لزوم التعفيربالتراب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ثمّ إنّ اشتراط التعفير بالتراب هل يشمل حالتي
الاختيار والاضطرار أم يختصّ بحالة الاختيار حسب؟ فيه قولان:
القول الأوّل: تعيّن التراب اختياراً واضطراراً، كما اختاره جماعة،
فيبقى الإناء على النجاسة حتى يتمكّن من التراب.والوجه فيه: أنّ هذه الأوامر إرشادية، وليست تكليفيّة ليتوهم اختصاصها بفرض الاختيار والقدرة، فهي تدل على أنّ الطهارة لا تحصل والنجاسة لا ترتفع إلّا بالكيفيّة المذكورة للغسل، وهذا واضح.
القول الثاني:
الاختصاص بحال الاختيار دون الاضطرار، نسب إلى ابن الجنيد،
واختاره الشيخ في المبسوط، فإنّه قال: «وإذا لم يوجد التراب لغسله جاز الاقتصار على الماء، وإن وجد غيره من الأشنان وما يجري مجراه كان ذلك أيضاً جائز»
وتبعه جماعة وإن اقتصر بعضهم على الأخير.
وذلك لحصول الغرض من إرادة قلع النجاسة والأجزاء اللعابية، بل ربما كان بعضه أبلغ من التراب.وردّ بأنّ مقتضاه جوازه اختياراً، وهو معلوم
البطلان ، على أنّ هذا مجرّد
استحسان لا دليل عليه ولا برهان، فاللازم هو الأخذ بما يرشد إليه الدليل في مقام التطهير من لزوم التعفير بالتراب، فمع عدم حصوله يبقى نجساً.
قال السيد اليزدي: «إذا كان
الإناء ضيّقاً لا يمكن مسحه بالتراب فالظاهر كفاية جعل التراب فيه وتحريكه إلى أن يصل إلى جميع أطرافه، وأمّا إذا كان مما لا يمكن فيه ذلك فالظاهر بقاؤه على النجاسة أبداً إلّا عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير».
والوجه فيه ما أشرنا إليه من أنّ دليل
الأمر بالتعفير إرشاد إلى النجاسة وبقائها حتى يغسل بالنحو المذكور، وليس الأمر بذلك تكليفياً لكي يتوهم اختصاصه بمورد القدرة
والامكان وسقوطه في موارد التعذر. فما عن المحقّق الهمداني في طهارته من دعوى الاختصاص غير مقبول.
وبعبارة أخرى: إنّ الأمر الارشادي ليس كالأمر التكليفي مقيداً عقلًا ولبّاً بموارد القدرة على
الامتثال ، بل هو مطلق إثباتاً وثبوتاً، فيشمل موارد عدم القدرة على الامتثال أيضاً؛ لأنّ مفاده ومدلوله التصديقي الارشاد إلى النجاسة وكيفية التطهير وهو مفاد خبري صالح للثبوت في موارد عدم القدرة على الغسل أيضاً.
وفي قبال هذا القول يوجد قولان آخران:قولٌ بإلحاقه حكماً بفاقده.
فيجتزئ بالماء؛ لاشتراط الجميع بالمشقة في التعطيل، ودعوى ظهور الاشتراط في الاختيار.ويرد عليه ما اورد في البحث السابق.وقولٌ بإلحاقه بالأواني المتنجّسة بغير الولوغ، واختاره في كشف الغطاء،
واحتمله غيره.
وذلك: للشك في
أصل شمول دليل وجوب التعفير للاناء المعذّر فيه ذلك أو المتعسّر لا لعارض خارجي، بل كان من حيث نفسه وأصل وضعه، ومنه الاناء النفيس جدّاً.
وأجيب: بالمنع عن انصراف النصوص عن ذلك؛ لورود الأدلّة مورد
الإرشاد إلى طريق التطهير، لا مورد
الالزام والتكليف ليمتنع شمولها لصورة العجز، فوزانها وزان الجملة الخبرية كقولنا: يتنجس الاناء بالولوغ ويطهر بالتعفير. وبما أنّه مطلق فمقتضاه بقاء الإناء على نجاسته إلى أن يرد عليه المطهر، وهو التعفير، فاذا فرضنا عدم التمكن منه يبقى على النجاسة إلى الأبد.
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۴۴۲-۴۴۴.