أنّه «يضمن ما وطئت بيدها ورجلها، وما نفحت برجلها فلا ضمان عليه إلاّ أن يضربها
إنسان»
.
والمراد بضمان ما تجنيه بيدها ورجلها ما تجنيه بها أجمع ويكون الضمان باليدين خاصّة، وإلاّ فلا معنى لقوله (علیهالسّلام): «وما نفحت برجلها فلا ضمان عليه».
وقوله (علیهالسّلام): «إلاّ أن يضربها» استثناء منقطع، أو عن قوله سابقاً: «يضمن ما وطئت بيدها ورجلها».
وينبغي تقييد الضرب بما إذا كان عبثاً كما في الرواية الأُولى، وإلاّ فلو قصد الدفع لم يكن ضامناً قطعاً؛ للأصل، وخصوص
الخبر: عن رجل كان راكباً على دابّة فغشي رجلاً ماشياً حتى كاد أن يوطئه، فزجر الماشي الدابّة عنه فخرّ عنها فأصابه
موت أو
جرح؟ قال: «ليس الذي زجر ضامناً، إنّما زجر عن نفسه»
ونحوه آخر
، هذا.
مضافاً إلى إطلاق النصوص بعدم الضمان بالدفاع أو فحواها.
ثم إنّ مقتضى التعليل لضمان ما تجنيه باليدين في الصحيحين ثبوته فيما تجنيه برأسها أيضاً، بل مطلق مقاديم بدنها التي هي قدّام الراكب، سيّما أعاليها؛ لثبوت الحكم فيها مع ذلك بطريق أولى، وعليه أكثر أصحابنا وفاقاً للمبسوط
، وعن
الخلاف الاقتصار على اليدين؛ جموداً فيما خالف الأصل على مورد النص، ولأجله تردّد
الماتن في
الشرائع، إلاّ أنّه اختار ما اخترناه، قال: لتمكّنه من مراعاته. وهو حسن، ومرجعه إلى ما ذكرنا.
واعلم أنّ هنا نصوصاً دالّة بإطلاقها على عدم الضمان بجناية الدابّة إمّا مطلقاً كما في القوي: «العجماء جبار»
وغيره: «بهيمة الأنعام لا يغرم أهلها شيئاً»
أو ما دامت مرسلة كما في
المرسل، فمع ضعف أسانيدها محمولة على ما إذا فلتت عن صاحبها من غير تفريط منه في حفظها، أو ما اعتيد إرسالها للرعي، فإنّ المشهور عدم الضمان هنا، كما ذكره الخال
العلاّمة المجلسي.
ولو ركبها اثنان تساويا في
الضمان لما تجنيه بيديها ورأسها، بلا خلاف؛ لاشتراكهما في اليد والسببية، إلاّ أن يكون أحدهما ضعيفاً لصغر أو مرض فيختصّ الضمان بالآخر؛ لأنّه المتولّي أمرها.
وفي الخبر: في دابة عليها ردفان فقتلت الدابة رجلاً أو جرحت، فقضى في
الغرامة بين الردفين بالسوية
.
قيل
: وفيه تردّد، ولكن
الأصحاب قاطعون به، هذا إذا كانا هما المتولّين لأمرها.
وأمّا لو كان معها صاحبها مراعياً لها ضمن هو دون الراكب مطلقا، ويأتي في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقاً أو قائداً.
ولو ألقت الراكب لم يضمن المالك للأصل إلاّ أن يكون الإلقاء بتنفيره أي المالك، فيضمن حينئذٍ؛ للسببية؛ مضافاً إلى ما مرّ من النصوص الصحيحة وغيرها بإيجاب الضرب ضمان الجناية.
ولو اجتمع للدابّة سائق وقائد، أو أحدهما وراكب، أو الثلاثة اشتركوا في ضمان مشترك مع الاشتراك في الحفظ والرعاية، واختصّ السائق بجناية الرجلين، وغير المشارك في الحفظ كالعدم.
ولو أركب مملوكه دابّة ضمن المولى جناية الدابّة بيديها، بلا خلاف إذا كان صغيراً؛ للصحيح الآتي وغيره: عن رجل حمل غلاماً يتيماً على فرس استأجره بأُجرة وذلك معيشة ذلك الغلام قد يعرف ذلك عصبته فأجراه في الحَلبة
فنطح الفرس رجلاً فقتله، على من ديته؟ قال: «على صاحب الفرس» قلت: أرأيت لو أنّ الفرس طرح الغلام فقتله؟ قال: «ليس على صاحب الفرس شيء»
.
وكذا إذا كان كبيراً في ظاهر إطلاق المحكي عن الشيخ والقاضي
والإسكافي، بل الأكثر كما في
التنقيح، ونسبه في
الروضة بعد الشيخ إلى جماعة
؛ لإطلاق الصحيح: في رجل حمل عبده على دابّته فوطئت رجلاً، فقال:«الغرم على مولاه»
.
ومن الأصحاب من شرط في ضمان المولى صغر المملوك وهو
الحلّي، قال: لأنّه فرّط بركوبه له الدابّة، وإن كان بالغاً عاقلاً فإن كانت الجناية على بني آدم فيؤخذ المملوك إذا كانت الجناية بقدر قيمته، أو يفديه السيّد، وإن كانت على الأموال فلا يباع العبد في قيمة ذلك، ولا يستسعى، ولا يلزم مولاه ذلك
.
واستحسنه كثير من المتأخّرين
وزادوا في الأخير أنّه يتعلّق برقبته يتبع به بعد عتقه، وهو كذلك؛ للأصل؛ وعموم ما دلّ على جناية الراكب، مع ضعف دلالة إطلاق الصحيح، بل الظاهر اختصاصه بالصغير بشهادة السياق ولفظ الحمل والإركاب، ونحوه جار في كلام الشيخ والأتباع.
واعلم أنّ في التنقيح
نسب إلى الحلّي أنّه اشترط شيئين: ما مرّ، وآخر وهو: وقوع الجناية على آدمي فقط.
وفيه نظر، فإنّه اشترط الأخير في البالغ، وأمّا الصغير فلم يذكر فيه إلاّ الصغر وبعده فأطلق.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۱۰-۴۱۹.