قصاص النفس في العبد المكاتب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والمكاتب إن لم يؤد وكان مشروطا فهو كالرق المحض، وإن كان مطلقا وقد أدى شيئا فإن قتل حرا مكافئاً عمدا قتل به؛ وإن قتل مملوكا فلا
قود؛ وتعلقت الجناية بما فيه من
الرقية مبعضة، ويسعى في نصيب
الحرية ويسترق الباقي منه أو يباع في نصيب الرق؛ ولو قتل خطأ فعلى
الإمام بقدر ما فيه من الحرية؛ وللمولى
الخيار بين فك ما فيه من الرقية
بالأرش، أو تسليم حصة الرق ليقاص بالجناية وفي رواية
علي بن جعفر: إذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر.
والمكاتب إن لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً، وكان مشروطاً كان كالرقّ المحض بلا خلاف، للصحيحين، مضى أحدهما في جناية العبد خطأً، وفي الثاني: «فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئاً فإنه يقاصّ للعبد منه، ويغرم المولى كلّ ما جنى المكاتب؛ لأنّه عبده ما لم يؤدّ من مكاتبته شيئاً»
.
وإن كان مطلقاً وقد أدّى شيئاً تحرر منه بقدر ما أدّى.
فإن قتل حرّا مكافئاً له في
الحرّية ولو كان عبداً من جهة، ما لم تنقص حرّيته عن حرّيته، وإلاّ فلا يقتصّ له منه ما لم يتساو حرّيتهما أو يزد حرّية المقتول على حرّية القاتل عمداً قتل به.
وإن قتل مملوكاً محضاً أو مبعّضاً مع نقصان حرّيته عن حرّية القاتل فلا قود عليه؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه وتعلّقت الجناية حينئذٍ بذمّته وبما فيه من
الرقّية مبعّضة فبقدر ما فيه من الحرّية بذمّته، وبما فيه من الرقية برقبته ويسعى في نصيب الحرّية من قيمة المقتول وما بإزائها منها ويسترقّ وليّ الدم الباقي منه، أو يباع في نصيب الرقّ من قيمته وإن أمكنه، أو كان ما في يده يفي بتمام قيمة المقتول؛ لأنّه لما فيه من الرقّية يتعلّق من جنايته ما بإزائها برقبته، وتبطل الكتابة حينئذٍ؛ لانتقاله إلى ملك الغير.
ولو قتل حرّا، أو قنّاً، أو مبعّضاً خطأً فعلى
الإمام أن يؤدّي عنه بقدر ما فيه من الحرّية إن لم يكن له
عاقلة، فإنّه عاقلته، بلا خلاف أجده.
وللصحيح: «إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه، وكان قد أدّى من مكاتبته شيئاً فإنّ
علياً (علیهالسّلام) كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدّى من مكاتبته، وإنّ على الإمام أن يؤدّي إلى أولياء المقتول من
الدية بقدر ما أُعتق من المكاتب، ولا يبطل دم امرئ مسلم، وأرى أن يكون ما بقي على المكاتب ما لم يؤدّه، فلأولياء المقتول أن يستخدموه حياته بقدر ما بقي عليه وليس لهم أن يبيعوه»
.
وللمولى
الخيار بين فكّ ما فيه من نصيب الرقّية
بالأرش أو بأقلّ الأمرين، على الخلاف المتقدم، وتبقى الكتابة بحالها باقية، وبين تسليم حصّة الرّق إلى وليّ المقتول ليقاصّ بالجناية وتبطل
الكتابة، وله التصرف فيه كيف شاء من
بيع، أو
استخدام، أو غيرهما.
هذا هو الذي يقتضيه الأُصول، وعليه أكثر المتأخرين على الظاهر، المصرّح به في
المسالك، بل المشهور بين
الأصحاب مطلقاً، كما في
المهذّب وغيره
، وفي المسالك أنّ في بعض الأخبار دلالةً عليه. ولم أقف عليه، بل في الصحيح المتقدّم قريباً ما ينافي جواز بيعه لوليّ الدم، وأن ليس له سوى استخدامه حياته ولم يقولوا به، بل حكي القول به عن
الصدوق والمفيد والديلمي، ونفى عنه البأس في
المختلف، ويمكن حمله على كراهة البيع أو حرمته إذا أُريد بيعه أجمع.
وفي رواية
علي بن جعفر المروية بطريق مجهول: أنّه إذا أدّى المكاتب نصف ما عليه فهو بمنزلة الحرّ وهي طويلة في آخرها: عن المكاتب إذا أدّى نصف ما عليه؟ قال: «هو بمنزلة الحرّ في
الحدود وغير ذلك من قتل وغيره»
ولم أرَ مفتياً بها صرحياً.
نعم
الشيخ جمع في
الاستبصار بينها وبين الصحيح: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في مكاتب قتل، قال: يحتسب منه ما أعتق منه فيؤدّي به دية الحرّ، وما رقّ منه دية الرقّ»
بحمله على التفصيل الذي تضمّنته
الرواية، ولذا نسبه الأصحاب إلى القول بها.
وفيه نظر؛ لاحتمال إرادته بذلك مجرّد الجمع لا
الفتوى، مع أنّه ذكر بعض الأفاضل أنّ الذي في الاستبصار أنّ حكمه حكم الحرّ في دية أعضائه ونفسه إذا جني عليه، لا في جناياته، وإن تضمّنها الخبر، فيحتمل أن يكون إنّما يراه كالحرّ في ذلك خاصّة.
كما يرى الصدوق مع نصّه في
المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين، قال: وإذا فقأ حرّ عين مكاتب أو كسر سنّه فإن كان أدّى نصف مكاتبته فقأ عين الحرّ، أو أخذ ديته إن كان خطأً، فإنّه بمنزلة الحرّ وإن كان لم يؤدّ النصف قوّم فأدّى بقدر ما أُعتق منه، وإن فقأ مكاتب عين مملوك وقد أدّى نصف مكاتبته قوّم المملوك وأدّى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه
؛ انتهى.
وأشار بما سمعته إلى ما حكاه عنه سابقاً، فقال: وفي المقنع:
والمكاتب إذا قتل رجلاً خطأً فعليه من
الدية بقدر ما أدّى من مكاتبته، وعلى مولاه ما بقي من قيمته، فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له فإنّما ذلك على
إمام المسلمين.
ومن هذه العبارة يظهر ما في نسبة جماعة
مختار المفيد إلى الصدوق، فإنّ بين مختاريهما فرقاً واضحاً، وكذا في نسبة مختاره إلى
الديلمي؛ على ما يظهر من عبارته التي حكاها
الفاضل المتقدم عنه في
المراسم، وهي هذه: على الإمام أن يزن عنه بقدر ما عتق منه، ويستسعي في البقيّة
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۲۲۸-۲۳۱.